حسن البربري يكتب: مصر ضمن أسوأ عشر دول في تقرير الفجوة بين الجنسين 2025
أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريره السنوي عن الفجوة بين الجنسين لعام 2025، الذي يقيس مستوى المساواة بين الرجال والنساء في أربعة مجالات رئيسية: المشاركة الاقتصادية والفرص، الصحة والبقاء، التمكين السياسي، والتحصيل التعليمي. التقرير شمل 148 دولة، وبيّن أن الفجوة لا تزال واسعة عالميًا رغم بعض التقدّم.
مصر في ذيل الترتيب
جاءت مصر في المركز 139 من أصل 148 دولة، أي ضمن أسوأ عشر دول على مستوى العالم، بنسبة إغلاق للفجوة بلغت 62.5% فقط. كما تراجعت أربع مراتب مقارنة بتقرير العام الماضي. هذا التراجع يضع مصر في وضع حرج، خصوصًا أنها لا تحقق تقدمًا ملحوظًا في معظم المؤشرات، بينما تتراجع في بعضها.
الاتجاه التاريخي: عقد من التراجع
منذ صدور التقارير الأولى للمنتدى الاقتصادي العالمي، لم تتمكن مصر من تحقيق اختراق حقيقي في المؤشر.
• ففي عام 2015، كانت مصر في المركز 136 من أصل 145 دولة.
• بحلول 2018، تراجعت إلى المركز 135 من أصل 149 دولة.
• في 2021، ومع إضافة دول جديدة للتصنيف، هبطت مصر إلى المركز 146 من أصل 156 دولة.
• أما في 2023، فقد تحسنت قليلًا لتصل إلى المركز 134 من أصل 146 دولة، لكنها سرعان ما تراجعت مجددًا في 2024 و2025.
هذه المسيرة تكشف أن مصر لا تتحرك بشكل ثابت نحو سد الفجوة، بل تتأرجح بين مراكز متأخرة جدًا، من دون وجود سياسة وطنية واضحة لدفع التقدّم.
الاقتصاد: الحلقة الأضعف
المشاركة الاقتصادية تظل المؤشر الأكثر ضعفًا في مصر، إذ تحتل المرتبة 145 عالميًا. نسبة النساء المشاركات في سوق العمل لا تتجاوز 26%، وهي واحدة من أدنى النسب في العالم. كما أن الدخل المقدر للنساء لا يزيد عن ثلث دخل الرجال، ما يعكس فجوة ضخمة في العدالة الاقتصادية.
أما وصول النساء إلى المناصب القيادية العليا فلا يتجاوز 15%، وهو رقم ضئيل يعكس هيمنة الذكور على مواقع اتخاذ القرار الاقتصادي. ورغم أن مصر حققت مرتبة جيدة نسبيًا في مؤشر مساواة الأجر عن العمل المماثل (المركز 27 عالميًا)، إلا أن هذا لا يغير الصورة الكلية؛ فالمشكلة ليست فقط في الأجور، وإنما في غياب النساء عن سوق العمل من الأساس.
السياسة: مشاركة محدودة وتراجع ملحوظ
في المجال السياسي، تبدو الصورة متناقضة. ففي البرلمان، تشكل النساء نحو 38% من الأعضاء، وهي نسبة مرتفعة نسبيًا مقارنة بدول أخرى في المنطقة. لكن هذا المكسب لا يقابله وضع مشابه في الحكومة، حيث تراجعت نسبة الوزيرات إلى 15% فقط بعد أن كانت 18% في العام الماضي. الأهم أن مصر لم تشهد أي امرأة في منصب رئيس الدولة خلال الخمسين عامًا الماضية، ما يكشف أن سقف المشاركة السياسية للنساء ما زال محدودًا.
الصحة: توازن نسبي
في مؤشر الصحة والبقاء، تحقق مصر نتائج قريبة من التكافؤ. متوسط العمر الصحي بين النساء والرجال متقارب، وكذلك نسب الولادة عند الجنسين. هذه المؤشرات تضع مصر في موقع متوسط عالميًا، من دون تقدم ملحوظ لكنه أيضًا بعيد عن التدهور.
التعليم: النقطة المضيئة
يبقى التعليم هو المجال الأفضل أداءً، حيث أحرزت مصر شبه مساواة كاملة في الالتحاق بالتعليم الابتدائي والجامعي. الفجوة تظل قائمة في التعليم الثانوي ومحو الأمية، لكنها لا تؤثر كثيرًا على الصورة العامة الإيجابية لهذا المؤشر. غير أن التقرير يشير إلى أن هذا التقدم التعليمي لا يترجم بالضرورة إلى تمكين اقتصادي أو سياسي، وهو ما يجعل التعليم “مكسبًا معزولًا” لا ينعكس على بقية مجالات المساواة.
مقارنة إقليمية
عند مقارنة مصر ببقية دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتضح أن الوضع ليس استثناءً. المنطقة بأكملها تُعد الأضعف عالميًا في المساواة بين الجنسين، بنسبة 61.7% فقط. لكن بعض الدول حققت تقدمًا ملحوظًا في جوانب معينة:
• الإمارات سجلت نتائج أفضل في التمكين السياسي بفضل زيادة تمثيل النساء في المناصب الحكومية.
• المغرب شهد تحسنًا في التمثيل البرلماني للنساء خلال السنوات الأخيرة.
• السعودية، رغم تأخرها في المؤشر العام، بدأت في إدخال إصلاحات تدريجية زادت من مشاركة النساء في سوق العمل.
مقارنة بهذه التجارب، يتضح أن مصر ما زالت ثابتة في مكانها، بل تتراجع أحيانًا، من دون تبني سياسات واضحة لربط التعليم بتمكين النساء اقتصاديًا وسياسيًا.
خلاصة
يكشف التقرير أن مصر ما زالت عالقة في معادلة صعبة: تعليم متقدم نسبيًا، مقابل اقتصاد وسياسة مغلقين أمام النساء. فبينما تحصل الفتيات على فرص شبه متكافئة في التعليم، فإنهن يصطدمن لاحقًا بسوق عمل ضيق، وثقافة اجتماعية تقيد مشاركتهن، ومجال سياسي لا يفتح أبوابه إلا جزئيًا.
ومع استمرار هذا الاتجاه عبر عقد كامل من الزمن، تبدو الحاجة ملحة إلى سياسات جديدة جادة تربط التعليم بالتمكين الاقتصادي والسياسي، وإلا ستظل مصر ضمن ذيل الترتيب العالمي لسنوات مقبلة.

