وثيقة للموساد تكشف علاقة إسرائيل بالمليشيات المسيحية خلال غزو لبنان: اتصالات وزيارات لمراكز قيادة الكتائب والشمعونيين
مونت كارلو
تحدثت وثيقة رسمية للمخابرات الإسرائيلية نشرت هذا الأسبوع حول الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وكشفت بعض الجوانب الخفية منها على سبيل المثال وصفها بـ”أكثر حروب إسرائيل لجهة التخطيط”.
وقدمت الوثيقة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية من قبل مكتب رئيس الوزراء يائير لابيد المسؤول عن نشاط الموساد وتم نشر “فقرات تمت الموافقة على كشفها” غير موقعة وغير مؤرخة، رداً على التماس قضائي يهدف إلى تسليط الضوء على الصلة بين الموساد والميليشيات المسيحية في لبنان.
وتقول الوثيقة إن الاستعدادات للحرب كانت قد بدأت بالفعل في منتصف عام 1981 واكتسبت زخماً مع حلول نهاية ذلك العام، وفي يناير 1982، التقى أرييل شارون بالقيادة المسيحية اللبنانية، وقال لزعيم حزب الكتائب وقتها بيار الجميل: “نحن نخوض حرباً واسعة النطاق، ولذلك يجب أن يكون هناك تغيير في العلاقات اللبنانية الإسرائيلية”.
ويوصف الجيش الإسرائيلي في الوثيقة بأنه الهيئة التي تملي السياسة الإسرائيلية الفعلية حول لبنان، وليس الحكومة الإسرائيلية المنتخبة، كما تنص الوثيقة على أن “لدينا اللبنانيين ليفعلوا ما نريدهم أن يفعلوه”.
وتتابع “هذه هي الأصول التي لدينا، أخبرونا الآن ماذا نفعل بها، لأن الدولة ليست منظمة بالقدر الكافي لصنع القرار والذين يخبرونا بما يجب أن نفعله ليسوا رئيس الوزراء مناحيم بيغن ولا الحكومة، بل الجيش”.
وتصف الوثيقة التدخل العسكري الإسرائيلي في شؤون لبنان منذ الخمسينيات وحتى الاستعدادات لحرب لبنان الأولى في بداية الثمانينيات.
ونشأ الاتصال مع المليشيات المسيحية لأول مرة عام 1958 بطلب من الرئيس اللبناني آنذاك كميل شمعون الذي كان يخشى فقدان السلطة، وبالتنسيق مع نظام شاه إيران الذي كان يرسل السلاح إلى لبنان بالطائرات.
في عام 1975، مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، ناشد شمعون الذي لم يعد رئيساً في ذلك الوقت، إسرائيل مرة أخرى لتقديم المساعدة. ولكن إسرائيل، وفقاً للوثيقة، لم تأخذ في الاعتبار تداعيات بيع الأسلحة، وبعضها من الاتحاد السوفيتي غنمته القوات الإسرائيلية في حرب عام 1973، وتداعيات التدريب العسكري الذي تلقاه اللبنانيون فيما بعد.
وبحسب الوثيقة “لم تكن هناك محادثات دبلوماسية بعيدة المدى مع المسيحيين ولم يكن هناك نقاش عميق”. وتتابع أن الإسرائيليين قالوا “سنساعد المسيحيين على مساعدة أنفسهم”.
وامتد الارتباط الذي بدأ مع شمعون ليشمل شخصيات مارونية أخرى، من بينها قائد ميليشيا “التنظيم” جورج عدوان قائد ميليشيا “حراس الأرز” إتيان صقر.
وفي إحدى المناسبات، بحسب الوثيقة، “بداية عام 1976 في ليلة ممطرة وعاصفة للغاية، جنح قارب قادم على ما يبدو من لبنان وتم أسره من الجيش الإسرائيلي، كان على متنه ثلاثة لبنانيين قادمين إلى إسرائيل بنية الاجتماع مع القيادة الإسرائيلية لطلب المساعدة”.
وتحكي الوثيقة نسختين حول بدايات الاتصال المباشر بين الجيش الإسرائيلي والمسيحيين اللبنانيين؛ في النسخة الأولى، تم إنشاء اتصال مباشر بالفعل في عام 1975، بينما في النسخة الأخرى بدأ الاتصال في عام 1976 بزيارة وفد من الفروع الاستخباراتية والتشغيلية للموساد لدراسة “ما يحدث في الحرب بين تلك الطوائف بشكل مباشر”.
ومن بين الزائرين المذكورين كان بنيامين بن اليعازر الذي كان وقتها ضابط اتصال في جنوب لبنان ثم رئيس المخابرات العسكرية وفي النهاية عضو كنيست عن حزب العمل ووزيراً في الحكومة.
وجاء في الوثيقة: “زرنا مراكز قيادة الكتائب والشمعونيين، وعقدنا لقاء إضافياً مع بشير الجميل في منزل والديه في القرية”. وتتابع “بينما كنا نستمتع بتناول وجبة طعام، ظهر أمين الجميل بالزي العسكري أمامنا، كان متحفظاً جداً معنا وبالكاد وافق على مصافحتنا”. بعد ذلك، تولى الموساد زمام المبادرة في الاجتماعات لكن الوثيقة توضح أن “الجميع تحدثوا مع الجميع”.
ووصفت الوثيقة طريقة نقل الأسلحة من إسرائيل إلى اللبنانيين بأنها “شحنات تم تحميلها على طوافات من النوع الذي كان يحمل كميات من الأسلحة. كنا نصل في ليلة معينة مع شحنتين وفي المرحلة الثالثة قمنا بتحسين النقل أكثر. كنا موردين، أبحرنا ذهاباً وإياباً”.
وتضمنت الترسانة المنقولة بحسب الوثيقة 6 آلاف بندقية من طراز M16 وألف رصاصة لكل بندقية و40 مدفع هاون عيار 120 ملم و300 قذيفة لكل منها و100 مدفع هاون عيار 81 ملم مع 200 قذيفة لكل منها.
ورداً على الالتماس الذي تم تقديمه في عام 2020 ادعى الموساد في البداية أنه واجه صعوبة في تحديد مكان الوثائق التاريخية المتعلقة بنشاطه في لبنان.
بعد ذلك تم عرض الوثائق على رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت، وقررت أن بعضها يمكن أن يضر بأمن إسرائيل إذا تم نشرها، لكنها طلبت من الموساد إعادة فحص ما يمكن الكشف عنه منها، ورُفض الالتماس في أبريل الماضي واضطر الموساد بنشر الوثيقة هذا الأسبوع.
واعتبر المحامي الإسرائيلي إيتاي ماك الذي قدم الالتماس إنه “قرار رائع من جانب الموساد للكشف عن هذه الوثيقة، على الرغم من عدم وضوح السبب”.
وتشير الوثيقة، على حد قوله، إلى أن “مجزرة صبرا وشاتيلا كانت الأحدث في سلسلة المجازر والإعدامات والاختطاف والإخفاء وبتر الأطراف والإساءة إلى الجثث التي ارتكبتها الميليشيات المسيحية. يجب أن تكشف هذه القضية السرية والتمكن من مناقشتها واستخلاص النتائج العامة التي قد تمنع استمرار الدعم من قبل الموساد ودولة إسرائيل لقوات الأمن والميليشيات في جميع أنحاء العالم التي ترتكب فظائع”.