أبرزها تحديث خط الفقر وربط الدعم بالتضخم.. المبادرة المصرية تقترح تعديلات على مشروع قانون الضمان الاجتماعي
تقدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعدد من التعديلات على بنود مشروع قانون الضمان الاجتماعي الذي يناقشه مجلس النواب حاليًا، وينظم برامج الدعم التي تقدمها الدولة في صورة نقدية، ويوحدها تحت مظلة واحدة، ويربطها بالفقر كمحدد أساسي للحصول على تلك التحويلات النقدية، بعد أن وافق على مشروع القانون من حيث المبدأ في مطلع الأسبوع الجاري.
وبحسب المبادرة، يوحِّد مشروع القانون الجديد سُبل الاستفادة بنظم الدعم النقدي المختلفة تحت مظلة واحدة، ويندرج المستفيدون منه تحت مظلة برنامجي التحويلات النقدية “تكافل” و”كرامة”، كما ينظمهما القانون الجديد الذي يحل محل قانون الضمان الاجتماعي 137 لسنة 2010.
ورأت المبادرة أن توحيد منظومة التحويلات النقدية على المستوى المالي والتنظيمي يعد أمرًا مطلوبًا، بشرط أن يكون الغرض منه، ونتيجته، توسيع التغطية وليس تقليصها، خاصة مع ربط استحقاق كل التحويلات النقدية في القانون بالوقوع تحت خط الفقر. ففي ظل التحديات الهائلة التي تواجهها مستويات معيشة المواطنين نتيجة الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، وما يترتب عليها من توليد المزيد من الفقراء وخفض مستويات معيشة من هم بالفعل تحت خط الفقر، هناك ضرورة لأن يكون منطق القانون وتطبيقه توسعيًا وليس العكس.
وتغطي التحويلات النقدية المقدمة حاليًا في برنامجي تكافل وكرامة، بالإضافة إلى معاش الضمان الاجتماعي نحو 5.2 مليون أسرة، بحسب البيان المالي لموازنة الدولة للعام الجاري، بما يعادل نحو 22 مليون فرد. وتشير هذه الأرقام إلى أن ما يقرب من نصف الفقراء مازالوا خارج هذه المنظومة، حيث بلغ عدد الواقعين تحت الفقر في 2020 حوالي 31 مليون فرد، قبل موجات التضخم العنيفة التي شهدتها مصر على مدى العامين الماضيين، والتي تشير التوقعات إلى دفعها معدل الفقر ليصل إلى 40% من السكان في الوقت الحالي.
وتثير دعوات الحكومة إلى التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي المخاوف من التخلص من نظام دعم السلع المقدمة على بطاقات التموين، بدعوى تحقيق الوفر المالي للدولة. لذلك فإن اعتراف القانون الجديد باستمرار الدعم العيني المقدم للسلع التموينية يعتبر أمرًا إيجابيًا، ﻷن الدعم السلعي يعتبر ضمانًا أساسيًا للأمن الغذائي والحماية من الفقر.
وقبل أن يستأنف مجلس النواب مناقشة القانون مع عودة جلساته العامة في 15 ديسمبر الجاري، تقدم المبادرة المصرية مقترحات بتعديلات على بعض مواد مشروع القانون المطروح، يمكنها أن تساهم في أن يلعب دورًا أكبر في تحقيق الحماية الاجتماعية.
خط الفقر والتضخم: يعتمد القانون في تحديد المستحقين للدعم على خط الفقر الوطني، وهو أمر إيجابي، لكن تحديث خط الفقر يفترض أن يتم كل عامين، بينما تأخر تحديثه مؤخرًا أربع سنوات. وأجري آخر تقدير لخط الفقر في بحث الدخل والإنفاق في مارس 2020، وتبلغ قيمته 857 جنيهًا للفرد في الشهر، بينما تصل هذه القيمة الآن بعد حساب التضخم الذي حدث خلال تلك السنوات إلى حدود 1780 جنيه.
التوصية: هناك ضرورة للنص على تحديث الرقم بشكل استثنائي خلال موجات التضخم الكبير، كالتي حدثت في الخمس سنوات الماضية، والمتوقع أن تستمر خلال السنتين القادمتين، أسوة بما يحدث فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور.
التأمينات الاجتماعية: يشترط القانون للتمتع بالتحويلات النقدية ألا يكون المواطن مشتركًا في نظام التأمينات الاجتماعية، لكن المشكلة أن كثيرين ممّن يتمتعون بنظام التأمين الاجتماعي أو يعملون بعقود في الحكومة أو في القطاع الخاص يقعون بالفعل تحت خط الفقر إذا تمت قسمة دخل الأسرة على عدد أفرادها، خاصة وأن نسبة كبيرة من العاملين لا يحصلون على الحد الأدنى الرسمي للأجور.
التوصية: إلغاء شرط التأمينات الاجتماعية والاكتفاء بوقوع دخل الأسرة تحت خط الفقر.
حذفت اللجنة المشتركة من لجنة التضامن الاجتماعي ومكتبي لجنتي الخطة والموازنة والشؤون البرلمانية بمجلس النواب إجراءات التحقق والتدقيق الميداني الخاص باستحقاق الدعم من المادة 3 من مقترح الحكومة، وأحالتها إلى اللائحة التنفيذية.
التوصية: إبقاء الالتزام بالإجراءات في متن القانون لضمان الرقابة البرلمانية، مع إضافة مزيد من التفصيل في اللائحة التنفيذية.
مراجعة الرسوم والمعاش: حددت المادة (12) من القانون نسبة الزيادة في الرسوم المقررة للتقدم بطلب الحصول على الدعم النقدي على أساس سنوي، بينما قرر القانون زيادة المعاشات نفسها كل 3 سنوات، مع الوضع في الاعتبار أن مسح الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والذي يحدد خط الفقر يصدر كل سنتين وليس كل 3 سنوات.
كما أن مراجعة قيمة الدعم النقدي الشهري كل 3 سنوات غير مقبولة في ظل معدلات تضخم الغذاء الحالية في مصر، فكل 3 سنوات سوف تصبح أسعار الغذاء على الأقل ضعفي ما هي عليه، ويصبح معدل التضخم العام على الأقل قد زاد بنسب تراكمية تقترب من 75% كل 3 سنوات.
التوصية: يجب أن تنص المادة على العكس: تزيد الرسوم كل سنتين أو ثلاث بنسبة لا تزيد عن 10%، بينما يجب ربط الزيادة السنوية في تحويلات تكافل وكرامة بمعدل التضخم السنوي في أسعار الغذاء، باعتبار الغذاء هو المكون الوحيد لسلة الفقر المدقع، والمكون الرئيسي في استهلاك الفقراء.
سقف المخصصات: تحديد القانون الأولويات في صرف معاشي تكافل وكرامة هو شيء جيد، لكن الحكومة قررت وضع سقف في القانون متعلق بالموارد المالية المتاحة، بدون تحديد كيف يتم تخصيص تلك الموارد المالية في الموازنة العامة.
ويعني النص الحالي للمادة (13) أن من تتوافر فيهم شروط الاستحقاق قد لا يحصلون على الدعم إذا لم تكن الموارد كافية، مما يترك فئات مستحقة دون أي حماية اجتماعية، الأمر الذي يتعارض مع مبادئ العدالة الاجتماعية التي نص عليها دستور 2014.
التوصية: وضع مادة إضافية لتحديد المخصصات سنويًا بناء على تقديرات دخل الأسر الواقعة تحت خط الفقر في مصر، والنص على أن ترحل الفوائض سنويًا إلى صندوق تكافل وكرامة لتستخدم في زيادة قيمة المعاش أو أعداد المستحقين. مع العلم أن ما تتحمله الدولة في العام الجاري للإنفاق على التحويلات النقدية لا يتجاوز 6% من إجمالي مخصصات الدعم، و0.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
الحد الأدنى والأقصى للمعاش: تنص المادة (14) على أن تحديد الحد الأدنى والأقصى للمعاش يكون بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض من وزير التضامن ووزير المالية، بينما يجب أن يرتبط الحد الأدنى للمعاش بقيمة خط الفقر القومي، لأن الطريقة المقترحة ستجعل تخصيص الموارد مربوطًا فقط بالاعتبارات المالية للوزارات، وليس بما هو مطلوب لتحقيق الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة. كما تنص على مراجعة قيمة المعاش كل 3 سنوات.
التوصية: يجب أن تكون دورية التحديث أكثر مرونة، وأن ترتبط مراجعة قيمة الدعم النقدي بشكل سنوي بمعدل تضخم الغذاء، أو بمعادلة للتضخم تحسب التضخم الكلي في الحاجات الأساسية التي تشكل سلة استهلاك الأسر الفقيرة (مأكل – مشرب – مسكن…إلخ). ويمكن أن يحذو ذلك آلية تحديث الحد الأدنى للأجر التي يتبعها المجلس الأعلى للأجور.
متابعة خروج المستحقين من المنظومة: تنص المادة (26) على أن تلتزم الوحدة المختصة بالمتابعة الميدانية، من خلال سحب عينة عشوائية بنسبة لا تقل عن 30% من الحالات المستفيدة من الدعم النقدي، خلال أشهر مارس وأبريل ومايو من كل عام، في ضوء البيان السنوي المقدم من المستفيد لتحديد مدى توافر شروط الاستحقاق لاستمرار صرف المساعدة، أو تعديلها، أو إيقافها بما يتناسب مع حالة المستفيد، فإذا تبين لها فقد شروط استحقاق المساعدة، أو تغيّر في الحالة المالية أو الاجتماعية للمستفيد؛ مما يستوجب تعديل قيمة المساعدة، أو إيقافها؛ يتم العرض على لجنة الدعم النقدي المختصة بالإدارة المختصة لإصدار قرار بشأنها.
يمثل ذلك تكلفة إدارية كبيرة كل عام إذ تقرر إعادة دراسة 30% من الأسر وهي نسبة تنطوي على عدد كبير جدًا بتكلفة مرتفعة، ما يرفع عبء التكلفة الكلية للبرنامج، ويقلل بالتبعية من المبالغ المستحقة للأسر في النهاية.
كذلك فإن المادة لا تضمن آلية واضحة لوقف الاستفادة البرنامج، فالمصطلحات فيها فضفاضة للغاية مثل (تغير الحالة المادية أو الاجتماعية)، والأفضل وضع معيار واضح مثل “تجاوز الدخل مثلا للحد الأدنى للأجور أو لمتوسط خط الفقر القومي للأسرة”.
التوصية: وضع مؤشرات ومعايير كمية وآليات واضحة لتخارج المستفيدين من الدعم، مثل تجاوز الدخل متوسط خط الفقر القومي الشهري للأسرة بحسب عدد أفرادها.
يفتح مشروع قانون الضمان الاجتماعي الباب لتحسين فرص الحياة للملايين، إذا تم التعامل معه كفرصة لاستيعاب آثار برامج “الإصلاح الاقتصادي” العنيفة على مستويات المعيشة، ويسمح بتحسين مستوى الحماية الاجتماعية في مواجهة موجات الغلاء، بينما قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا تم التعامل معه كوسيلة إضافية لتقليص النفقات الحكومية والتوسع في السياسات التقشفية التي تسعى للتخلص من “عبء” الفقراء المتزايد.