ياسر سعد يكتب: إجراءات مواجهة كورونا وفقه الأولوية.. كيف انحازت الحكومة لأصحاب الأعمال (بالأرقام)
الظروف الإستثنائية ومبدأ المشروعية في مصر
هناك حالات استثنائية قد لا تتوافق مع القانون والدستور تلجأ إليها الدول، في حالة الحروب والمجاعات والأوبئة، التي قد تؤثر على الدولة وأمنها واستقرارها ووحدتها، من بين تلك الإجراءات منع الحق في التنقل، وما يستتبع ذلك من إغلاق لبعض الأنشطة التجارية، والإخلاء القسري لبعض المناطق المنكوبة، وغيرها من العديد من الإجراءات.
وهو الأمر الذي لجأت إليه السلطة التنفيذية في مصر خلال الفترة الراهنة، من منع حق التنقل، وفرض حظر التجوال الجزئي بصورة مؤقته، وإغلاق محال وأنشطة تجارية، كإجراءات إحترازية تخوفًا من تفشي فيروس كورونا.
اعتبر الفقه الإداري تلك الإجراءات -نظريه الظروف الاستثنائية- استثناء على الأصل العام من مبدأ المشروعية – وهو المبدأ الذي يحكم العلاقة بين سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية – التشريعية – القضائية)، ويضمن الفصل بينهم، ويحد من إعتداء أحداهم على الأخرى، فان بموجب نظرية الظروف الاستثنائية يجوز للسلطة ان تتجاوز الإجراءات المنصوص عليها في الدستور والقوانين المعمول بها في الدولة ولكن يشترط لإسباغ صفه المشروعية على تلك الإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية ان تكون للصالح العام ولا تضر المواطنين سواء كان ضررًا مباشرًا أو غير مباشر، وإلا عدت باطلة تستلزم تصدي القضاء وإعمال رقابته عليها.
كان ومازال مجلس الدولة الفرنسي هو الأب الروحي لنظريه الظروف الإستثنائية التي نظمها وأسس لها واستقرت عليه أحكامه وتمثلت في مبادئ تضع البنيان الرئيسي في نظريه تمثل خروجا على مبدأ المشروعية، بإعتبارها خروج عن القاعدة العامة بإعتبار الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها في البلاد هي التي تنظم العمل بين الثلاث سلطات، وتضمن الفصل بينهم.
وتعد تلك القاعدة هي المعيار الرئيسي حول مشروعيه قرارات الإدارة من عدمه، إلا أنه قد تلجأ السلطة التنفيذية إلى بعض الإجراءات الاستثنائية في حالة الضرورة والخطر. فمن المعروف أن القواعد القانونية وضعت لحكم الظروف العادية، فإن طرأت ظروف غير عادية كالحروب والأزمات والكوارث الطارئة يكون ضرورياً اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الظروف، وهذه الإجراءات لا تتسع لها قواعد القانون العادي – وبالتالي يكون ضرورياً إعطاء الإدارة مزيدًا من السلطات والصلاحيات اللازمة لمواجهة هذه الظروف الطارئة.
فالقواعد التي وضعت لحكم الظروف العادية لا تصلح لمواجهة الظروف غير العادية، ولقد أصدرت السلطة التنفيذية في مصر ممثلة في رئيس مجلس الوزراء قرارات تضمن منع انتشار الفيروس كورونا على حد زعمها، وبالرغم من أن تلك القرارات تميزت جميعها بطابع استثنائي يقيد الحقوق والحريات الأصيلة والمكتسبة بفعل النضال الجماهيري الذي أقر بعض هذه الحقوق والحريات داخل الدستور باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع، بالإضافة إلى ان تلك القرارات اتسمت بعدم الوضوح والفردية ، فضلا عن الانحياز لصالح أصحاب الاعمال والشركات وأصحاب العقارات في مواجهة العاملين والمتعاملين والمستأجرين دون وجود أي ضمانات حقيقية لتلك الفئات أو تعويضها عن الخطر المحدق، التي تعيش فيه تلك الفئات، وبلا أي ضمانات من أضرار تلك القرارات علي الأفراد والمجتمع بشكل عام، وهو ما يثير التساؤل الأهم هل الدولة أثناء مواجهتها للأخطار الداخلية والخارجية التي قد تهدد أمن الوطن عليها مراعاة الحقوق والحريات الفردية وإعمال الإجراءات الدستورية والقانونية؟ أم ان للدولة أن تحمى نفسها بالشكل الذي تراه دون أي معايير أو مراعاة لأي اعتبارات اجتماعيه او اقتصادية؟؟
الاجابة انه من المستقر عليه في احكام المحاكم سواء كانت الفرنسية او المصرية انه من الضروري ان تراعي الدولة كل ما سبق في اتخاذها لقرارات استثنائية، مهما كانت الظروف التي دفعتها إلى ذلك، خاصة وأن العديد من التشريعات المصرية نظمت نظريه الظروف الاستثنائية في مصر: وذلك عن طريق نظام لوائح الضرورة التي نٌص عليه في الدساتير المصرية المتعاقبة، وورد النص عليها في المادة 74 و147 و148 من دستور سنة 1971، ونظام الأحكام العرفية الذي ورد النص عليه في المادتين 45 و144 من دستور سنة 1971. وكذلك قانون الأحكام العرفية الصادر سنة 1923 والذي حل محله القانون رقم 533 لسنة 1954، ثم القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، والقانون رقم 148 لسنة 1959 بشأن الدفاع المدني، والقانون رقم 87 لسنة 1960 بشأن التعبئة العامة. الا ان المادة الأهم في تفسير نظريه الظروف الاستثنائية في مصر وبيان شروطها وحدودها وكيفية تطبيقها هي نص المادة 74 من الدستور السابق والتي نصت على ” أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بيانا إلى الشعب، ويجرى الإستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يومًا من اتخاذها. والمستفاد من نص المادة انه لقيام السلطة التنفيذية ورئيسها بإجراءات استثنائية تخرج عن مقتضيات الدستور والقانون يجب ان تتوافر الشروط التالية: –
أولا: – قيام حالة من حالات الخطر الحال
ثانيا: -ان يؤدى هذا الخطر الى إعاقه المؤسسات الدستورية عن العمل، وقد خالف المشرع الدستوري المصري السابق ما ذهب اليه نظيره الفرنسي من ضرورة أن يكون هذا الخطر جسيم وعاجل بل اكتفي المشرع المصري بحدوث خطر مما يعطى للسلطة التنفيذية سلطه تقديريه واسعه في بيان ماهية الخطر ودرجه جسامته
ثالثا: – أن يؤدى هذا الخطر إلى الإضرار بالوحدة الوطنية، وسلامة الوطن ومؤسسات الدولة,
رابعا: -أن يوجه رئيس السلطة التنفيذية بيانًا للشعب حول هذا الخطر، وما يهدد وما يمكن أن يؤدى إليه من أضرار ضد الدولة، وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها، وما يمكن أن يتم إتخاذه من إجراءات لدفع الخطر.
خامسا: – ضرورة دعوه الشعب إلى إستفتاء شعبي حول تلك الإجراءات في خلال ستين يوما من تلك الإجراءات للموافقة عليها من عدمه.
تؤكد تلك الشروط على أن المشرع الدستوري المصري السابق قد ساير المشرع الدستوري الفرنسي من أنه في حالة الضرورة والخطر الذي يهدد الدولة (حروب او مجاعات او أوبئة) يجوز للسلطة التنفيذية أن تتخذ مجموعة من الإجراءات دون مراعاة القواعد والإجراءات المنصوص عليها دستوريًا وقانونا (قرارات حظر التجوال والتي تعتبر قيد على الحق الدستوري في حرية التنقل والحركة على سبيل المثال)، ولكنه الزم السلطة التنفيذية بعرض الإجراءات على الاستفتاء الشعبي باعتباره السلطة الأعلى في الدولة.
خالف المشرع الدستوري الحالي في مصر ما نظمه نظيره السابق حول حاله الطوارئ، واعتبر حاله الطوارئ قرار السلطة التنفيذية توافق عليه السلطة التشريعية بعد اقراره متجاهلا الاستفتاء الشعبي حيث قررت المادة 154 من دستور 2014 على انه
” يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على ا لنحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه. وفي جميع الأحوال بجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. وإذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ “
وبالرغم من ان المشرع الدستوري الحالي اعتبر السلطة التشريعية وحدها ممثله في البرلمان هي الضامنة لإجراءات السلطة التنفيذية ومراعاتها الصالح العام باعتباره الهدف الرئيسي لتطبيق نظريه الظروف الاستثنائية الا ان ذلك لم يمنع رقابه القضاء على تلك الإجراءات طبقا لما استقرت عليه احكام المحكمة الإدارية العليا، والتي اعتبرت حاله الطوارئ ليست مبررًا للدولة لاتخاذ ما تراه من إجراءات دون تطبيق معايير الصالح العام وإلا اعتبر عدم مراعاتها للقواعد والإجراءات الدستورية والقانونية خطأ يستوجب التعويض لكل من لحقه الضرر من تلك الإجراءات.
القرارات الحكومية (فئات وفئات)
الاستنتاج الأهم في وجهة نظري مما سبق سرده ان تلك القرارات والإجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في مصر قد جاءت مخالفة لمبدأ المشروعية كأصل عام ومخالفه أيضا لنظرية الظروف الاستثنائية، مما يرفع عن تلك الاجراءات صفة المشروعية الاستثنائية – لأنها جاءت لا تحافظ على مصالح المواطنين وبالتالي لا تستهدف الصالح العام، وذلك حين صدرت لصالح بعض الفئات دون الفئات الأولى بالرعاية والدعم، نتيجة للأضرار التي قد تتكبدها ويتعذر تداركها نتيجة للأزمه نفسها او للإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأزمه، فعلى سبيل المثال أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اتخاذ الحكومة حزمة قرارات مهمة لدعم قطاع الصناعة، والتعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا.
وصرّح المستشار نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، بأن القرارات تضمنت خفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4,5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، كما تقرر خفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط بقيمة 10 قروش لكل كيلو وات في الساعة، مع الإعلان عن تثبيت وعدم زيادة أسعار الكهرباء لباقي الاستخدامات الصناعية لمدة من 3 – 5 سنوات قادمة. وشملت القرارات التحفيزية أيضاً توفير مليار جنيه للمصدرين خلال شهري مارس وإبريل 2020؛ لسداد جزء من مستحقاتهم وفقاً للآليات المتفق عليها (مبادرة الاستثمار والسداد النقدي المعلن عنها للمصدرين)، مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10% نقداً للمصدرين في يونيو المقبل، وبما يُسهم في استمرار التأكيدات حول جدية الحكومة لحل وسداد متأخرات المصدرين ومساندتهم.
كما تضمنت تلك القرارات تأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، والسماح بتقسيط الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية عن الفترات السابقة، من خلال أقساط شهرية لمدة 6 أشهر وفي الوقت نفسه تضمنت القرارات رفع الحجوزات الإدارية على كافة الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10% من الضريبة المستحقة عليهم وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات.
وعلى صعيد آخر أوضح المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء أن القرارات تضمنت كذلك التنسيق مع مجلس النواب لسرعة إقرار قانون المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وتعديلات قانون الضريبة العقارية؛ لتفعيل حزمة الحوافز الواردة بقانون المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للشركات.
أعلن المستشار نادر سعد كذلك عن موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية توطين صناعة السيارات بمصر، بما بها من مُميزات ستقدم للمُصنعين في هذا الشأن، وسرعة إرسال التعديلات التشريعية المقترحة لمجلس النواب. وفيما يتعلق بالبورصة، فقد قررت الحكومة خفض ضريبة الدمغة على غير المقيمين لتصبح 1,25 في الألف بدلا من 1,5 في الألف، وخفض ضريبة الدمغة على المقيمين لتصبح 0,5 في الألف بدلاً من 1,5 في الألف، لحين تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية عليهم بداية عام 2022، كما تقرر خفض سعر ضريبة توزيعات الأرباح للشركات المقيدة بالبورصة بنسبة 50% لتصبح 5%. كما تقرر الإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل وزيادة عمق السوق المصري، وتقرر أيضاً إعفاء غير المقيمين من ضريبة الأرباح الرأسمالية نهائياً وتأجيل هذه الضريبة على المقيمين حتى 1/1/2022.
وأكد رئيس الوزراء أن حزمة القرارات المُتخذة من جانب الحكومة تعكس حرص الدولة المصرية على سُرعة التعامل لدعم قطاع الصناعة، وكذا مواجهة التداعيات الراهنة، والحد من آثارها السلبية المتوقعة بقدر الإمكان، كما تتسق القرارات وجهود الدولة بهدف تعزيز ثقة المستثمرين ومجتمع الأعمال وكافة الشركات العاملة بالسوق الوطني في إمكانيات الاقتصاد المصري.
إجراءات لازمة لإصلاح خلل الانحيازات
خالفت السلطة التنفيذية في مصر حين قامت بتلك الإجراءات السابقة الهدف الأهم لنظريه الظروف الاستثنائية وحاله الضرورة وهو الصالح العام باعتبارها سببت الضرر المحتمل والمباشر لبعض المواطنين دون الآخر وتجاهلت دعم الفئات الأولى بالرعاية والاهتمام والدعم بالمقارنة لما اتخذته بعض الدول من إجراءات لمواجهة الازمه، لذا فان هناك ضرورة لتطبيق العديد من الاجراءات لكي نستطيع ان نقرر ان تلك الاجراءات التي اعلنت عنها الحكومة لها صفه المشروعية ومن بينها
1. اعفاء الفئات الفقيرة ومتوسطه الدخل من فواتير الكهرباء والمياه والغاز.
2. اعفاء الصناعات متناهية الصغر ومتوسطه الإنتاج من بعض الالتزامات القانونية كسداد الضريبة وغيرها لتتفادى ما سوف تواجهه من أزمات نتيجة للازمة،
3. تعويض اصحاب المقاهي والملاهي باعتبارها من الفئات المتضررة عن قرار الاغلاق الكلى والجزئي، مع ضرورة ان تشمل تلك التعويضات العاملين بها واصحابها باعتبارها من الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
4. إلزام أصحاب الاعمال والمؤسسات الشركات بعدم تسريح العاملين بالقطاع الخاص اسوة بالعاملين بالقطاع الحكومي وقطاع الاعمال، عدم المساس بأية حقوق للعاملين، مع إلزام القوى العاملة بدعم العاملين المتضررين من القطاع الخاص عن طريق صندوق الطوارئ فضلا عن التزام الدولة ان تتحمل وتتعامل مع ما يستتبع انتشار الوباء من ارتفاع في الاسعار، واستهلاك مواد نظافة وتعقيم اضافية.