رحيل لطفي لبيب.. ممثل “المساحات الصغيرة” الذي ترك بصمة واسعة وأثبت أن الصدارة ليست دائمًا في البطولة

كتب – أحمد سلامة

رحل الفنان الكبير لطفي لبيب، الأربعاء، عن عمر ناهز 78 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا خلفه مسيرة فنية شديدة التميز، اختار فيها أن يكون حاضرًا بصدق لا بزهو، مؤثرًا في كل ما شارك فيه، حتى وإن لم يتصدّر أفيشات البطولة.

في السنوات الأخيرة، ابتعد لبيب قسرًا عن الأضواء، بعدما أُصيب بجلطة دماغية أثّرت على حركته، وخاصة في النصف الأيسر من جسده، ليصبح ظهوره الفني نادرًا ومتواضعًا، رغم ما كان يملكه من طاقة تمثيلية وحس إنساني قلّ نظيره.

ولد لطفي لبيب في بني سويف عام 1947، وبدأ مشواره الأكاديمي في كلية الآداب قسم الفلسفة، قبل أن يدرس التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تشكّل وعيه الفني وتفتحت أدواته التعبيرية، دون أن ينفصل عن جذوره الاجتماعية أو انتمائه السياسي.

على مدار أربعة عقود، ظل لطفي لبيب حاضرًا في مشهد الفن المصري، دون أن يسعى لبطولة مطلقة، لكنه قدّم العشرات من الأدوار المركبة التي لا تُنسى، في السينما والمسرح والتلفزيون، بإحساس عالٍ وقدرة مدهشة على التلوّن بين الجدية والسخرية، بين الأب البسيط والضابط الحاد، بين الموظف المهموم والدبلوماسي الغامض.

من أبرز محطاته السينمائية، دوره في فيلم *”السفارة في العمارة”* عام 2005، حيث جسد شخصية السفير الإسرائيلي، ببرود مدهش وأداء ساخر متماسك، جعله خصمًا فنيًا مميزًا دون أن يسقط في فخ المبالغة أو الكاريكاتير. كما لمع في أفلام *”عسل أسود”، “طباخ الريس”، “كده رضا”، “إتش دبور”، “قط وفار”، “زهايمر”، “أمير البحار”، “كركر”، “نمس بوند”،* وغيرها من الأعمال التي كانت تمثل علامات في السينما الجماهيرية.

أما على شاشة التلفزيون، فحجز لنفسه مكانًا دائمًا في قلوب المشاهدين من خلال أدواره في مسلسلات مثل *”رأفت الهجان”، “الراية البيضا”، “يوميات ونيس”، “عائلة الحاج متولي”، “عايزة أتجوز”، “نونة المأذونة”، “الكبير أوي”،* وغيرها من المسلسلات التي لم يكن فيها دور لطفي لبيب “سنّيدًا” بل ضلعًا أصيلاً في النسيج الدرامي.

عشق المسرح وظل وفيًا له حتى النهاية، وشارك في عروض تركت أثرًا واضحًا مثل *”الراجل اللي شال أمه”، “الملك هو الملك”، “طرائيعو”، “الشحاتين”، “بين الشوطين”، “عريس دليفري”،* وغيرهم. كما قدّم عددًا من المسلسلات الإذاعية، وكان صوته مألوفًا ومحببًا لدى الجمهور.

خارج الفن، عُرف لطفي لبيب بمواقفه الوطنية ومشاركته في حرب أكتوبر 1973، وهي التجربة التي وثّقها في كتابه *”الكتيبة 26″*، كاشفًا عن جانب مختلف من شخصيته، حيث يظهر الفنان كمقاتل، والمثقف كمواطن فاعل في زمن الحرب.

لم يكن لطفي لبيب نجمًا بالمعنى التقليدي، لكنه كان ممثلًا حقيقيًا، مثقفًا ومخلصًا لمهنته، يعرف أن الدور الصغير قد يكون أكثر فاعلية من بطولة زائفة. ظلّ وفيًا لفنّه ولذائقته، واختار دائمًا أن يكون عنصر توازن داخل العمل، لا زينة على هامشه.

برحيل لطفي لبيب، تفقد الساحة الفنية أحد أبرز من جسّدوا “التمثيل بالصدق”، وأحد القلائل الذين صاغوا مجدهم على الهامش، فصاروا في القلب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *