محمد البطاوي يكتب: حفلة واشنطن على دم السنوار تكشف المستور

احتفى الرئيس الأميركي جو بايدن بتصفية زعيم حركة حماس يحيى السنوار، واصفاً ذلك بأنه “يوم جيد لإسرائيل وللولايات المتحدة والعالم”. هذا التصريح يكشف أحدث مظاهر التناقض الصارخ بين ما تدعيه واشنطن من ضغوط على تل أبيب لوقف الحرب على غزة وبين استمرار دعمها العسكري والدفاع السياسي عن إسرائيل.
هذا الدعم لم يتوقف عند حد التبرير، بل بات واضحًا في تصريحات بايدن الأخيرة التي تشيد بما وصفه بـ “التعاون الاستخباراتي الوثيق” بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتحديد مواقع قيادات حماس.
وفي هذا السياق، أضاف بايدن: “بمساعدة الاستخبارات لدينا، طارد الجيش الإسرائيلي بلا هوادة قادة حماس، وأخرجهم من مخابئهم وأجبرهم على الفرار”. هذه الكلمات تؤكد مرة أخرى حجم التشابك الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر لم يعد خافيًا على أحد.
توظيف التصفية في الحملة الانتخابية
في تصريحاته، لم يكتف بايدن بالإشارة إلى التعاون الاستخباراتي، بل قارن بين تصفية يحيى السنوار والعملية التي قُتل فيها زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، وهي عملية أشرف عليها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في عام 2011. هذه المقارنة ليست بريئة، بل تبدو محاولة واضحة من إدارة بايدن لإضفاء بريق على العملية وكأنها “إنجاز” أميركي خاص بإدارته، يمكن استغلاله في الحملات الانتخابية الرئاسية القادمة، حيث تتنافس كمالا هاريس من الحزب الديمقراطي ضد الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب.
يبدو أن إدارة بايدن تحاول، من خلال هذه التصريحات، توظيف العملية لتعزيز صورتها أمام الرأي العام الأميركي، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين. عملية تصفية قائد حماس، بالنسبة للإدارة الأميركية، ليست مجرد نجاح استخباراتي لإسرائيل، بل هي فرصة لتعزيز موقفها في الانتخابات المقبلة وإظهارها بمظهر الإدارة القوية والحازمة في مكافحة الإرهاب، وهو خطاب شائع في السياسة الأميركية ويستقطب دعم قطاعات واسعة من الناخبين.
ازدواجية المعايير: واشنطن وإسرائيل
لا تصدقوا ما تقوله واشنطن، ولكن راقبوا ما تفعله. هذه العبارة يرددها المحللون السياسيون كثيرًا في واشنطن، وهي تعبير دقيق عن تناقض الخطاب الأميركي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي الوقت الذي تدعي فيه الإدارة الأميركية أنها تمارس ضغوطًا على إسرائيل لوقف الحرب وفتح التحقيقات في الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين، نجد أن دعمها السياسي والعسكري لتل أبيب لم يتوقف.
فعلى مدى سنوات، اتسم الموقف الأميركي بالتواطؤ الصريح أو الصامت على الجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، سواء عبر التصويت بالفيتو في مجلس الأمن لعرقلة القرارات الدولية التي تدين إسرائيل، أو من خلال الدعم العسكري السخي الذي توفره واشنطن لحليفتها.
إدارة بايدن، رغم تصريحاتها المتكررة حول رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو على الأقل تهدئة مؤقتة، تستمر في تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل. من جهة، تكتفي واشنطن بإصدار تصريحات تعرب عن قلقها من أعداد الضحايا المدنيين وتدعو إلى “تحقيقات مستقلة” في المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في غزة. ومن جهة أخرى، تدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية عبر إمدادها بأسلحة متطورة، إلى جانب تشغيل أنظمة دفاعية مثل منظومة “ثاد” المضادة للصواريخ.
اغتيالات متواصلة وحفلة انتخابية مستمرة
الاغتيالات المتلاحقة التي تنفذها إسرائيل بحق قيادات المقاومة الفلسطينية، وخاصة في حركة حماس، تحولت إلى مادة سياسية تستغلها واشنطن وتل أبيب. بالنسبة لإسرائيل، هذه الاغتيالات هي جزء من استراتيجيتها لإضعاف حماس وتقويض قدرتها على الرد على العدوان الإسرائيلي، وهي بذلك تسعى لإظهار قوتها أمام جمهورها المحلي والدولي.
أما في الولايات المتحدة، فيبدو أن هذه الاغتيالات تُستغل لتعزيز صورة الرئيس وإدارته، خصوصًا عندما يتم الربط بين هذه العمليات ونجاحات سابقة، مثل تصفية بن لادن. في السياق الانتخابي الأميركي، يمثل هذا النوع من الخطاب “بطاقة رابحة” للديمقراطيين، حيث يمكنهم إظهار بايدن كرئيس قادر على حماية المصالح الأميركية في الخارج ومكافحة الإرهاب.
ليست بلا ثمن
لكن هذه اللعبة السياسية ليست بلا ثمن، حيث إن التصعيد المستمر من خلال مثل هذه العمليات يعمّق الأزمة في الشرق الأوسط ويزيد من تعقيد فرص الوصول إلى حل سياسي للنزاع. في الوقت الذي تحتفل فيه إدارة بايدن بتصفية قيادات حماس، فإنها تتجاهل المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون جراء الحصار والحرب.
أظهر أحدث استطلاع للرأي تراجع المرشحة الديمقراطية للرئاسة كمالا هاريس في ولايتين من الولايات المتأرجحة التي يمكن لها أن تحسم السباق الرئاسي، ففي الاستطلاع الذي أجرته ريدفيلد وويلتون ستراتيجيز بين 12 و14 أكتوبر بدت كلا من ميشيجان ونيفادا متعادلتان الآن.
كانت هاريس متقدمة بنقطة واحدة في نيفادا ونقطتين في ميشيجان في آخر استطلاع أجرته ريدفيلد وويلتون ستراتيجيز بين 27 سبتمبر و2 أكتوبر.
ولاية ميشيجان ذات أقلية مسلمة-عربية كبيرة، وتنتمي إليها النائبة الديمقراطية ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب، التي سبق أن هاجمت بحدة مواقف الإدارة الأمريكية من الحرب في غزة.
مسرحية مكشوفة
ينظر مراقبون وحقوقيون إلى ما يحدث بين واشنطن وتل أبيب باعتباره ليس سوى مسرحية مكشوفة تهدف إلى تحقيق مصالح انتخابية وسياسية على حساب دماء الأبرياء، وأن إدارة بايدن، مثل سابقاتها، تفضل اللعب بورقة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية، فيما تستمر معاناة الفلسطينيين بلا توقف، معتبرين أنه مع كل عملية اغتيال جديدة، يتعمق الجرح الفلسطيني، وتتراكم المعاناة التي تظل واشنطن شريكة فيها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويشدد محللون على أن تصفية يحيى السنوار التي ربما تكون بمثابة نصر مرحلي لإسرائيل، لن تنهي الصراع، وفيما تحتفل واشنطن وتل أبيب، يبقى السؤال الحقيقي: إلى متى سيستمر هذا النزيف؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *