وداعًا د. نور فرحات.. ما تيسر من سيرة فقيه قانوني عاش باحثًا عن العدل مهمومًا بقضايا الوطن ورحل مرفوع الرأس (بروفايل)
كتب:عبد الرحمن بدر
“كان مثالا لعالم القانون الحقيقي، الذي لا يقوم بحفظ النصوص وترديدها، ثم التلاعب بها، والتربح منها، كما يفعل كل ترزية القوانين والدساتير ممن يتعاونون مع السلطات الفاسدة المستبدة، كان يدرك أن القانون هو الحق والعدل، ولا يسترخص ما تعلمه ويُعلمه، فعاش محترما، ورحل كريمًا مرفوع الرأس”، بهذه الكلمات نعى الكاتب عمار علي حسن، الفقيه القانوني د. محمد نور فرحات الذي غيبه الموت بعد رحلة حافلة بالعطاء على مدار عقود.
فبعد أسابيع من تعرضه لأزمة صحية دخل على إثرها المستشفى لتلقي العلاج، أسلم الفقيه القانوني الروح، وتاركًا خلفه سيرة إنسانية وعلمية ستعيش طويلاً تحكي عن رجل عاش باحثًا عن العدل والديمقراطية ومهمومًا بقضايا الوطن ورحل مرفوع الرأس.
نجل أستاذ تاريخ وفلسفة القانون بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، أعلن نبأ رحيل والده، مؤكدًا أن تشييع الجنازه سيجري ظهر الأحد بمصر الجديدة، وأن العزاء سيكون يوم الثلاثاء المقبل بمسجد المشير طنطاوي بقاعة الصفا بعد صلاة المغرب.
يقول الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية سابقًا في تدوينة له: “رحم الله نور فرحات فقد الوطن فقيهًا دستوريًا عظيما كرس حياته للدفاع عن كل ماهو نبيل وفى المقدمة حق كل إنسان فى الحرية والكرامة”.
أما نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، والمحامي الحقوقي فقد علق قائلا: “أيقن أنه قدم كل ما يستطيع تقديمه، وأن أوان راحته قد آن؛ وأظن أنه يوم فاضت روحه كان مبتسمًا سعيدًا، أدى واجبه ما استطاع؛ وترك لنا مواقفه نتفق ونختلف عليها ولكن لن ننساها”.
في السنوات الأخيرة تفاعل فرحات مع الشأن العام، معلقًا على الأحداث السياسية والاقتصادية، رافضًا التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ومنتقدًا الحبس المطول وتحوله لعقوبة، ومهاجمًا للبيروقراطية والفساد، لذلك كان عرضه لهجوم بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام من آن لآخر.
في 10 يناير الجاري كتب د. نور فرحات في حسابه على (فيس بوك): “الحمد لله، الحمد لله الحمد لله، وخلق الانسان ضعيفًا، بدأت المركب تطفو على سطح الحياة والماء، بعد هذا الجنوح وإن لم تستو بعد، ما تعلمته أنه من التجربة القاسية غير المسبوقة لي أن حب الناس الخاص أثمن شئ في الوجود”.
وتابع: “هناك حب الفكرة والقيمة والمبدأ والمثل وهناك الحب المحاسب، ماذا معك اليوم حتى أحبك اليوم، شكرا لمن أحبوا فكرتي وأحبهم لأنهم شعلة، الحياة”.
وكان آخر ما كتبه فرحات منذ 3 أيام: “السؤال مجتمع يكتسب فضيلته من التدين الشكلي، أم مجتمع فاضل؟”.
“الغيور على الدستور، الجهور بالحق في وجه السلطان الجائر، ابن الحركة الوطنية المصرية، النزيه المترفع، تقبله الله بواسع رحمته في واسع جنته وجزاه خيرا وألهم عائلته الكريمة ومحبيه وتلاميذه وشركاء مسيرته وعارفي فضله جميل الصبر”، بهذه الكلمات نعى حمدين صباحي، مرشح الرئاسة الأسبق، الفقيه القانوني الراحل.
أما يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، فقد قال “فرحات ليس مجرد أستاذ أو رجل قانون، بل هو فقيه حقوقي صاحب موقف ينحاز للحرية وفي المقدمة منها حرية التعبير، كان على قناعة أنه لا دولة ديمقراطية بدون قضاء مستقل وصحافة حرة”.
وأضاف قلاش: “في معارك الدفاع عن الحريات وجدته دائما وعلى مدي عقود متطوعا وفي مقدمة الصفوف مساندًا لنقابة الصحفيين في كل المواجهات التي خاضتها ضد التشريعات والقوانين التي كانت تستهدف العدوان على حرية الصحافة”.
وتابع: “كم من ليال سهرها مراجعا لتنقية ترسانة القوانين المقيدة للحريات،وكم من لقاءات شارك فيها، ومذكرات أعدها، ومفاوضات خاضها بجوار ممثلين لنقابة الصحفيين مع مسئولين وأجهزة مساندا بالرأي ومدافعا بالحجة انتصارا لقناعاته دفاعًا عن الحريات”.
واختتم: “ستظل لهذا الرجل بصمات و صفحات من نور في سجلات نقابة الصحفيين وتاريخ معاركها دفاعًا عن حرية الصحافة.. رحيله خسارة كبيرة فقد فقدنا شخصية وطنية وقلمًا حرًا وضميرًا حيًا.. اللهم تغمده الله برحمتك وخالص العزاء لأسرته ولكل محبيه”.
المحامي الحقوقي، خالد علي، نعاه قائلا: “وداعاً للمفكر والعالم الجليل وصاحب الرأى الحر والضمير اليقظ والمواقف الشجاعة”.
وعلى مدار العقود الماضية اشتبك د. محمد نور فرحات، مع العديد من القضايا الوطنية، خاصة ما يتعلق بالعدالة واستقلال القضاء والحريات، وإطلاق سراح سجناء الرأي.
وتولى فرحات العديد من المناصب من بينها كبير مستشاري الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان، واستعانت به الأمم المتحدة لوضع دستور دولة المالديف، ولتقييم احتياجات السودان في مجال المساعدة الفنية في حقوق الإنسان، كما استعانت به المنظمة الدولية في تقارير التنمية البشرية عن الحريات والمرأة في الوطن العربي.
وعمل عضو مجلس إدارة المعهد العربي لحقوق الإنسان سابقاً بتونس، ومدير مركز البحوث القانونية باتحاد المحامين العرب سابقاً، وعضو سابق بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو المجلس الأعلى للصحافة، ونائب رئيس المجلس القومي للمرأة سابقاً، عضو مجلس أمناء بالحزب المصري الديمقراطي.
يقول الكاتب الصحفي، كارم يحيى: “عرفته مع منتصف عقد الثمانينيات في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بين المؤسسين للحركة الحقوقية المصرية والمنظمتين العربية والمصرية الأم، وقبل أن يصيبها ما أصابها وأوصلها إلى حالها الآن، وبخاصة مع سيطرة التيارات الفاشية وغير الديمقراطية والشللية وما يسمى بـ(الدولتيه)، ومن لا يهمهم إلا جمع الأموال والتمويلات والسفريات للخارج ليس إلا”.
ويضيف: “رحمه الله كان من بين المدافعين عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين والجمهور مع المعركة ضد قانون اغتيال الصحافة 93 لسنة 1995. وشاركت معه وبالاستفادة من خبرته القانونية وآخرين من الصحفيين والمحامين والحقوقيين في لجان ومجموعات داخل نقابة الصحفيين من أجل حرية الصحافة واستقلالها وفي مواجهة تنامي بطش سلطة مبارك في حبس الصحفيين وأصحاب الرأي بسبب النشر في الصحف”.
واختتم: “رحم الله الدكتور نور فرحات المدافع عن الحريات وحقوق المواطنين والوطن واسكنه فسيح جناته وألهم عائلته وأحبابه وعارفي فضله الصبر والسلوان”.
الكاتب الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، نعى فرحات قائلا:”رحل رجل عظيم في علمه وتواضعه، لكنه سيبقى خالدا في ضمير الوطن بعلمه وبمواقفه التي انتصرت دائما للحرية والديموقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والنزاهة والعدالة الاجتماعية”.
ويقول حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية: “برحيل نور فرحات فقدت مصر قامة علمية وسياسية ووطنية وانسانية رفيعة يصعب تعويضها”.
الفقيه القانوني الراحل حصد العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2003، وجائزة التفوق في العلوم الاجتماعية عام 2001.
وله كتابات عديدة في شكل كتب ومقالات في مجالات فلسفة وتاريخ القانون وعلم الاجتماع القانوني وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن كتبه؛ التاريخ الاجتماعي للقانون، وتاريخ النظم الاجتماعية والقانونية، والبحث عن العقل حوار مع فكر الحاكمية والنقل.