مدحت الزاهد يكتب: عناصر الضعف في الوضع السوري

صحيح أن الاستهداف الصهيوني الأمريكي للنظام السوري يعود لمواقفه في دعم المقاومة وكونه المركز اللوجستي لدعم حزب الله، وضربه هو استكمال للعدوان على المقاومة. وصحيح أن الحرب على أرضه تنتمي إلى مجال أوسع، ولكن صحيح أيضًا أن الأثر التدميري للضربات يعود إلى عناصر الضعف في بنية النظام السوري خاصة ومحور المقاومة عمومًا، وعلى الأخص موقفه من قضية الحريات ومقايضة أي هامش لتوجهات وطنية أو اجتماعية بضرورة اصطفاف الشعب وراءه وإغلاق مجال المشاركة على الموالاة.

ومنذ نصف قرن ويزيد، يؤكد النظام السوري المحتلة أراضيه أنه هو الذي سيحدد مكان وساعة وشكل المعركة، وظل هذا شعاره مع تعدد الضربات. ويبدو أنه كان له الفضل الأول في اختراع ما سُمِّي “بالصبر الاستراتيجي”. وحتى عندما اشتعلت المعارك وتعددت جبهات القتال ضد الكيان الصهيوني بعد 7 أكتوبر وإطلاق شرارة طوفان الأقصى، واصل النظام السوري اعتذاره عن المشاركة المباشرة بذريعة عدم الإخلال بتوازن قواته المسلحة في الداخل في مواجهة البؤر الإرهابية المنتشرة في أراضيه.

والحقيقة أنه عندما تشتعل المعارك في بلد محتلة أراضيه ويبقى جيش هذا البلد بعيدًا عنها، يصدا ويتعرض للتحلل وانهيار المعنويات، ويسهل توجيه الضربات له. فالجيوش، عندما تلوح الظروف لفرص أفضل لتحرير أرضها، إما أن تحارب أو تنكفئ. ولعلنا نذكر موقف الشعب المصري في 9 و10 يونيو عندما رفع شعار “بالجيش والشعب هنكمل المشوار” وإصدار أمر قتال لقوات المسلحة، فاندلعت حرب الاستنزاف بعدها بأيام واستعاد الجيش تماسكه ورفع رأسه.

وعودة إلى سوريا، وفي كل الأحوال، فإن توزيع قوات الجيش السوري على الداخل بعيدًا عن الجولان تم كمعادل لعزلة نظام بشار وانفضاض قطاعات واسعة من الجماهير نتيجة مواقف النظام السوري من قضية الحريات، والتي لا تقتصر على موقفه من الانتفاضات الجماهيرية زمن الثورات وقبلها، بل قمعه الوحشي في حلب إبان حكم حافظ الأسد وبعد ذلك في عدة مناسبات. والحقيقة أن الجماهير التي غُيِّبت كان يمكن أن تكون حاضنته في مواجهة الإرهاب وطريقه للحفاظ على وحدة وسيادة سوريا على كل أراضيها في ظل إدارة ديمقراطية عامة وفي المحليات تعكس إرادة المواطنين وتواجه هذه البؤر مرتكزة على كل موارد الدولة.

ولقد سنحت لنظام بشار هذه الفرصة لإعلان حرب تحرير وطنية كبرى لتحرير الجولان، ولو في معركة ممتدة كحرب استنزاف طويلة الأمد كان من شأنها استعادة تماسك الجيش وتطعيمه بالنار وتطوير جاهزيته بمشاركة الشعب وإلحاق الضربات بالكيان الصهيوني، ودعم هذا التوجه بإطلاق الحريات. ولو فعلت لكانت أكثر تمكنًا من مواجهة أعدائها وتعبئة شعبها وتعظيم قدرة المقاومة وحصار بؤر الإرهاب وضبط تحالفاتها على بوصلة تستجيب أكثر لمصالح الشعب. وكان هذا الاختيار أفضل كثيرًا من نظام الرعاة والدولة المفتتة.

وترتبط قدرة سوريا على التقاط أنفاسها بمهمة مزدوجة للتحرير والدمقرطة، وعلى خلفيتها تبني التحالفات والخطوات الانتقالية وبناء حقوق المواطنة والمشاركة.

ولا يمنع هذا التوجه من دعم النظام السوري في كل موقف يواجه فيه الاستعمار ويتعرض لهجمات ميليشيات الإرهاب، لكنه يوجب القراءة النقدية لأسباب الأزمة وتصحيح السياسات التي تنتج الهزائم وتفتح الطريق للتفتيت والتراجع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *