وائل توفيق يكتب: الانتخابات في مصر.. بين هيمنة رأس المال وخنق الإرادة الشعبية
تُظهر التجربة الانتخابية الجارية في مصر، بوضوحٍ متزايد، حدود العملية السياسية في ظلّ نظامٍ يُعيد إنتاج هيمنة الطبقة الرأسمالية، “أبناء جهاز الدولة ورجال الأعمال”، عبر أدوات الدولة. إنّ عملية استبعاد ورفض الطعن المقدَّم من الزميلين هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم ليست حدثًا معزولًا، بل هي جزءٌ من منظومةٍ كاملة تهدف إلى إقصاء الأصوات التي تُعبّر بصدقٍ عن مصالح الجماهير الكادحة، وإحلال ممثلين عن رأس المال ومصالح رجال الأعمال محلّهم داخل البنية التشريعية.
القائمة المغلقة… أداة لاحتكار تمثيل الشعب
وكما يقول المثل: “أول القصيدة كفر”، فإنّ قانون الانتخابات المعمول به يرى في نظام القائمة المغلقة المطلقة، في جوهره، ليس سوى وسيلةٍ لتكريس السيطرة السياسية لطبقةٍ بعينها. فبدلًا من أن تُعبّر الانتخابات عن إرادة الشعب الحقيقية، تتحول إلى عمليةٍ مُحكَمة تُنتقى فيها الوجوه مسبقًا، وفقًا لمعادلات الولاء السياسي والاقتصادي. وبهذا تُغلق أبواب التمثيل أمام القوى الديمقراطية والمستقلة والتيارات الشعبية، فيُقصى صوت العمال والفلاحين لصالح التحالف الطبقي الحاكم الذي تتصدره البرجوازية البيروقراطية ورجال الأعمال.
أدواتهم للسيطرة
لم يعد خافيًا أنّ التدخلات الأمنية في مجريات العملية الانتخابية تهدف إلى ضبط نتائجها سلفًا، عبر تقييد حركة المرشحين المعارضين، والتضييق على حملاتهم، ومراقبة تواصلهم مع جماهير دوائرهم، أمّا القضاء؛ الذي يُفترض أن يكون ضمانة العدالة، فقد جرى تحييده لضمان تغلّب آلية المنع على آلية الإنصاف، فرفض الطعون ليس فعلًا قانونيًا بقدر ما هو فعلٌ سياسي، يُعبّر عن إرادةٍ عليا في إقصاء من يكشفون تناقضات النظام ويفضحون بنيته الطبقية.
تحالف الطبقة الحاكمة ورأس المال
لقد بات واضحًا أنّ الصوت الأعلى في الحياة السياسية اليوم هو صوت رأس المال، فالتشريعات تُصاغ لتخدم مصالح الشركات الكبرى والمستثمرين، لا مصالح الطبقات المنتجة. وبالتأكيد، فإنّ ما تمّ تداوله حول وصول سعر المقعد إلى عشرات الملايين خيرُ دليلٍ على أنّ المقعد له غرضٌ ربحي، “ليس تمثيل الشعب لا سمح الله”، كل خطوةٍ سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ جديدة تُتَّخذ ليست سوى حلقةٍ جديدة في سلسلةٍ طويلة من إعادة توزيع الثروة لصالح الأقلية المالكة على حساب الأغلبية العاملة، إنّ استبعاد الأصوات الوطنية المخلصة مثل الحريري وعبد الحليم وأبو الديار وغيرهم، هو استبعادٌ لتمثيل هذه الأغلبية، ومحاولةٌ لإخماد أيّ نقدٍ أو بديلٍ يُذكّر الناس بأنّ السياسة يمكن أن تكون فعلًا جماهيريًا لا سوقًا للمصالح الخاصة.
المعركة مستمرة
ومع ذلك، فإنّ المعركة لم تُحسم، ولن تُحسم في صناديق الاقتراع وحدها. إنّ الصراع من أجل تمثيل الجماهير لا يُختزل في الانتخابات، بل هو صراعٌ اجتماعيٌّ شامل ضد احتكار السلطة والثروة. الانتخابات قد تُغلق، لكنّ الوعي لا يُغلق، والطبقة العاملة ستجد دائمًا وسائل جديدة لتنظيم صفوفها والتعبير عن إرادتها التاريخية في التحرر، رغم كل القيود والمحاولات لقتل السياسة، وحتى محاولات تشويهها وتشويه ممارسيها. ليس أمامنا سوى الاستمرار في النضال من أجل تحرّر مجتمعاتنا من سيطرة مستغلّينا.

