فاطمة البطاوي تكتب: رسالة إلى وزير التربية والتعليم.. الآدمية قبل التطوير
فاطمة البطاوي
السيد وزير التربية والتعليم/ محمد عبداللطيف، تابعت كحال كل الأمهات والبيوت المصرية كل ما قيل وانتشر وأعلن عن تطوير وحذف ودمج بعض المناهج الدراسية، وتابعت كل ما نشر بنظرة موضوعية متفهمة تلك البصمة للتعليم الدولي، التي تسعى جاهدا لوضعها وإبرازها في التعليم المصري.
وأحاول في رسالتي التي أعرضها في مقالي اليوم، أن يكون عرضي للوضع الحالي -الذي لا يخفي عليكم بلا شك-، هو عرض لصرخات مئات البيوت المصرية والطلاب المحبطين المشوهين من كثرة تخبطات التطوير خلال الأعوام الماضي.
سيدي الوزير، حينما بعث الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام، إلى قوم إسرائيل لم يطلب منه دعوتهم إلى الإيمان بالله عز وجل وبوحدانيته ولا الإيمان بنبوءة موسى، بل طلب طلبا واضحا وصريحا كما ذكر في النص القرآني قائلا “فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم”، لم يقدم موسى دعوته بوحدانية الله إلا أمام فرعون الملك المنعم، وكان مأمورا من الله فقط بإنهاء معاناة بني إسرائيل، والخروج بهم من الذل والعبودية، ثم بعد ذلك تأتي دعوته للإيمان بالله، لأن مسلوب الآدمية لن يشعر بالنبي ولا معجزاته، إلا إذا منح آدميته وحريته أولا.
السيد وزير التعليم، إن طلاب المدارس لا يعينهم حذف مواد من المجموع ولا زيادة مواد ولا تطوير مناهج، فكل ذلك يصب في اللاشيء طالما المدارس ترزخ في إهمال متواصل.
السيد وزير التربية والتعليم، أنا أم فررت بأولادي منذ سنوات عديدة من التعليم المصري إلى التعليم الدولي، لألمس الفارق الصارخ في كل شيء، إن ربط حضور طلاب المدارس على حضور نسبته 60% في مبنى متهالك وحمامات غير آدمية وفصول مكدسة، لا تتسع لهم يفترش فيها الطلاب الأرض في المدارس الحكومية، ويتشارك الطالب ثلاثة طلاب آخرين في مكان جلوسهم في المدارس الخاصة، لهو أمر مهين يعتبر عقوبة للطلاب لا ميزة لهم، فكيف سيتلقى الطلاب تعليمهم في هذه الأوضاع.
السيد وزير التربية والتعليم، ألمح في صباح كل يوم دراسي تلك البسمة المرسومة على وجه أولادي الذاهبين للمدرسة، بكل حب مفعمين بالنشاط مدركين أهمية ذاهبهم لمدرستهم للجلوس على مقعدهم الخاص، واستخدام مكتبتهم الخاصة في مدرستهم، جاهزين لعرض ما سهروا عليه من تجهزيه من مشاريع طُلبت منهم، وتعلموا داخل أروقة المدرسة كيف المكوث عليها وتحضيرها.
في المقابل، تجلس الأمهات سويا في المدارس المصرية لتجهيز المطلوب من أبنائهم لتأدية واجبات روتنية، وبحث عقيم بمحصلة صفر على عقول طلاب منتظر منهم بناء مجتمعهم يوما ما.
إن التطوير الحقيقي يحتاج نظرة حقيقة لوضع الأبنية التعليمية، ووضع حقيقي لرواتب المدرسين الساعين وراء الدروس الخصوصية لتظبيط لقمة العيش، فما يضر المدرس في أخذ راتب محترم والاكتفاء بالمدرسة ثم العودة لمنزله والجلوس مع أطفاله في منزله، دون السعي وراء زيادة دخلهم والتنقل بين بيوت الأهالي ومراكز الدروس.
إن التطوير الحقيقي، يحتاج لوصول عادل للكتب الدراسية لجميع الطلاب بكافة الطبقات الاجتماعية المختلفة دون ربطها بمصروفات دراسية تصعب أحيانا على الكثير من أولياء الأمور الكادحين في الحياة، حتى يتحقق مبدأ العدالة بين الطلاب، وتطبيقا لمجانية التعليم التي تبنتها دولتنا منذ ثورة 1952 على يد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
إن التطوير الحقيقي يحتاج منكم نظرة وتحرك حقيقي حول تدريب المدرسين على المناهج المعدلة، وتعليم الأطفال التكنولوجيا بشكل صحيح، يطبقونها داخل فصولهم أمام مدرسينهم، وليست مجرد خانات تسدد وأوراق تسلم بالتمام، دون تطوير حقيقي يغذي العقول، وهذا لن يحدث إلا إذا وجد الطالب داخل مدرسته الحد الأدنى من الآدمية من مكان يجلس فيه وحمام نظيف يستخدمه ومباني آدمية غير مهددة حياتهم بالانهيار عليهم بين لحظة وأخرى، فيضطر الطلاب من الفرار من الحضور.
السيد وزير التربية والتعليم، الجيل المقبل مشوه بين التخبطات من “تابلت وإلغاء تابلت”، بين “مناهج مكتظة وإلغاء مناهج”، بين “الحضور ببصمة وعدم حضور”، وفي أمس الحاجة للشعور بآدميته وجدوى وجوده في المجتمع.
السيد وزير التربية والتعليم، كيف يتم الحديث عن حصص الرياضة البدنية ومسابقات المدارس يقوم بالتحكيم فيها مدرسين تتدلى كروشهم أمامهم، ولا يعلموا قواعد اللعبة التي يحكموها ويظلموا الطلاب -إن وجدوا- المهتمين بلعبة رياضية ما، بل إن بعضهم قال أمامي: (مسابقة وبطولة إيه إحنا جايين نسدد خانات ونعدي اليوم).
السيد وزير التربية والتعليم، الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور في أمس الحاجة بالشعور بالآدمية قبل التطوير وقبل المناهج، فلو شعروا بذلك لتفجرت لديهم كل ملكات الإبداع، ولتقبلوا كل التغييرات والتطوير في المناهج بنفس راضية مستقرة.
السيد وزير التربية والتعليم الطموح، أنا لا أعارض كل خطط التطوير الحالية والسابقة التي تمت وستتم، بل كثير منها حاكت ما يحدث في التعليم الدولي، وهي خطط تطوير طموحة، لكن السؤال من سيطبقها وأين سيطبقها، وعلى من سيتم تطبيقها؟.
السيد وزير التربية والتعليم الطموح، الأبنية التعليمية، وتدريب المدرسين، وآدمية الطلاب في المقدمة، وتهيئة البيوت، أولوية لتقديم نماذج تبني مصر، قبل محاكاة التعليم الدولي الذي يشترط العديد من المعايير (من ملاعب مجهزة ومكتبات ومعامل وفريق مدرسين وأخصائيين نفسيين).
ختاما، معالي الوزير الأمر ليس كن فيكون.