فيديو| أحد أعلى معدلات زيادة الدين الخارجي.. كيف وصلت ديون مصر لأرقام قياسية
الدَّين الخارجي المصري زاد بمعدل يفوق 17٪ خلال العام المالي 2018-2019
تقرير: القروض الخارجية النوع الضار بالاقتصاد لأنها قصيرة ومتوسطة الأجل ومرتفعة الفائدة
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: الدَّين الخارجي وصل إلى ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية
كل طفل ولد في 2019 فهو مدين للخارج بـ 1000 دولار
مصر اقترضت من الخارج 18.4 مليار دولار في الفترة من مارس 2018 إلى مارس 2019، في حين سددت 27 مليار دولار خلال نفس الفترة!
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تطرح استنتاجات وتوصيات حول وضع الديون المصرية
كتب/ علي خالد
خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات الدين الخارجي بمصر ووصلت إلى أرقام قياسية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وهو ما أصبح مؤشرًا لدى البعض على تراجع قدرة الاقتصاد وإنذارًا بأوضاع قد تزداد سوءًا خلال الفترة القادمة.
وقد زاد الدَّين الخارجي المصري بمعدل يفوق 17٪ خلال العام المالي 2018-2019، فيما تدهورت معظم مؤشرات استدامة الدَّين، مثل نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي وإلى الصادرات وإلى الاحتياطيات الدولية، كما زاد عبء السداد السنوي إلى أضعاف ما يُنفق على الخدمات الأساسية مثل التعليم وعلى الصحة.
تقرير أصدره مركز “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، مؤخرًا، انتقد فيه أداء الحكومة المصرية واتهمها بتعمد إخفاء الوضع الحقيقي للديون، حيث قال “اعتمدت الحكومة على إخفاء الوضع الحقيقي للدَّين الخارجي عن طريق الاقتراض عبر مؤسسات لا تظهر في حسابات الموازنة، على رأسها البنك المركزي والهيئات الاقتصادية والبنوك التجارية، إضافة إلى الدَّين المحلي المملوك للأجانب (الأموال الساخنة)”.
وأضاف التقرير أنه على مدى الأعوام الأربعة الماضية اعتمد توافر الدولارات في الاقتصاد المصري بشكل أساسي على تزايد حجم القروض الخارجية، ما أدى إلى استقرار سعر الصرف على حساب تزايد القروض بالدولار.
ونبه التقرير إلى أن القروض الخارجية تظل في معظمها من النوع الصعب، الضار بالاقتصاد، لأنها قصيرة ومتوسطة الأجل ومرتفعة الفائدة.
ولفت التقرير إلى أنه ورغم الضغوط الواقعة على الاقتصاد المصري فقد ارتفع سعر الجنيه المصري مقابل الدولار خلال عام 2019، على عكس المتوقع.. مشيرًا إلى أنه عادة ما يكون ارتفاع قيمة العملة علامة على صحة الاقتصاد وقوة أدائه، وتوفر المعروض من الدولارات، لكن هناك من المؤشرات والبيانات الرسمية ما يشير إلى غير ذلك.
وبحسب تحليل بيانات نشره المركز، فقد قفز الدَّين الخارجي إلى ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية، بما يشكل عبئًا على الاقتصاد المصري الذي يعاني عجزًا في الموارد الدولارية، كما بلغ رصيد الدَّين الخارجي ما يقرب من 109 مليارات دولار (في يونيو 2019).
وعلى ذلك فقد زاد الدَّين الخارجي في مصر بمعدل 17٪ خلال عام 2018، ما جعلها أسرع دول المنطقة نموًّا من حيث الدَّين الخارجي، بحسب البنك الدولي، وحافظت على نفس المعدل المرتفع هذا العام، مع زيادة طفيفة ليبلغ 17.4٪، أي أكثر من ثلاثة أضعاف النمو في الناتج المحلي.
ويضاف إلى هذا الدَّين الخارجي ما يقدر بحوالي 25.5 مليار دولار، ما يسمى بالأموال الساخنة، أي قيمة أذون الخزانة (قروض تستحق خلال فترة أقل من سنة)، التي اشتراها الأجانب وذلك وفقًا لبيانات مارس 2019.
وذكر تحليل البيانات الدَّين الخارجي يساوي 4 أمثال الصادرات المصرية، فيما يساوي 2.5 ضعف الاحتياطيات من العملات الأجنبية.. بينما كل طفل ولد في 2019 فهو مدين للخارج بـ 1000 دولار.
تقرير المركز أشار إلى تدهور تركيبة الديون الخارجية لتصير أكثر صعوبة في السداد، مقارنة بالوضع منذ عشر سنوات.
وأوضح التقرير أنه رغم أن ما يقرب من ثلاثة أرباع القروض الخارجية طويلة الأجل، فإن ذلك لا يجعل منها ديونًا سهلة السداد، حيث بلغ متوسط آجال الدَّين الحكومي الخارجي القابل للتداول 12.07 عامًا (وذلك بفضل طرح سندات بالدولار، طويلة الأجل تستحق السداد على 30 عامًا أو أكثر)، وتكلفة الفوائد على أوراق الدَّين الحكومية تلك مرتفعة وتعد ضمن الأعلى عالميًّا، بحسب تصريح لوزير المالية محمد معيط في أكتوبر الماضي.. منبهًا إلى أن ربع الدَّين الخارجي المصري يستحق السداد خلال عام، وهو ما يترتب عليه أن تستمر مصر في الاقتراض من جديد من أجل سداد الديون المستحقة، وليس بغرض الاستثمار والتنمية.
وذكر التقرير أنه خلال العام الممتد من مارس 2018 إلى مارس 2019 سددت الحكومة 27 مليار دولار ديونًا قصيرة الأجل، وأقساط ديون طويلة الأجل جاء موعد سدادها، وهو ما يعادل 459 مليار جنيه، وجهتها الحكومة إلى سداد الديون خارج البلاد بدلًا من توجيهها إلى التنمية.. فيما يحتاج سداد هذا المبلغ إلى إيرادات تعادل خمسة أضعاف إيراد قناة السويس.. وهو ما يعادل أكثر من 6 أضعاف الإنفاق على الصحة وأكثر من 3 أضعاف الإنفاق على التعليم.
ولفت التقرير إلى أن مصر اقترضت من الخارج 18.4 مليار دولار في الفترة من مارس 2018 إلى مارس 2019، في حين سددت 27 مليار دولار خلال نفس الفترة، لتحقق اقتراضًا سلبيًّا مقداره 8.6 مليار دولار.
وتساءل التقرير عن المنطق في تحقيق اقتراضا سلبيا، موضحا أنه “إذا كان من أجل تمويل التنمية والبنية التحتية، فإن المحصلة هي أن المبالغ التي تخرج لسداد المستحقات أكبر من المبالغ التي نقترضها، فلا يتبقى شيء للبناء والتنمية. وإذا كان الهدف أن تزيد المبالغ المسددة كل عام من أجل تقليص حجم الدَّين الخارجي، فهذا أيضًا غير متحقق بما أن حجم الدَّين الخارجي في النهاية يتزايد، ولا يقل”.
وطرح التقرير استنتاجات وتوصيات هي:
1 / ارتفعت قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة أكبر من 8٪ منذ بداية 2019، ولكن ليست هناك أسباب لارتفاعها تدل على متانة الاقتصاد، ولا توجد زيادة في عرض الدولارات في مصر بما يكفي لتبرير انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه. ويبدو السبب في هذا الانخفاض هو زيادة تدفق الأموال الساخنة إلى الاقتصاد، مقارنة بالعام الماضي.
2 / إضافة إلى عامل آخر، فقد كان البنك المركزي يحتفظ بالأموال الساخنة في حسابات خارج الاحتياطيات الدولية، في مقابل تولي مسؤولية تدبير تلك الدولارات حين يطالب بها المستثمرون الأجانب لتحويل أموالهم إلى الخارج. وهو ما يعرف بآلية استعادة الأموال (repatriation mechanism).
3 / وأجبر صندوق النقد الدولي البنك المركزي على إلغاء تلك الآلية التي كان يستخدمها من أجل تجنيب دولارات لحالات الطوارئ. وأدى إلغاء الآلية في نهاية 2018 إلى ضخ تلك الأموال للتداول في السوق. وهو ما أعطى انطباعا بتوفر الدولارات. ولكن، في المقابل، صار وضع الجنيه هشا: إذا ما شعر الأجانب بالقلق تجاه الاستقرار أو أرادوا الانسحاب بشكل جماعي من سوق أوراق الدين المصرية، فمن شأن ذلك أن يزيد الطلب فجأة على الدولار. والبنك المركزي لا يملك من الاحتياطيات ما يعوض به زيادة الطلب، مما قد يرفع سعر العملة الأجنبية ويضعف قيمة الجنيه مجددا.
4 / يتراكم الدين الخارجي وتزداد الحاجة إلى مزيد من الشفافية والرقابة والمحاسبة على أوجه إنفاقه، حيث تتباين وتتعدد الاحتياجات التنموية. كما ينبغي فتح نقاش عام للمفاضلة بين الديون الخارجية والديون الداخلية.
5 / إعادة ملف الديون الخارجية إلى يد الحكومة، ووضعه تحت إشراف البرلمان، بحيث لا ديون خارجية بدون استئذان البرلمان، أيًّا كانت الجهة المقترضة، على أن تقدم خطة للسداد وخطة لاستخدام الأموال.
6 / وضع خطة خمسية معلنة مسبقا للمشروعات المراد تمويلها بالاقتراض الخارجي، وخطة موازية لتنمية الموارد الدولارية التي تتيح السداد، يقرها البرلمان في تشريع، وتحاسب الحكومة على درجة التزامها بتلك الخطة.
7 / وضع سقف قانوني للاقتراض الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (أيام مبارك كانت موجودة بدون التزام تشريعي)، وسقف آخر لاقتراض البنك المركزي الخارجي (كنسبة من الاحتياطيات).الاقتراض
8 / إعادة هيكلة الدَّين الخارجي بغرض إطالة آجال السداد، والعودة إلى نسبة 90% ديون طويلة الأجل، أي التي تسدد على أكثر من خمس إلى عشر سنوات، منخفضة الفائدة (الديون السهلة). وذلك بدلًا من الخطة الحالية التي علق عليها نائب وزير المالية لرويترز بأن متوسط آجال الدَّين العام (داخلي + خارجي) لا يتعدى عامين حاليًّا، وأن هدف الحكومة هو إطالة الأجل إلى ثلاث سنوات ونصف. ولكن تلك الخطة تُبقي متوسط آجال الدَّين أقل من المرغوب به، لأن أعباء السداد تزاحم الموارد المتاحة للتنمية والعدالة الاجتماعية.
9 / نشر شروط القروض وشروط سدادها. حتى الآن، لا نعرف مدى صعوبة شروط السداد في ثلثي الحالات (باستثناء القروض من الصندوق والبنك الدوليين وعدد من المؤسسات الدولية)، لأن البيانات لا تُنشر حول تلك الشروط، والتي تشمل فترة السماح قبل بدء السداد وعدد سنوات (آجال) السداد وسعر الفائدة.
10 / هناك تحسن في كم المعلومات المتاحة عن الدين الخارجي، إلا أن البيانات غير مجمعة بشكل يسهل على المتابع من خلاله رسم صورة كلية عن هذه الديون وأعبائها. كما أن معظم البيانات تتوقف عند مارس 2019، وبعضها يمتد إلى يونيو 2019، مما يعني تأخرا لا يقل عن خمسة أشهر.