د. إيهاب الطاهر الأمين العام الأسبق لنقابة الأطباء يكتب عن «المسؤولية الطبية»: هل لتحسين المنظومة الصحية.. أم لزيادة هجرة الأطباء؟
أرسل أحد الزملاء نسخة مشروع قانون المسئولية الطبية الذى وافق عليه مجلس الوزراء، وتم إحالته للبرلمان، وللأسف فإن المشروع المتداول لم يستوف الحد الأدنى المطلوب لشروط ومعايير القانون المأمول حيث أن به سلبيات خطيرة تؤثر سلبا على المنظومة الصحية وعلى المريض والطبيب فى آن واحد.
فمن المعلوم أن محاسبة الأطباء فى قضايا ممارسة المهنة بمعظم دول العالم تصدر له قوانين علمية وليست جنائية، لأن الغرض هو حصول المريض على حقه والحد من نسبة حدوث الأخطاء ودون وقوع ظلم على الأطباء أو التأثير سلبا على المنظومة الصحية.
وبالتالى فقد تقدمت النقابة منذ سنوات طويلة بمشروع قانون (علمى) يفرق بين المضاعفات والأخطاء والجرائم الطبية أسوة بقوانين الدول الأخرى، فالمضاعفات ليس عليها عقوبة، والأخطاء يتم جبرها بتعويض من صندوق يشارك به جميع الأطباء بدون توقيع عقوبات سالبة للحرية، أما الجرائم الطبية أو ما يسمى بالإهمال الجسيم فلها تعريف حصرى مثل العمل دون ترخيص أو القيام بإجراء مخالف للقوانين أو العمل تحت تأثير مخدر وهذه الجرائم تخضع لقانون العقوبات بما فى ذلك الحبس، ولكن للأسف فلم يرى هذا المشروع النور.
أما عقوبة الحبس التى يؤكد عليها المشروع المتداول مجلس الوزراء فى أخطاء المهنة دون وجود شبهات جنائية فليس لها وجود بمعظم دول العالم لأنهم فطنوا لأنها لن تؤدى لتحسين الخدمة الطبية بل إنها سوف تضر المريض إذا اضطر بعض الأطباء للجوء لما يسمى بالطب الدفاعى بأن يمتنع بعض الأطباء عن التدخل السريع الناجع فى الحالات المعقدة التى تكون نسبة نجاح علاجها محدودة خوفا من تعرضهم للحبس وبالتالى فإن النتيجة السلبية ستؤثر على المريض قبل الطبيب.
ملخص أهم السلبيات بمشروع القانون:
1- التغول على الأطباء والمنظومة الصحية بتأكيد تقنين الحبس الاحتياطى (بقرار النيابة) وكذلك الحبس العقابى (بحكم المحكمة) فى قضايا أخطاء المهنة دون وجود جريمة جنائية طبية.
2- عدم إلزام المريض بضرورة الشكوى للجنة المسئولية الطبية قبل اللجوء للتقاضى، وبالتالى فإن المريض يستطيع اللجوء للتقاضى مباشرة دون اللجوء للجنة، مما يعنى تفريغ صلاحيات اللجنة من مضمونها.
3- فتح الباب لإلغاء دور لجنة المسئولية الطبية فى تحديد الخطأ والمسئولية، حيث أنه يجوز لجهة التحقيق أو المحكمة أو الطب الشرعى الاستعانة بتقريرها (إن أرادت) كما يجوز لها الاستعانة بتقرير آخر من أحد أعضاء المهن الطبية، وكان يجب أن تكون اللجنة هى الجهة الوحيدة التى تملك صلاحية إعداد التقرير.
4- تم فرض أعباء مالية جديدة على مقدمى الخدمة لصالح صندوق التعويضات الذى سيتكفل بتعويض المريض، وهذا الأمر كان سيكون مقبولا حال وجود تاثير إيجابى مقابل على مقدم الخدمة، ولكن للأسف فإن الصندوق سيغطى الشق المدنى فقط بالتعويض لصالح المريض ولكن بدون أى تأثير على الشق الجنائى الذى يقر عقوبة الحبس على الطبيب.
.5- إمكانية استخدام أموال صندوق التعويضات الذى سيمول من مقدمى الخدمة لأغراض أخرى بخلاف تعويضات الأخطاء الطبية، أى أن الطبيب سيدفع ولكن قد يتم استخدام أمواله لأغراض أخرى.
6- عدم توفير الحماية الحقيقية للطواقم الطبية أثناء تأدية عملها، فالعقوبات الواردة على البلطجية المعتدين عليهم هزيلة جدا على الرغم من كونه اعتداء عمدى.
بالتالى أرى أن مشروع القانون المشار إليه سيىء، وسوف يزيد من وتيرة هروب الأطباء للعمل خارج مصر لأنه سيجعل ممارسة المهنة أكثر تعقيدا وخطورة، وسوف يؤثر سلبا على المريض والمنظومة الصحية.