4 أعوام على “عمومية الكرامة”.. يوم انتفض الصحفيون ضد اقتحام نقابتهم وخطة السيطرة على الصحافة
كتب – محمود هاشم
لم يكن 4 مايو كغيره من الأيام في تاريخ الصحفيين منذ 4 سنوات، حين انتفض الآلاف من أبناء المهنة داخل مقر نقابتهم، للدفاع عن حريتهم وكرامة نقابتهم، ودورها في الدفاع عن المهنة وعن الحرية، في “عمومية الكرامة”.
في يوم الأحد الأول من الشهر ذاته من عام 2016، اقتحم عشرات من أفراد الأمن المركزي النقابة للمرة الأولى في تاريخها، للقبض على الزميلين المعتصمين داخل مقرها عمرو بدر ومحمود السقا، احتجاجًا على اقتحام منزليهما قبل أسبوع من الواقعة، كما حاصروا المقر والطرق المؤدية إليه، مانعين الدخول إليه أو الخروج منه، مسستعينين بعدد من البلطجية والمسلحين لترهيب أبناء المهنة.
كان السبب الحقيقي للاقتحام هو معاقبة النقابة على موقفها من تيران وصنافير، طبقا لخالد البلشي وكيل النقابة وقتها، وكذلك على موقفها من قضايا الحريات وإصدار أول تقرير لأوضاع الحريات الصحفية في تاريخ النقابة والذي فضح الانتهاكات ضد حرية الصحافة ورصد أكثر من 800 انتهاك.
يتابع البلشي ” كان الهدف كسر شوكة النقابة ومحاولة إخراجها من الدفاع عن قضايا المهنة وهو السيناريو الذي تم إتمامه بتواطؤ بعض أعضاء المجلس، وتم استكماله من خلال شغل النقابة في قضية اتهامي مع النقيب يحيى قلاش والزميل جمال عبد الرحيم بإيواء مطلوبين، وهي القضية التي صدر فيها الحكم بحبسنا سنة مع إيقاف التنفيذ فيما تم حفظ قضية الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا التي كانت السبب المعلن للاقتحام.
جاءت واقعة الاقتحام، لتشعل غضب الجماعة الصحفية والتي انتفضت بكاملها في البداية ضد واقعة الاقتحام، وشدد الصحفيون ومجلس النقابة على أن الواقعة تشكل انتهاكا واضحا وصريحا متعمدا لهاذا الصرح الكبير، بالمخالفة لقانون نقابة الصحفيين ينص على أنه لا يجوز تفتيش مقار النقابة إلا بمعرفة النقيب أو أحد أعضاء المجلس. وتصاعدت الدعوات حتى قبل انعقاد الجمعية العمومية ضد من نفذوا الاقتحام ووصل الأمر إلى تخصيص افتتاحية الاهرام ضد ما جرى.
الأزمة التي فجرتها قوات الأمن في هذا اليوم، أشعلت غضب الصحفيين ضد وزارة الداخلية، ليدعو مجلس النقابة إلى جتماع طارئ لأعضاء الجمعية العمومية، للرد علي واقعة الاقتحام، ليلبي الآلاف دعوته في احتشاد تاريخي لأبناء المهنة دفاعا عن حريتهم وكرامتهم، وخلدت عدسات الكاميرات أبرز صور الغضب والاحتجاج في تاريخ النقابة.
انتهت العمومية بصدور قرارات، أبرزتها عناوين كافة الصحف في مصر ملتزمة بجميع ما ورد فيها من قرارات و أبرزها المطالبة بإقالة وزير الداخلية، ومطالبة الرئاسة بتوجيه اعتذار رسمي للصحفيين عن انتهاك القانون والدستور باقتحام النقابة، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي من السجون، والزملاء المحبوسين في قضايا النشر، مع تجريم الاعتداء على النقابة أو اقتحامها، ومنع نشر اسم وزير الداخلية والاكتفاء بصورته نيجاتيف، وتسويد الصحف، ومناقشة تنظيم إضراب عام. ورغم الاجماع فإن بداية الهزيمة جاءت من داخل الجماعة الصحفية ومجلس النقابة بانشقاق مجموعة من المجلس وقت تهتف وقت الجمعية العمومية ثم عادت للانقلاب عليها فيما عرف بجماعة تصحيح المسار.
خرجت الصحف والمواقع الإخبارية في اليوم التالي بمانشيتات من بينها “الصحفي حرية.. الإقالة أو الاعتذار”، و”القلم يحاصر السلاح”، “إحنا الصحفيين”، وغيرها، مع تثبيت شعار موحّد بعنوان (لا لحظر النشر ولا لتقييد الصحافة)، توجيه الشكر للقنوات الفضائية على مساندة الصحافة، رفض التنويه دون توجيه اتهامات قانونية لنقيب الصحفيين، مع مطالبة كُتّاب الرأي بكتابة مقدمات في مقالاتهم بشأن أزمة اقتحام النقابة.
وفي تعليقه على ذكرى اقتحام النقابة قال النقيب السابق يحيى قلاش في منشور عبر حسابه على فيسبوك: “ستظل واقعة اقتحام نقابة الصحفيين جريمة غير مسبوقة لا تسقط بالتقادم، ولن يغير من هذه الحقيقة مواقف كل الذين انتقلوا من الإسراع الفوري بإدانة الحدث إلا التحول البهلواني باختراع شماعة (سوء إدارة النقابة للأزمة)، أو موقف من أدوا أدوارا تم تكليفهم بها لتنفيذ مخطط تخريب المسار الذي أسموه زورا (تصحيح المسار) فكان ما وصلنا إليه وشّكل مكونات اللوحة القاتمة لواقعنا الذي لا يخفي على أحد الآن”.
وأضاف قلاش: “بدأ الهجوم على الكيان النقابي، وعلى كل الذين تصدوا للدفاع عنه أداءً لواجبهم، ثم بدأت عملية سن التشريعات التي تحايلت والتفت على كل المكتسبات التي أتى بها الدستور انتصارا لكفاح أجيال من الصحفيين وقوى المجتمع الحية، والذي مهد له الذهاب ببهلوانات وكومبارسات المسار في زفة إلى البرلمان، ترفض مشروع القانون الموحد، وتبايع بيع المهنة، وتبارك اغتيالها”.
وأكد أن رفض هذه الجريمة – في اجتماع تاريخي للجمعية العمومية في الرابع من مايو ٢٠١٦، سيظل يمثل يوما للشرف والكرامة لأنه انتصر لما هو خير وأبقى في وجه كل ما هو قبيح وزائل.
وتابع: “٤ مايو ٢٠١٦، يوم من أيام التاريخ المصري، وليس تاريخ نقابة الصحفيين وحدها، محفور بالنور، ومكتوب بالكبرياء، ومُسطر بالكرامة وأكبر من أي كلمات، هذا ما نطق به ضميري، قبل لساني يومها؛ أمام الآلاف من زملائي، الذين هبوا إلى نقابتهم، وسط حصار أمني غير مسبوق؛ ردًا علي جريمة اقتحامها، خاب ظنكم، لقد حاصرناكم من حيث أردتم أن تحاصرونا، وسوف تذهبون، ويلحقكم العار، وسيبقى كياننا النقابي شامخًا مرفوع الرأس، هذا كان إيماني، ومازال، وسيظل”.
من جانبه نشر عضو مجلس نقابة الصحفيين حينها، والعضو الحالي في المجلس محمود كامل، صور ترصد أحداث الاجتماع الطاريء لعمومية الصحفيين، واحتشاد الآلاف بأقلامهم وعدساتهم انتفاضا للمهنة.
وقال كامل: “الصور دي هتفضل شاهدة على تاريخ عشناه، يمكن يكون اتزور لكن كل واحد فينا عارف حقيقته حتى لو بيكدب على نفسه وبيكدب علينا، صور ذكرى يوم شاهد على عزة وكرامة وكمان شاهد على وجع وخيانة، صور يوم كان ممكن يكون فاصل في مستقبلنا كلنا ويغير حاضرنا، صور قالت كلام، وكلام كتير لسه لا قالته ولا قلناه، صور لو نطقت هتصرخ وتبكي دم، كل سنة وإحنا على الأقل لسة فاكرين”.
ونشرت الزميلة حنان فكري عضوة مجلس النقابة وقتها صورا للعمومية وكتبت تضم الصور اشخاصا خلعوا بحرفنة واشخاصا وصحف خلعوا بالأمر، واشخاص دفعوا التمن ولسه بيدفعوه غالي أوى، وتابعت “حينما تكون الخصومة فاجرة لايملك الأبرياء إلا فضيلة الصمود .. حينما يستخدم الخصم العدالة سلاحاً للانتقام فيجيد ترتيب اوراقه وتلفيق اقواله وحياكة الاتهامات لتناسب المناخ السياسي، لا يملك الطرف المجنى عليه إلا الصمود حتى يزول الظلم”..
وتتابع حنان فكري كاشفة سيناريو ما تم قائلة “إذا كنا نحن الصحفيون نتعرض لما نتعرض له اليوم من تلفيق اتهامات وفبركة الجرائم .. فلماذا كنا ننتظر حكما مختلفا عما صدر ضد نقيب الصحفيين يحيى قلاش ووكيل النقابة خالد البلشى وسكرتيرها العام جمال عبد الرحيم؟
ويقول خالد البلشي، سيظل يوم 4 مايو واحد من أهم أيام نقابة الصحفيين، يوم انتفض الصحفيون للدفاع عن مهنتهم وكرامتهم، في مواجهة خطة معدة سلفا للسيطرة على المهنة، لكن مقدمات ما جرى وما تلا الجمعية ربما ستحتاج لوقفة لدراستها وكشف الحقائق حول الاسباب الحقيقة لاقتحام النقابة وكيف جرى الاعداد له وكيف اديرت المعركة بعدها، وهي وقفة ربما ستكشف الكثير والكثير، وتطرح سؤال حول المتورطين في الاعداد لما جرى.
وبينما تمر ذكرى عمومية الصحفيين، ما يزال العديد من الزملاء داخل زنازين السجون حتى الآن، من بينهم خالد داود، وهشام فؤاد، وعادل صبري، وحسام مؤنس، وأحمد شاكر، وأحمد علام، وحسن البنا، وسولافة مجدي، وحسام الصياد، وكثيرون آخرون، في الوقت الذي تتعالى الأصوات للإفراج عنهم، بينما تتزايد الانتهاكات والملاحقات لأبناء المهنة يوما بعد الآخر.