محمود الدسوقي يكتب : هرتزل لماذا كل هذا الخراب ؟
أنت هنا معلق فى خيوط الماريونيت ، لا تستطيع فى جدارك على الفيس بوك ، أن تكتب ذلك المعجم الذي تربيت عليه ، تتهم بالكراهية وشن العنف ، لا تنحاز لفلسطين ، ولا تحاول حتى أن تهتف بأغنية شعبية بحب عمرو موسي وبكره إسرائيل ، لا تكتب إلا حروفا ، مارك سيفتك بك ، لكن عليك أن تستخدم جدارك للهجوم عليك وعلى أنظمتك ، انهمها بالجبل والخيانة وطالب بسقوطها ، كى تصل إلى مايصبو إليه هرتزل
“حيفا عشرون عاما …فيما بعد فريدريك وصاحبه المليونير علي متن القارب في قناة السويس إنهما يعودان إلى أوربا إلا إن القناة مهجورة تماما يتناهي إلي سمعيهما أن معجزة قد وقعت في الصحراء وأن فلسطين قد جردت مصر من كامل حركتها التجارية ” هذا ما تخيله هرتزل مؤسس الدولة الإسرائيلية الصهيونية في روايته “أرض قديمة أرض جديدة ” والتي كتبها في رحلة قطار مابين باريس وفرانكفورت في عام 1899م
تبدو الاعتقادات الإسرائيلية في سيناء بناءا على الوثائق جازمة منذ مجيئهم بحماية إمبراطوريتين علي مدار التاريخ الإمبراطورية الإنجليزية والإمبراطورية الأمريكية الحالية ليس لأنها متواجدة في التوراة فحسب ، ولكن لأن الاستعمار الإسرائيلي يختلف عن غزو المستعمرات القديمة فهو يطمح في الإبادة بخاصية التهجير مثلما يقول الكاتب العربي إلياس صنبر في تحليله لرواية هرتزل.
أظهرت الرواية أن مؤسس إسرائيل كان يطمح في خراب مصر علي حساب تعمير فلسطين حيث تبدو الجغرافيا هنا ماثلة وصاعقة وواضحة بلا تورية أو غموض فقناة السويس تخاصمها حركة التجارة الدولية وقطارات إسرائيل في فلسطين والتي تعمل بالكهرباء هي البديل لحركة تجارية تعج بشتى أجناس الأرض من صينيين لأمريكان لروس وأيضا عرب يعملون في التجارة و يجنون الأموال والأرباح .
هذا ما يجعلنا نجزم أن سيناء الخالية والتي يوضع فيها البدو بكافة أجناسهم من مصريين وفلسطينيين وأن تكون بلا هوية وأن يتم استئصال الأقباط بها هي ركيزة إسرائيلية يهودية لم تبدأ منذ خمسينيات القرن الماضي في أروقة الأمم المتحدة وعلي طاولة المباحث السرية لدي السياسيين ، وإنما بدأت منذ نهايات القرن التاسع عشر حين خط هرتزل روايته في رحلة قطار وهو يحلم بأن لا تكون لقناة السويس أي حركة تجارية وأن تكون القطارات الكهربائية مابين القدس وطبرية وحيفا هي البديل
الحلم القديم تحققه المنظمات الممولة بتروليا كداعش وتنظيم الدولة الإسلامية العابرة لحدود الدول القومية والتي لا تؤمن إلا بمصالحها لأنها أقرب إلي إجهاض الجغرافيا وتأسيسها بما يتماشي مع أفكار الممول الأول الحامي والمخطط خاصة لأنها لا ترفع الشعار القومي الوطني العربي والمصري حيث الحامي الإسرائيلي الذي رفع شعار التصميم علي التهجير منذ نهايات القرن التاسع عشر “أيها الرجل السائر في بلاد يتحدي باسمها العربي العقل عليك أن لا تزل وأن لا تكبو “
في القسم الثاني في روايته حيفا 1923 كانت قناة السويس مهجورة تماما لقد اتخذ المرور بين أوربا وآسيا طريقا جديدة أصبح يجتاز فلسطين هناك أذن في البلاد مرافئ وسكك حديد يتساءل فريديك إذا ما كان في فلسطين موانئ وسكك حديد لكن من أين أنت خارج أيها السيد أننا نعرف فلسطين كصحراء عند مشارف حيفا كانت آلاف الفيلات تنشر بياضها الصارخ وسط خضرة الحدائق الوافرة الظلال كانا يجدان في خرائطهما التي تعود إلي عشرين سنة كان صينيون وفرس وعرب منصرفين إلى أعمالهم وسط الحشد إلا أن الزى الأوروبي كان هو المهيمن
علي حسب تعبير الجغرافي العظيم جمال حمدان هناك دائما عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل ” وربما هذه الطريقة التي وضحها حمدان والتي جعلها مثلما تريد الجغرافيا وحقائق التاريخ الأبدية مصر الصغرى لكن لإسرائيل حلم آخر في رواية مؤسسها أن تكون خرابا كي تقام فيها معامل ومختبرات حديثة لاستنزاف خيراتها مثل معامل طبرية التي تم تشكيلها في أدبيات اليهود وقبل إنشاء دولتهم بعشرات السنين وأن ترتدي الزى الأوربي مثل جارتها فلسطين وأن تكون تابعة لرأس المال الذي تدور كافة ممالك الدنيا في دائرته .
يوضح إلياس صنبر في تحليله للرواية في بحث منشور منذ ربع قرن في مجلة الكرمل الفلسطينية أن فكر هرتزل الخاص بالتهجير أن المجتمع القديم لم يقض عليه بفعل إبادة جماعية كما يحصل للمستعمرات عادة وإنما دفع به إلى خارج الفضاء وأزيل عن طريق التهجير وهرتزل شديد الوضوح في روايته بهذا الصدد المجتمع العربي لذا كان دائم الصراحة في روايته التي كانت متدنية أدبيا بأن اليهود جلبوا العلم لهذه البلاد .
“في الطريق إلى طبرية أنها لشبيهة بالريفيرا زيارة لمعمل مختبر حول البكتريا والثروات التي لا تنفذ من الأرض الجوفية الفلسطينية ينتهز المؤلف الفرصة ليقدم جردا مفصلا بالثروات الواجب نهبها كان قطار ضخم يسير وهو يئز فوق عاليات النخيل أنها سكة الحديد الجوية الكهربائية لدينا شركات عديدة للكهرباء يستلم السكان هنا التيار من ينابيع جبل الشيخ ولبنان أو قناة البحر الميت نحن اليهود جئنا بالعلم إلى هذه الديار”
في روايته كما يوضح صنبر نلمح فريدريك المستعمر لأفريقيا ونلمح رشيد العربي الذي دائما يقدم الشكر لهرتزل أنه أنقذ هذه البلاد من التخلف والفقر بينما نلمح البلاد والجغرافيا والتي حولها وأبادها بالتهجير جعل مصر خرابا لأنه يريد ذلك وجعل فلسطين عامرة لأنه يستنفذ ثرواتها وخيراتها وربما لهذه الأسباب المقدسة عنده تم دفنه في عام 1949م ونقل رفاته لفلسطين بعد تهجير ملايين الفلسطينيين لتكون روحه شاهدة علي تأصيل جغرافيا الهدم لهذه البلاد.