أمير متى يكتب: الحاجة إلى أمن قومي صحي مصري
يختلف تعريف الأمن القومي ومقتضياته بإختلاف الدول، مما يجعل من الاتفاق علي صيغة واحدة صعبه للغاية.
ففي حالة الولايات المتحدة، يعرّف هارولد برون (وزير الدفاع الأمريكي في بداية الثمانينيات) الأمن القومي بأنه قدرة الحفاظ علي الوجود الفعلي للوطن وحدوده مما يسمح بإقامة علاقات اقتصادية مع العالم المحيط، بشروط مقبولة مع الحفاظ علي مؤسساته الحاكمة.
في منتصف التسعينيات أوضح هيكل أن الأمن القومي في مصر هو مسؤولية رئيس الدولة وليس رئيس الوزراء، وأن الأمن القومي يتمثل في نقطتين أساسيتين هما ضمان استمرار مياة النيل، والعلاقة بين المسلمين والأقباط. ثم أضيفت عدة محاور للأمن القومي في بداية الألفية كان أهمها سلامة شبكة الاتصالات وضمان شبكة انترنت مؤمنه داخليا، يسمح كلاهما باستمرار انخراط مصر في العالم الخارجي.
بعد الثورة تغيرت الخريطة بالكامل، فالجغرفيا في الغرب تغيرت من دولة ليبيا إلى ميليشيات مسلحة علي الحدود الغربية لمساحة ١٠٠٠ كم، صراع مسلح في اليمن سمح بالتمدد الايراني في مدخل خليج العقبة مما يهدد دخل قناة السويس، بالإضافة إلى الوجود التركي والروسي المسلح بالمنطقة.
كل ما سبق من تغيرات علي مدار السنوات السابقة كان في حدود الجغرافيا والتاريخ والصراع الدولي. لم تدخل شبكة الامداد الداخلي ولا الصحة في أي فرع من فروع الأمن القومي. إلى أن ظهرت كورونا كوباء عالمي يهدد العالم بأسره ومصر في وسطه. ويتولي الطب الوقائي المهمة الرئيسية في الدفاع والتحليل.
فالطب الوقائي في مصر كان مقتصرا علي وزراة الصحة، حتي في وقت انتشار انفلوانزا الخنازير في مصر وبعدها انفلوانزا الطيور كانت وزارة الصحة تقوم بالمهمه مع إبلاغ المخابرات دون أن يتدخل الجيش. أما كورونا فقد حملت الكثير من الأخبار والتفاصيل مع عجز في التخطيط والترتيب ليس في مصر بل في العالم كله، فالتجربة جديدة ودراسة التفاعل العالمي مع الأزمة هو الأساس في اللحظة الراهنة.
بمراجعة الأزمة وتفاصيلها بات ملحا ليس فقط الاستعداد لها، ولكن بإضافة فصل جديد للأمن القومي المصري كمثال الأمن القومي الأمريكي وهو الأمن القومي الصحي.
الأزمة الراهنه أوضحت أن مصر تأثرت بشدة جراء الوباء، ويجعل الأمن القومي الصحي ليس مسؤولية وزارة الصحة فقط، ولكن مسؤولية مجتمع ككل بمختلف هيئاته ومؤسساته.
فالوضع الصحي أثر علي السياحة بشدة، مما أخلى المنتجعات السياحية تماما، أثر علي قناة السويس وعدد السفن التي مرت بها، اثر علي التعليم بإغلاق المدارس والجامعات، أثر علي الاقتصاد والاستثمار المباشر، أثر علي البترول وتصدير مصر من البترول. أثر علي الوضع المالي وعجز الميزانية.
هذا التأثير غيّر بشكل مباشر في قدرات الوطن علي الاستمرار في تحقيق ما يتطلع إليه، ليس فقط كحاله مؤقته ولكن سوف يستمر هذا التأثير لسنوات.
ففي ظل الأزمة الراهنة تكون دراسة استراتيجية الأمن الصحي للولايات المتحدة لعام ٢٠١٩-٢٠٢٢ مفتاح لفهم أعمق للأمن القومي. فتعريف الأمن القومي الصحي هو حماية الصحة الجسدية والنفسية للمواطنين مع تقليل الخسائر الاقتصادية مع استمرار ثقة المواطنين في قدرة الحكومة وإرادة الأمة لتحقيق مصالحها.
ويتحقق الأمن القومي الصحي (طبقا للإستراتيجية الأمريكية) من خلال ثلاث نقاط
أولا: اعداد وتنظيم الحكومة ككل في استخدام كل قدراتها الصحية وحتي تساند الحكومة الفيدرالية والحكومات في الولايات.
هذة النقطة من خلال استطاعت الحكومة علي إعداد و تحريك مؤساساتها الصحية، إعداد البنية التحتية للصحة بقدرات معقولة.
ثانيا: حماية الدولة من الآثار الناتجة عن الأوبئة والأخطار الكيماوية، والبيولوجية والاشعاعية والنووية (تندرج الأخطار البيولوجية والكيماوية والنووية تحت مظلة الأمن القومي الصحي بينما في مصر يتولي سلاح الحرب الكيماوية هذا الملف بإستثناء الأوبئة).
ثالثا: تنمية القطاع الخاص واعداده للمشاركة في التعاون مع الحكومة أثناء الكوارث. ويشمل هذا اعداد خريطة كامله لشبكات الإمداد والتوزيع وضمان استمرارها.
وفي إطار الاستعداد والترقب للاوبئة، عرض مركز مكافحة الامراض CDC عام ٢٠١٧ مجموعة من الجهود مثل التعاون مع ٣١ دولة لوضع أسس واضحة لمخاطر الامن الصحي، مراقبة أكثر من ٣٠ مركز للاوبئة في ١٩٠ دولة، اعداد خبراء لمساعدة مراكز الاوئبة حال تفشيها قبل ان تصل للولايات المتحدة.
نحن هنا نتحدث عن استعداد مدروس لكيفيه التعامل مع أزمة تهدد الأمن القومي في حين نعاني في مصر من انفصال بين القمة والواقع، أطباء يتم ايقافهم أثناء عودتهم من المستشفيات، عدم توافر وسائل حماية تكفي لتنفيذ بروتوكولات وزارة الصحة، انتقال من أسبوع لأسبوع ومن رقم إلى رقم ونجد إعلاميين بارزين يتحدثون بكل جهل عن عمد في قضايا تمس حياه مواطنين.
الحاجة إلى رؤية واضحة ودورس مستفادة للمستقبل، صياغة للأمن القومي الصحي بشكل احترافي يضمن حماية المواطنين والوطن.
(صورة لانتشار الأوبئة في العام طبقا لإستراتيجية الأمن القومي الصحي الأمريكي)