د. ممدوح سالم يكتب: أفلا يتدبرون
لم أكترث كثيرا لمنظومة (تكوين) وما تلاها من متعصب لها أو متحفز ضدها وفق التوصيفات التي أطلقت هنا وهناك؛ فإذا سألتني عن السبب قلت الجواب في عنوانه؛ فإذا كان الأمر مجرد تكوين ناشئ لتصدير فكر ما، أو فكرة موجهة بعينها، أو لإثارة ما يمكن أن يضر بأمن المجتمع من الناحية العقدية أو الدينية، فلا أظن لذلك جدوى أو نفعًا، ومثله كما قال الأعشى:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها. فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ.
فلا بأس، ولا ينبغي تحميل الموضوع أكثر من حجمه.. منظومة كغيرها يجب الوقوف على منهجيتها، والتحقق من وجهتها بالنقاش والمناظرة، لا بالاصطراخ والتهويل؛ فكرا بفكر، واستنارة بإنارة جلية واضحة.. ولا شك أن لعلمائنا الثقات، ولرجال التحقيق من أساطين العلم والتحقيق والقضاء رؤية جلية في بيان الأمر وتبيانه.. فلا تكن يا صديقي للعواقب من المتعجلين.
إن المجتمع، أي مجتمع تراه، ذو فئات متباينة من الناحية الثقافية والمجتمعية والفكرية بيد أن له ثوابت ماكنة متمكنة من الناحية العقدية لا يمكن الاقتراب منها، أو الخوض في ثوابتها بحال إلا بعد مجاهدة طويلة الأمد من أمور تسمح بالسياحة الفكرية والتأمل والتدبر من ثقات يمتلكون آليات الفكر وعدته وميدانه.
أما كونك ترى أو تسمع أحد أفراد تلك المنظومة أو غيرها لا يحسن من القراءة إلا قراءة الكف، ولا يدري هالة وهندا في سياق النص…نعم لا يدري هالة وهندا رجلا كان أم امرأة، فضلا عن كونه لا يحسن قراءة الآيات، فلا تبتئس ولا تكترث ونم قرير العين يا رجلُ!
لست مع أولئك الذين يصطرخون من (تكوين)، ولست مع العلماء الذين يغضون الطرف عن قضايا وجب التحقيق فيها والوقوف على صحتها وموضوعيتها وفق محكم التنزيل وصحيح السنة، بل إن غض الطرف عنها هو من جرأ أنصاف القراء على الولوج فيها دون حسبان.
إن سعة الرؤية وفق آليات التدبر المأمورين بتقصيها هي الغاية الإنسانية التي تحققها المعرفة التي يؤصلها الراسخون في العلم… ولا شك أن للأزهر الشريف وعلمائه، ولوزارة الأوقاف وديوانها من جهود الاجتهاد وتجديد الخطاب ما يستحق التقدير..
مجمل القول، وعلى التحقيق أقول غير مرة: إن باب الاجتهاد للراسخين في العلم لم يزل مفتوحا غير موصد عنوانه لمن فقه “أفلا يتدبرون”.