إلهامي الميرغني يكتب: ماذا يعني تجاوز الحصيلة الضريبية تريليون جنيه؟!
لغة الاقتصاد والأرقام لغة غير مستحبة لدى الغالبية حيث يبدي البعض عدم الاهتمام بينما اهتم علم الاقتصاد السياسي والمالية العامة كثيرًا بالأرقام ودلالاتها بل وارتبط بعلم الإحصاء والتحليل الاحصائي والاقتصادي الذي يبحث فيما وراء الأرقام المصمتة التي قد لا تعني لنا الكثير.
عندما نهتم بالإرقام، فإننا نهتم بها لأنها انعكاس السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية للدولة ولأنها تؤثر بشكل مباشر علي أجورنا ومصروفاتنا ودخلنا وحصولنا على المرافق والخدمات العامة بجودة مناسبة. لذلك عندما يعلن تقرير وزارة المالية، حدوث قفزة في إيرادات مصر الضريبية إلى 1.05 تريليون جنيه خلال الفترة من يوليو 2022 حتى نهاية مايو 2023، مقابل 816.12 مليار جنيه في الفترة المقابلة من العام المالي السابق له. رقم تريليون رقم “يخض” فهو رقم أمامه 12 رقم آخرين ولذلك لابد أن نتوقف لتأمل ما وراء الرقم الذي يسبقه 12 رقم آخرين!.
الضرائب هي إحدى مصادر الإيرادات والموارد في الموازنة العامة وتحافظ الدولة على أن تكون الضرائب في حدود 13% من الناتج المحلي الإجمالي خلال آخر سنتين. وكانت 1168.7 مليار في 2022/2023 ( 1.1 تريليون ) وارتفعت إلى 1529.9 مليار في موازنة 2023/2024 ( 1.5 تريليون جنيه) . وهي تمثل 13% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر بينما تصل النسبة وفقاً لبيانات مركز معلومات البنك الدولي إلى 34% في الدانمرك و 27% في السويد ، 25% في ايطاليا وفرنسا ، 23.5% في جنوب إفريقيا، وفي إسرائيل 22.2% ، 22% في موازمبيق، بينما نجدها في الدول العربية 21.2% في المغرب و 20% في تونس و 18.8% في الضفة الغربية وقطاع غزة ، 16% في الأردن، ومن بين 159 دولة نشر البنك الدولي نسبة الضرائب الي الناتج المحلي بها تأتي مصر في الترتيب 106 بين هذه الدول.
- موارد الحكومة المصرية
تتكون موارد الموازنة العامة من خمسة أبواب رئيسية هي الضرائب، المنح، الإيرادات الأخرى، المتحصلات من الحيازة ومبيعات الأصول المالية ثم الإقتراض وإصدار الأوراق المالية من أذون وسندات وغيرها. ولكي ننظر للرقم بصورة مختلفة علينا أن نعرف أن موارد الحكومة المعلنة في موازنة 2023 /2024 بلغت 4349.2 مليار جنيه أي 4.3 تريليون جنيه تمثل الضرائب منها 35% فقط بينما يمثل الإقتراض وإصدار أذون وسندات الخزانة 49.2% من موارد الموازنة أي أن مصر تعتمد في نصف مواردها على الديون وليس الضرائب ولذلك تفجرت المديونية وأصبحت مصر مدينة بـ 6 تريليون جنيه ديون محلية و 165 مليار دولار ديون خارجية (خمسة تريليون جنيه) بينما الناتج المحلي المتوقع في هذه السنة 11.8 تريليون جنيه. إذًا مصر تعاني أزمة كبيرة في الموارد مع انخفاض معدلات الإدخار المحلي وعندما نتحدث عن الإدخار فإننا نقصد إدخار الحكومة والهيئات العامة الاقتصادية وشركات القطاع العام كما هو الحال في معظم دول العالم وليس فقط مدخرات الأفراد.
لذلك تكبل الموازنة المصرية بالديون ووفقاً للبيان التحليلي للموازنة والمنشور على موقع وزارة المالية، تلتزم مصر بسداد 1120 مليار جنيه فوائد ديون ( 1.1 تريليون ) و 1315.9 مليار أقساط ديون ( 1.3 تريليون) أي أن مصر ملتزمة بسداد 2.4 تريليون جنيه أقساط وفوائد عن القروض السابقة. إضافة إلى السعي للحصول على 2140 مليار جنيه ديون جديدة.. إذًا عندما نتحدث عن حصيلة ضريبية 1.1 تريليون فهي لتكفي لتغطية نصف الفوائد والديون الواجب سدادها في هذا العام فقط!.
- من الذي يدفع الضرائب؟!
توجد اختلالات كبرى في العدالة الضريبية وقصور في أجهزة التحصيل. وإذا كانت الموازنة تتحدث عن حصيلة ضريبية في حدود 1530 مليار جنيه لذلك من المهم أن نعرف من الذي يتحمل العبء الضريبي الأكبر.
ضرائب الدخل 594.4 مليار جنيه وتمثل حوالي 40% من الحصيلة الضريبية ولكننا نجد أن ضريبة الأجور والمرتبات تبلغ 134.8 مليار جنيه وتمثل 22.7% من ضرائب الدخل ثم الضرائب على الأرباح التجارية والصناعية (الورش والمصانع الصغيرة والمحال التجارية والمطاعم وكل المنشآت الفردية وشركات الأشخاص) تدفع 77 مليار جنيه وأصحاب المهن الحرة ( الأطباء والمحاميين والمهندسين والمحاسبين والفنانين ولاعبي الكرة ) 9.5 مليار بينما العمال والموظفين وحدهم يسددون حوالي 135 مليار . إذًا من الذي يدفع الضرائب؟!
أما الضرائب على أرباح شركات الأموال فتبلغ 370.2 مليار جنيه منها 64.5 مليار من هيئة البترول والشريك الأجنبي و103.7 مليار من هيئة قناة السويس أي الدولة، ثم 202 مليار لباقي شركات الأموال. ولدينا إعفاءات ضريبية للعديد من شركات الأموال ثم تسجيل العديد من الشركات في بلدان الملاذات الضريبية بحيث لا تدفع ضرائب إضافة إلى التهرب الضريبي الذي يتراوح ما بين 350 إلى 500 مليار جنيه ولو تم رفع كفاءة جهاز التحصيل يمكن أن يوفر أكثر من 25% من الديون التي تقترضها الحكومة وأكثر.
رغم ما يقال عن دعم المنتجات البترولية نجد الباب الأول الخاص بالضرائب يضم أكثر من بند يخص المنتجات البترولية منها ضرائب من هيئة البترول والشريك الأجنبي 41 مليار جنيه، وضرائب على منتجات النفط 35.4 مليار جنيه، 7 مليار رسم تنمية على منتج البنزين بأنواعه ومنتج السولار أي حوالي 83.4 مليار جنيه على البترول والمنتجات البترولية. يضاف إليها في الباب الثالث الإيرادات الأخرى 12.6 “إتاوات البترول” لتصل إجمالي الضرائب و”الإتاوات” المحصلة إلى 96 مليار جنيه. ونسمع بعد ذلك أنهم يدعمون المنتجات البترولية ب 119.4 مليار جنيه!
يعتمد النظام الضريبي على الضرائب غير المباشرة التي يدفعها الفقراء والأغنياء بنفس النسبة وهي تصل في الموازنة الحالية إلى 664.4 مليار جنيه وتمثل 43.4% من الإيرادات الضريبية.
ضرائب على سلع وخدمات جدول (1) بلغت 141.6 مليار جنيه منها 86.4 مليار ضرائب علي التبغ والسجائر و 35.4 مليار ضريبة على المنتجات البترولية. كما يتوقع تحصيل ضرائب دمغة بخلاف دمغة الأجور والمرتبات تقدر بحوالي 26.5 مليار جنيه. 46 مليار ضرائب على التجارة الخارجية والواردات، 16.9 مليار رسوم تنمية موارد. إذن المواطن المصري الذي يعيش 30% منه تحت خط الفقر هو الممول الرئيسي للنظام الضريبي في مصر. وذلك بخلاف الرسوم التي يتم تحصيلها لصالح بعض الوزرات والفئات والصناديق الخاصة.
لذلك لن يبهرنا رقم التريليون لأننا سددنا هذا التريليون من دخولنا وإنفاقنا ولكننا نحتاج إلى علاج جذري للنظام الضريبي وإصلاح حقيقي للقوانين التي تجعل المهن حرة لا تسدد إلا 9.5 مليار بينما يسدد العمال والموظفين 134.8 مليار جنيه. نريد تطوير الإدارة الضريبية وفتح باب التعيينات في مصلحة الضرائب لتوفير العدد اللازم من مأموري الضرائب وتعديل القانون لتكون المحاسبة سنوية وليست بنظام العينات الحالي كل خمس سنوات.
نحتاج إلى نظام ضرائب تصاعدية كركيزة للعدالة الضريبية ونحتاج لفرض ضريبة على الثروة التي تزيد على 100 مليون جنيه وعلى معاملات البورصة، نريد فرض ضريبة على الشقق المغلقة وعلى القصور والفلل والشاليهات التي يصل سعر بعضها إلى 200 مليون جنيه و 400 مليون جنيه. نريد عدالة ضريبية ورقابة شعبية على النظام الضريبي وشفافية في بيانات الضرائب. ولن يبهرنا رقم التريليون لأن رقم الديون أضعاف هذا الرقم ونريد عدالة ضريبية تراعي إعادة توزيع الثروة فتأخذ من القادرين بقدر عادل لتنفق علي المرافق والخدمات العامة.
نحن حريصون على الاستثمار واستمرار رجال الأعمال ولكننا أيضا حريصين على أن يلتزموا ويدفعوا القدر المناسب من الضرائب كما هو معمول به في كل دول العالم.