إلهامي الميرغني يكتب: مرضى السرطان وعبث الحكومة وسرقة التبرعات
السرطان مرض لعين ولخطورته وما يسببه للمريض وأسرته يتحاشى المصريين ذكر اسمه مثل باقي الأمراض فيسمونه “المرض الوحش” أو “المرض الخبيث” لأنه ينتشر في صمت ودون ألم حتى يتم اكتشافه في مراحل متقدمة.
وباعتباري مريض سرطان منذ 2019 فمن حقي أن أتحدث عن معاناة مرضى السرطان وقوائم الانتظار وكم من المرضى فقدوا حياتهم وهم منتظرين مواعيد لإجراء جراحات قد تنهي رحلة الألم والمعاناة. ومصر لديها صرح علمي عظيم هو معهد الأورام القومي التابع لجامعة القاهرة وكان يعمل بالتمويل الحكومي فقط ولكن ظهور بعض الجهات الأهلية للعلاج مثل مستشفى سرطان الأطفال ومؤسسة بهية جعلت المعهد يلجأ الي جمع التبرعات لتغطية الإقبال المتزايد عليه وتقليل قوائم الانتظار. لكن الأساس يجب أن يظل التمويل الحكومي ولو حصل المعهد على المبلغ الذي ينفق على علاج مرضى السرطان على نفقة الدولة يمكن أن يحدث طفرة في مستوي الخدمة والقضاء علي قوائم الانتظار.
كم عدد مرضي السرطان في مصر؟
عام 2023 أعلن عميد معهد الأورام القومي أن مصر بها 135 ألف مصاب سرطان جديد في السنة (مصراوي 3 ديسمبر 2023). وقالت وزارة الصحة والسكان في تقرير لها إن معدل الإصابة بالسرطان يمثل 152 لكل 100 ألف مواطن واستراليا على سبيل المثال بها 468 حالة لكل 100 ألف مواطن ونيوزيلندا 438 حالة لكل 100 ألف نسمة والولايات المتحدة 352 حالة لكل 100 ألف نسمة. (اليوم السابع – 5 أكتوبر 2022) ولو طبقنا هذه النسبة على عدد سكان مصر في 2024 فإننا نتحدث عن 183.9 ألف حالة إصابة جديدة بالسرطان.
يوجد 68.5 مليون مواطن يخضعون للتأمين الصحي وعند إصابة أي منهم بالسرطان يتكفل التأمين الصحي بعلاجه (اليوم السابع -23 أغسطس 2024) وبالتالي يوجد 52.5 مليون مواطن ليس لديهم تأمين صحي وعند اكتشاف اصابتهم بالسرطان يلجئون إلى العلاج على نفقة الدولة.
وبمتابعة الإحصاءات التي ينشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في كتابه الإحصائي السنوي (مصر في أرقام) نجد أنه في عام 2012 تم علاج 131.3 ألف مريض على نفقة الدولة منهم 12,706 مريض أورام ويمثلون 9.7% من المرضي الذين تم علاجهم على نفقة الدولة عام 2012. ولكن حدثت طفرات في عدد المرضي المصابين نتيجة التلوث وسوء التغذية والعادات غير الصحية إضافة للوراثة. عام 2018 تم علاج 2.6 مليون مريض على نفقة الدولة في الداخل منهم 284.2 ألف مريض أورام يمثلون 10.8% من المرضي الذين تم علاجهم على نفقة الدولة.
أما في عام 2022 فقد بلغ عدد من تم علاجهم على نفقة الدولة 3.2 مليون مريض منهم 567.6 ألف مريض أورام يمثلون 16.9% من حالات العلاج على نفقة الدولة. وبما يعكس النمو الكبير في عدد الإصابات بين المرضي الذين لا يوجد لديهم تأمين صحي ولو اضفنا إليهم عدد مرضي الأورام في التأمين الصحي فقد نصل الي مليون مريض بالأورام منهم من يعالج في التأمين الصحي ومنهم من يعالج على نفقة الدولة.
وبالنسبة لمرضي العلاج على نفقة الدولة الذين بلغ عددهم 567.6 حالة فقد تكلف علاجهم 2.9 مليار جنيه تمثل 20.6% من إجمالي تكلفة العلاج على نفقة الدولة في الداخل. ورغم ذلك يعاني العديد من مرضي السرطان من قوائم الانتظار وعدم وجود مستلزمات العلاج والأدوية الضرورية لاستمرارهم في الحياة وتقليل الألم والمعاناة.
أماكن علاج مرضي السرطان
يوجد 5569 سرير تابع للهيئة العامة للتأمين الصحي القديم بالإضافة لأسرة التأمين الصحي الاجتماعي الشامل، كما يوجد 11 مركز لعلاج الأورام بالمحافظات تضم 808 سرير. ذلك بخلاف اسرة القطاع الخاص والأهلي ومستشفى سرطان الأطفال ومركز بهية لعلاج سرطان الثدي. لكن يظل المعهد القومي للأورام هو درة التاج في المؤسسات الصحية لعلاج مرضي السرطان في مصر وقد تأسس المعهد عام 1969 ويقدم خدماته للمرضي من جميع محافظات مصر. وإذا حاولنا التعرف على حجم المعهد وما يقدمه من خدمات نجد الآتي:
• مؤسسة تعليمية تدريبية بحثية تابعة لجامعة القاهرة.
• العلاج بالمجان لكل الفئات والأعمار غير هادفة للربح.
• يستقبل المعهد 25% من إجمالي الحالات الجديدة سنوياً في جمهورية مصر العربية.
• يضم المعهد حوالي 40 عيادة تخصصية ويستقبل أكثر من 1000 مريض يومياً.
• يتم اجراء أكثر من 4000 عملية جراحية كبرى سنوياً وأكثر من 2500 عملية جراحية صغرى سنوياً.
• يتم اجراء أكثر من 63,000 جلسات علاج إشعاعي سنوياً وأكثر من 1040 جلسة علاج كيميائي سنوياً.
• يتم اجراء أكثر من 60,000 أشعة تشخيصية سنوياً وأكثر من 5000 منظار تشخيصي سنوياً.
عام 2023 تردد على المعهد 424.5 ألف مريض وتم اجراء 1,343,834 تحليل ولدي المعهد قوائم انتظار طويلة لذلك تم التفكير في عمل توسعة جديدة لاستيعاب كل مرضي السرطان والقضاء على قوائم الانتظار وتخفيف المعاناة عن مرضي السرطان في المحافظات.
معهد الأورام الجديد في الشيخ زايد (مستشفى 500500)
تقع المستشفى في مدينة الشيخ زايد في 6 أكتوبر، وعند اكتمال جميع مراحلها ستوفر 1020 سرير بالقسم الداخلي و500 سرير بوحدة علاج اليوم الواحد، و60 غرفة عمليات كبرى، و15 جهازًا للعلاج الإشعاعي، ومركزًا متكاملًا لأبحاث السرطان المتطورة يضم معامل الأبحاث المعملية التي تغطي كل مجالات العلوم الخاصة بالوقاية وتشخيص وعلاج الأورام، كما يشمل المشروع منشأة متكاملة ومعتمدة لحيوانات التجارب الدوائية والجراحية، وبنوكًا للخلايا الجذعية وللجينات الوراثية المرتبطة بالسرطان.
المرحلة الأولي
تحتوي المرحلة الأولى من المشروع على 2 مبني لإقامة المرضى بطاقة 340 سريراً (أسرة مرضى – رعاية مركزة – زرع نخاع)، وعدد 2 أجنحة للعيادات الخارجية لكافة التخصصات بطاقة استيعابية 1440 مريض في اليوم،20 غرفة عمليات كبرى، بالإضافة إلى وحدة علاج كيميائي لليوم الواحد بعدد 122 كرسي لعلاج 350 مريض في اليوم، ووحدة علاج تلطيفي لليوم الواحد بعدد 30 سريرا، فضلاً عن عدد 6 أجهزة متنوعة للعلاج الإشعاعي بطاقة استيعابية 215 مريض في اليوم، ووحدة أشعة تشخيصية بطاقة استيعابية 800 مريض في اليوم، ومكان لاستقبال طوارئ الأورام بطاقة استيعابية 120 مريض في اليوم، ووحدة إجراءات تشخيصية وعلاجية صغرى بطاقة استيعابية 214 مريض في اليوم، وعدد 4 أدوار تحت الأرض للخدمات الطبية وغير الطبية، ومبنى سكن الأطباء ومحطة الخدمات المركزية.
اعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي ان تكلفة انشاء المستشفى تبلغ 17 مليار جنيه (اليوم السابع – 26 أكتوبر 2022) قبلها كان رئيس جامعة القاهرة قد أعلن أن “أن المرحلة الأولى من المشروع تحتاج إلى 2 مليار جنيه تم إنفاق نحو 300 مليون جنيه حتى الآن على الإنشاءات، ونحتاج إلى تكاتف المجتمع المدني والأهلي من أجل بناء هذا الصرح العملاق” .وأشار إلى أن “الوضع الحالي في مصر من حيث معدل الإصابة بالسرطان كارثي لأننا من أعلى الدول في معدلات الإصابة”، مضيفا أن الخطورة ليست في المرضى وإنما الأمن القومي الشامل وصحة البشر لأن التعليم والصحة هما العامل الأساسي في أي مواجهة للدولة. كما أن معهد الأورام اكثر أهمية من المونوريل والقطار السريع واكبر مسجد وكنيسة ولكنه ترتيب الأولويات.
واعتمدت الحكومة على تبرعات المواطنين والمجتمع المدني لتمويل المشروع وانهالت التبرعات لاستكمال هذا الصرح العلمي الذي يمثل انقاذ مهم لمرضي السرطان في مصر. ورغم جمع ملايين الجنيهات من المصريين ثارت اشاعات عن تقليص عدد الأسرة الي 300 سرير فقط وطرح جزء من الأرض (35 فدان على مستثمرين).
“التعليم العالي” تنفي طرح أرض مستشفى “500 – 500” للاستثمار: شائعات (جريدة الوطن – 18 سبتمبر 2019). كما نفت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قطعيا صحة ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية وبعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من شائعات لا أساس لها من الصحة مطلقا بشأن صدور قرار من مجلس الوزراء باقتطاع الجزء الأكبر من الأرض المخصصة لمشروع إنشاء المعهد القومي للأورام الجديد «٥٠٠-٥٠٠» وطرح أرضه للاستثمار الخاص وتقليص المستشفى ليكون ٣٠٠ سرير بدلا من ١٠٢٠ سريرا. (المصري اليوم – 18/9/2019) واعتبرت هذه الأخبار مجرد إشاعات.
الحقيقة والاشاعات
رغم التأكيدات التي صدرت عن استمرار المشروع وبعد جمع المليارات كتبرعات من المواطنين من مصر وخارج مصر فوجئنا بخبر “الحكومة تستعرض عروضًا عالمية لإدارة وتشغيل مستشفى «500500» بالشيخ زايد” (المصري اليوم 22/10/2024). هل عجزت جامعة القاهرة وخبراء معهد الأورام القومي في إدارة المستشفى الجديد؟! لنبحث عن إدارة اجنبية.
ان الحكومة وفقاً للخبر المنشور في المصري اليوم تؤكد انه تم النصب على المواطنين وجمع تبرعات لإنشاء مستشفى مجاني غير هادف للربح ثم غيرت الهدف وطرحته للمستثمرين من مصر والخارج لكي يضعوا التسعيرة المناسبة لتحقيق الأرباح بغض النظر عن مصلحة المرضي وحقوق المتبرعين الذين دفعوا جنيهاتهم من أجل مستشفى حكومي مجاني.
ان الخبر المنشور في “المصري اليوم” يشكل كارثة وجريمة في حق المتبرعين وفي حق مرضي السرطان الذين يزيد عددهم على مليون مصري.
إن المسألة ليست إدارة حديثة لأن أساتذة معهد الأورام القومي يديرون وفق أحدث أنظمة الإدارة والعلاج ودخول مستثمر خاص او أجنبي هو اعتداء على حقوق الأساتذة المصريين واتهامهم بالفشل الذي تريد الحكومة تجاوزه بالتأجير والاستعانة بالإدارة الأجنبية. إن ذلك القرار هو جزء من تطبيق القانون رقم 87 لسنة 2024 بإصدار قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2856 لسنة 2024. وهو ما يمثل اخلال بالهدف من انشاء مستشفى 500500 وتحويلها لمنشأة هادفة للربح بما يضر بمصالح كل مرضي السرطان في مصر الحاليين والمستقبليين. إضافة الي الإخلال بالهدف من التبرعات التي دفعها المصريين من دخولهم المحدودة.
أوقفوا العبث بمرضي السرطان.. أوقفوا تأجير مستشفى 500500 لمستثمرين للإدارة والتشغيل وخبرائنا الوطنيين قادرين على إدارة المستشفى وفق اعلي معايير الجودة العالمية.