محمد حليم يكتب: درس سوريا المتجدد

“لا أحد يتعلم من التاريخ”

* هيغل

على الرغم من تكرار نفس التجارب التاريخية تقريبًا مع النظم الديكتاتورية، إلا أن كل ديكتاتور يتوهم أنه سيكون الاستثناء من حركة التاريخ، فيقرر السير في طريق سقوطه وربما سقوط وطنه للنهاية. لن أتحدث عن تفاصيل ما جرى وملابسات سقوط دمشق وهروب بشار دون طلقة واحدة، فليس هذا هدف المقال. الأخبار متوفرة بكثرة، حتى وإن كانت متضاربة ومتباينة فيما بينها! وإنما سأحاول تقديم رؤية أو الإشارة إلى سياق الأحداث الجارية، في محاولة للوعي بالحاضر والخروج بتصور للمستقبل.

* ما الدرس؟

يخبرنا مشهد هروب بشار وسقوط دمشق في يد الجماعات التكفيرية المدعومة من الغرب الاستعماري – والتي تجلت أولى نتائجها في احتلال إسرائيل لأراضي المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل “أراضينا المحتلة” بعمق 14 كيلومترًا كما أعلن جيش الاحتلال في نفس يوم سقوط بشار الموافق 8 ديسمبر 2024 – بأن:

“الطغاة شرط الغزاة”، وأنه لولا إجرام بشار الأسد في حق الشعب السوري ما كان لتلك الجماعات أن تسقط دمشق دون طلقة رصاص واحدة، وما كان لسوريا أن تصبح ساحة عالمية للصراع الدولي بين كل القوى المتصارعة عالميًا وإقليميًا من إيران إلى تركيا إلى أمريكا وروسيا وأوكرانيا ومرتزقة فاغنر والجماعات السنية المتطرفة والجماعات الشيعية المختلفة!

* ما العمل؟

بالطبع، لن أناقش عبثية الدفاع عن هذا النظام الإجرامي، ولن أعدد جرائمه في حق شعبنا السوري، فجرائمه لا تكفيها مجلدات. بالطبع، لن أسقط في بؤس مناقشة إمكانية بقائه بدعوى دعم المقاومة، لأن ربط هذا المجرم بالمقاومة يسيء إليها ولكل أبطالها وداعميها. ما يهمني هنا هو الطريق الذي علينا أن نسلكه كشعوب قهرها الاستعمار وقمعها من يدعون محاربته، ومن هنا علينا العروج على الأسئلة التالية:

* من نحن؟

نحن المنتمون إلى الطبقات الشعبية ذات الوضع البروليتاري، وأعني العمال والفلاحين وأبناء البرجوازية الصغيرة من الطلبة وصغار ومتوسطي الموظفين في القطاعين العام والخاص، بل وحتى أقسام من الرأسمالية المنتجة المتضررة من سياسات التبعية وتغول الأقسام الطفيلية من طبقة الرأسمالية المحلية. هذه الطبقات تشكل ما يعرف بالكتلة التاريخية، المنوط بها إحداث التغيير. هي الطبقات والقوى الاجتماعية التي تتعارض مصالحها الاجتماعية والاقتصادية مع مصالح الحلف الطبقي الحاكم (رأسمالية ريعية + بيروقراطية الدولة) المتحالف مع قوى الإمبريالية عالميًا، وبالتالي عليها أن تناضل ضده.

ما الذي يعيق تشكيل تلك الكتلة؟

الكتلة التاريخية عبارة عن تحالف مادي بين القوى الاجتماعية – أي تنظيمات كالأحزاب والروابط والحركات الاجتماعية. وهي قبل ذلك تحالف أيديولوجي وثقافي، حيث تتوحد الأفكار والرؤى حول مستقبل المجتمع ووحدة المصير. عليه، يصبح غياب الوعي الموحد والتنظيم لتلك الكتلة هو العائق الأهم في سبيل بلورتها.

* أهمية الكتلة التاريخية

يخبرنا التاريخ أن التغيير يحتاج إلى تحالف واسع بين الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة من الحلف الطبقي الحاكم. وبدون هذا التحالف الواسع، تصبح مهمة التغيير الجذري بالمجتمع مستحيلة. على سبيل المثال، يمكن اعتبار تحالف العمال والفلاحين بقيادة الحزب البلشفي شكلاً من أشكال الكتلة التاريخية، حيث نجحت هذه القوى في إسقاط النظام القيصري وتأسيس أول دولة اشتراكية في التاريخ.

وهو ما حدث في العديد من حركات التحرر الوطني، التي تشكلت من خلال تحالفات بين العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين ضد الاستعمار والقوى الإمبريالية.

* أزمة الديمقراطية التمثيلية

نحن نعيش في زمن أزمة الديمقراطيات التمثيلية، وأعني بها ديمقراطية الخمس دقائق، التي يقتصر دور الشعب فيها على اختيار أحد المرشحين في السباق الانتخابي، والانسحاب من المشهد خلال فترة ولايته دون القيام بدور حقيقي في تسيير تلك السلطة التي خوّلت إليه. هذا النموذج ثبت فشله تاريخيًا في التعبير عن إرادة ومصالح أغلبية الشعب.

* الديمقراطية التشاركية

وكما تتجلى أزمة الديمقراطية الغربية في عدم تمثيلها لإرادة شعوبها داخليًا، تتجلى أيضًا في دعم أنظمة الحكم الغربية، المتشدقة بقيم الديمقراطية، لأنظمة الحكم المستبدة في بلدان الجنوب، ولاسيما منطقتنا المنكوبة.

بإيجاز، تتجلى المهام التاريخية للطليعة الثورية في بلدان الجنوب في مواجهة الإمبريالية الغربية عبر التخلص من الأنظمة العميلة، ومن ثم العمل على الخروج من علاقات الاستغلال والتبعية التي تربطها بدول المركز الرأسمالي. هذا لن يتحقق سوى بابتداع نموذج جديد يعبر عن جوهر الديمقراطية الحقيقي – الديمقراطية التشاركية – التي تعني بناء قواعد وتنظيمات جماهيرية من الأسفل، كالنقابات العمالية والجمعيات الأهلية والتنظيمات التعاونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *