مثلث الكمد| بين ألم الفقد ووجع العَوز وتجاهل المسئولين.. أسر مصرية تعاني بعد اختطاف 7 مواطنين على يد قوات الدعم السريع بالسودان (فيديوهات)
كتبت – أميرة الطحاوي
في مثلث الكمد، سقطت 7 أسر مصرية بين براثن الألم.. مثلثٌ من ثلاث زوايا في كل منهم أنين وكرب ولوعة؛ في زاويته الأولى وجع الفقد بعد أن غيّب الاختطاف على يد قوات الدعم السريع 7 مواطنين دفعتهم الظروف للتواجد في السودان بحثًا عن رزق يقيهم وذويهم شر الاحتياج.. وفي زاويته الثانية همّ البحث عن “لقمة العيش” في بلد تتداعى أوضاعه الاقتصادية وتسحق الجميع بلا رحمة ليزداد الفقراء فقرًا فوق فقرهم.. وفي زاويته الثالثة شر تجاهل المسئولين وامتناعهم عن التعاطي مع اختطاف مصريين في بلد يعاني حربًا أهلية ضروس.
من أجل باكو بسكوت، تصنعه لك الطفلة نورهان، ليستنزف من عمرها (وهي 14 سنة) 14 ساعة يوميا، وربما تزيد.. تصحو ابنة عامل اليومية “محمد شعبان علي محمد” المحتجز المصري في السودان منذ 18 يونيو 2023، من الخامسة فجرًا، تستعد لتشد الرحال ومعها شقيقتها الأصغر، من قرية أبو شنب حتى مركز أبشواي بمحافظة الفيوم، ثم طريق سريع وراء آخر، وصولا لمحافظة الجيزة، فالمنطقة الصناعية بحي السادس من أكتوبر، لتبدأ عملها في الثامنة صباحا ثم تنهي “ورديتها” في مصنع البسكويت لتنتظر الحافلة وتعاود الطفلتان المسار نفسه “ليلا هذه المرة” لساعتين وأكثر لتصلا نحو الثامنة مساء إلى حضن أمهما المريضة، يغلق الباب عليها والأبناء الأربعة ليستعدوا لشقاء يوم جديد دون أبيهم.
أسرة، ومثلها سبعة، ذاقوا الهوان والعوز والألم النفسي والابتزاز المالي منذ اختطاف قوات الدعم السريع سبعة مصريين بالخرطوم، من منزلهم باللاماب ناصر بالعاصمة السودانية الخرطوم مع اشتعال المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم التي بدأت منتصف أبريل 2023، حسب أسر المختطفين السبعة، وقتها، فهم يعملون في تجارة السلع المنزلية (بلاستيك)وبعضهم عمال يومية، وقد داهمت قوة من الدعم السريع المنزل الذي يقطنون فيه، اختطفت 7 ومعهم سوداني يدعى خالد ضيف، أطلق سراحه لاحقا، وتواترت الأقوال أنهم رُحلوا لمعسكر في الرميلة. أبلغت الأسر الخارجية المصرية يوم 19 يونيو وأرسلت صور جوازات السفر وما يوثق الواقعة، من مقاطع وصور وشهادات جيران، و في مرحلة لاحقة أحتجز مصريان آخران بنفس مقر المجموعة المختطفة، أحدهما يدعى أحمد أخصائي تبريد من محافظة السويس.
في الأشهر الأولى نقل الخاطفون الرهائن لعدة مناطق الخرطوم قبل أن يبقوهم في معقل بحي الرياض.
مع عدم تجاوب الإعلام الرسمي أو المقرب من دوائر الحكم بالقاهرة في طرح قضيتهم، تستمر مناشداتهم المتكررة خلال عام ونصف لجميع الجهات، والنافذين في الشأن العام ومشاهيره، مصريين وسودانيين، والمنظمات الدولية وقطعا الصليب الأحمر وحتى دولة الإمارات العربية المتحدة، وكل من اعتقدوا أن له قدرة على التوسط لإخلاء سبيل العمال المختطفين.
🛑 تجاهل وتعنت.. وقيام بدور المسئولين
حاول شقيق شعبان وآخرون من ذوي المحتجزين طرق أبواب المسؤولين.. معتقدا أنهم سيقومون بوظيفتهم كموظفي خدمة عامة أو قادة تنفيذيين أو ساسة منتخبين، حسب تصريحه: قوبلوا مرة بترحيب، ومرات بالصد والتجاهل، بل ورفض نواب وموظفون حتى مجرد مقابلتهم.
حسب الأسر، في إحدى المرات هدد موظفو الاستقبال جدة مسنة ورجلا من ذوي المحتجزين باستدعاء الأمن لهما، فكيف تبلغ بهما الجرأة أن يحضرا بأنفسهما من قريتهم لمقر وزارة الخارجية العريق على كورنيش النيل، حتى يقابلا موظفا أو مسؤولا في الدولة المصرية.
وفرت العوائل أرقام هواتف وعناوين وتفاصيل تخص مكان وملابسات الاحتجاز، أرسلوا ما يجدّ لديهم لمن يهتم وقبلها للمسؤولين بمصر، وداوموا على التواصل مع مقربين ومستشارين وباحثين وباحثات وصحفيين، مقربين من هذا الطرف أو ذاك بالسودان، ومن هذه الدولة التي ترعى أحد الأطراف المتحاربة. تعرضوا لابتزاز وإهانات وتلاعب نفسي من بعض عديمي الرحمة والأفاقين.
حوار مع أسرة شعبان
🛑 أطفال ومسنون
صراخ وتشتت ذهني وحالة تحتاج التشخيص نفسي (أو دعم نفسي) من طبيب مختص ضربت ثلاثة أطفال، على الأقل، جودي أصغر أبناء العامل المحتجز شعبان، التي لم تتم السادسة من عمرها، ورنا في العاشرة (ابنة ماجد معوض، مختطف آخر)، ومعه شقيقه عماد، وكلهم مأسورين (الآن) في مبنى بحي الرياض بالخرطوم، ثم ابن مختطف رابع “احمد عزيز مصري عبد القادر” الذي يردد مُحدقًا بثبات وتكرار: عاوز بابا.. خانق هو العجز عن تلبية مطلب كهذا لطفل.
جودي ومريم وغيرهم من أطفال المحتجزين يعانون من ضغط نفسي ومخاوف، تقول الأسر انهم أخفوا الأمر عن الأصغر سنا في البداية لكن لم يدم هذا وعرفوا، كلهم -ومع متابعة الأخبار والمعارك عبر التلفزيون أو حديث الأقران أو استراق السمع لمجالس الكبار– يعرفون ما حدث، و يزداد خوفهم خاصة مع عدم ظهور أي بريق أمل يخشون فقدان آبائهم للأبد.
🛑 فقد ومرض وفقر
ننتقل لمنزل أسرة عامل خامس مختطف هو “عبد القادر عجمي عبد العزيز” الذي تعالج زوجته من كهرباء بالمخ ولا تجد ثمن الدواء والجلسات، ويعمل ثلاثة من أبنائها الأربعة ليبقوا على قيد الحياة في منزل بسيط للغاية، الحاجة والفقر والمرض والرعب على مصير العائل الوحيد ورب الأسرة، منزل مليء بقصص تفطر القلب وبحزن يفيض على الوادي.
حوار مع أسرة الرهينة عجمي
بإيمان بالقدر واستبشار وتجهم في آن: تقول شقيقة أحمد مصري باكية بحرقة إنها تسترجع شريط ذكريات عطف ورعاية الأخ الأكبر الذي تولى مسؤولية الأسرة الممتدة مبكرا “كان بيجري ويسعى، مش علشان نفسه بس، كان عايش علشانا كلنا، كان بيساعد زمايل ليا ف الجامعة، ولما ربنا يكرمه بفلوس يوزع خير على القريب والبعيد (بعض العمال والتجار المختطفين يعملون منذ اكثر من عشرين عاما عندما كانوا صبية صغار بين مصر السودان) كان نور باعته ربنا لينا علشان نحس ان في أمان..باشوف فظائع الحرب وباخاف على أخويا اللي كان ليا بمثابة الأ. باقول يارب زي ما خلته سبب في فك كرب ناس، قريب وغريب، بادعي ان ربنا يفك أسره من الأزمة دي”.
حسب مصدر السودان فإن هناك ” مصري محتجز مات بالفعل في سوبا ” وهناك ممارسات عنف بتفاصيل مهينة تتم على البعض خاصة عن تكبد طرف خسائر عسكرية.
يعلق شقيقه محمد “استضفنا زوار وضيوف وأسر سودانية كتير هنا في بيتنا وبيوت القرية، كانوا زي الأهل بالضبط.” يرعي محمد وآخر من أسر السبعة طلاب سودانيين في مصر، حتى الآن، يعرفون أسرهم بالخرطوم بحكم العمل المشترك والجيرة منذ سنوات “ربنا قادر يرد لنا هذا ولا نرى سوء في أبنائنا المختطفين هناك.”
من بيت لآخر، للمرة الثانية ، تنتقل والدة الشقيقين عماد وماجد ووالدة أحمد، السيدتان الأكبر سنا والأقوى عزيمة في المشهد، تصحباني لمنازل أسر المحتجزين، شي ما بين بكاء وربما عويل السيدتين ودموع شقت طريقها مرارا ومرارة حتى جفت وصريخ ونحيب خفت من كثرة ما دوى ولم يجد من يسمعه ويرد، تمتلك الأسر، رغم كل هذه الأحزان وما قابلوه من تجاهل وسلبية ممن يفترض فيهم العون والدعم، إرادة صلبة فيتصلون بهذا وذاك ويتوسمون خيرا في كثيرين، ولديهم يقين أن مصابهم سيمضي ..
حوار مع أسرة أحمد مصري
في يوليه الماضي كان لديهم توقع أن يطلق سراح المحتجزين “تصلنا أحيانا تطمينات من سودانيين وجنسيات أخرى كانوا في الأسر مع أبنائنا”. أحيانا يمكنهم تسريب رسالة خطية. في أكتوبر من العام الحالي، وبعد تحولات ميدانية وخسائر للطرف الذي يحتجز العمال، وانقطاع الاتصال معهم حتى عن طريق وسطاء، زادت مخاوفهم: إذ قد يطالهم شر من ضربة جوية للجيش أو أثناء تبادل إطلاق نيران أو ينتقم منهم مختطفوهم أو يتخلصون منهم عند ترك مقارهم أو انتقال القوات منه لأسباب تكتيكية أو اعتبارات ميدانية. كلها احتمالات واردة .
تقول سيدة : نعرف بس مصيرهم، الصليب الأحمر يطمنا، يصورهم، يعالجوهم. أصيب ماجد بشظية في يده خلال غارة للجيش السوداني قرب موقع كان الدعم السريع يخفي به الرهائن المصريين، تفهم أم مكلومة الخطر اليومي على حياة ابنها، تصمت قليلا وتلجم كلمة وأخرى، حتى تتمكن من لفظ جملة: مؤمنون بالقدر: خيره وشره..
حوار مع أسرة الشقيقين المختطفين عماد وماجد معوض
حوار مع أسرة المختطف عبد القادر