د. ممدوح سالم يكتب: تأملات لمعاش غد!
#إليك_يا_أنا
بعد سنوات معدودات…
يومئذ ذلك (العجوز) الذي يراه الناس قد بلغ الستين ولم يعد قادرا على العطاء، كذبوا وعميت أبصارهم لو كانوا يبصرون.
إن العمر ربيع كله، فيه فصول الطقس التي ألفنا، لكنها حسب ظروفه وحركات الرياح التي تضرب في مستقر خيام الحياة.
بلوغك الستين أو سن المعاش كما ألف الناس ليس دليلا بالمرة على فقدانك مقومات العطاء الذي وهبك الخالق مدده بإذنه.. ربما يكون درجة للتقاعد عن كرسي الوظيفة القاتلة التي لو تأملت لعلمت أنها عطلتك كثيرا عن بلوغ أهداف حان تحقيقها وكانت أحق أن تستهدف لولا قيود الوظيفة وقانون العمل..
الآن حان تحقيقها أيها المبصرون.
أعرف كثيرا ممن استهلوا الحياة بعد الستين، وها هم في ريعان العطاء وقمة الملهمين.
#إليك_يا_أنا …
ذلك الشيخ بعد الستين وفي يديه جنيهات معدودات لا تكفي الدواء ولا تسد الرمق، ولا تسكن الأنين..
أخبرني زميلي الذي بلغ سن التقاعد أن معاشه من حصاد نيف وثلاثين عاما في التعليم لا يتجاوز ألفين ونصف.. ثم التفت مستدركا أنه كان على أعلى شريحة تأمين!
أعلم كم أنا بليد في الحساب وشئون التأمينات؛ لكنني على
يقين أنني أحسنت قراءة الحسرات في عينيه وهو يعدد لي كم المسئوليات التي هو ملزم بها.
سألته مستنكرا وكيف يكون؟ فأجابني: معاش التعليم!
على يقين أنه لا يليق!
#إليك_يا_أنا..
ذلك المعلم العالم المعطاء..
أرجوك لا تتوقف عن عطائك حتى يحين الأجل وأنت واقف على قدميك..
لا تتوقف عن عطاء رسالتك وإن أحالوك إلى سن التقاعد والمعاش.
لا أدعوك إلى ارتياد المراكز التعليمية المهينة، ولا إلى انتظار وظيفة لدى أصحاب المدارس لا علاقة لها بعطائك.. بل اصنع لنفسك من الآن محورا يستلهم تجربتك، ويقدر خبراتك، ويكافئك بحسن المكافأة وإن كان مردودها قليلا.
لا تركن إلى أنك مهدد بأمراض الشيخوخة والكبر، بل قاوم حتى النفس الأخير.
سيتحلق حول هالتك النورانية أحفادك وأحبابك وتلاميذك وذووك، فدم على عطائك ومدد الله لك.
لا تنس أنك تحمل رسالة الأنبياء، وأولئك لا حدود لعطاء رسالاتهم، وفي سعيهم لا يفتُرون.
وفي التنزيل يقول رب العالمين:”وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّون إِلى عَٰلِمِ الْغَيْبِ وَٱلشَّهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”
وفي الحديث: “إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا”.