هي أشياء لا تشترى: “مرسال” قصة نجاح أهلي في مواجهة كورونا.. باب مفتوح لإنقاذ أرواح تستحق الحياة دون ألم
المؤسسة ساهمت في علاج 100 حالة كورونا ومثلهم قيد الانتظار.. ونشر صور وأسماء المرضى “ممنوع” احتراما لإنسانيتهم
مريم: مستشفى خاص اشترط دفع 370 ألف جنيه لعلاج زوج شقيقتي من كورونا.. وأطباء “مرسال” تكفلوا بعلاجه لحين شفائه
عمرها 6 سنوات تعاملت خلالها مع 17 ألف مريض من 40 جنسية بجميع الحالات.. ولا اعتبارات للديانة والسن والجنسية
سيدة تتبرع بذهبها لدعم مرضى المؤسسة.. ولاعبون يطرحون تي شيرتاتهم في مزادات.. وهبة راشد: أبوابنا مفتوحة للجميع
توفير علاج وإعانة شهرية لمريض بالعظام الزجاجية السكري والضغط والربو.. وقوقعة لطفلة سورية فقدت عائلتها وسمعها في القصف
محمود هاشم
كانوا دائما هنا في ظهر كل محتاج للرعاية.. لكن الأعين أدركتهم مع انتشار فيروس كورونا المستجد.. أكثر من 100 حالة لم تكن تجد لها مكانا على قوائم علاج المصابين لولا جهود القائمين على المؤسسة لفتت الأنظار إليها.
بدأت الأعين تنتبه إلى النشاط الملحوظ لـ”مرسال” في تكريس جهودها لدعم المرضى وحالات الاشتباه، هذا المجهود وجد صدى واسعا في ساحات التواصل الاجتماعي، التي تراها المؤسسة منفذها الوحيد لتقديم الدعم وتلقيه، موفرة تكاليف الإعلانات لمرضى أولى بالرعاية.
تتواصل التبرعات لمساعدة القائمين عليها في عمل الخير، وتتضاعف معها رسائل المرضى وذويهم لطلب المساعدة.
اتصالات واستغاثات لا تتوقف وعشرات المتطوعين الذين لا يملون من الرد والدعم والمساندة، أدوية وعمليات وحضانات ورعاية مركزة وكراس متحركة وأطراف صناعية، علاج كيميائي لمرض الأورام، وأكثر من ذلك دون أي تكلفة، جميع الخدمات هنا بالمجان، لا فروق بناء على الدين أو العمر أو حتى الجنسية، والجميع متساوون في الاهتمام والرعاية، والرابط الوحيد بين كل ذلك مؤسسة تطوعية وهب القائمون عليها أنفسهم وقتهم لإنقاذ أرواح تستحق الحياة.
6 سنوات حتى الآن هي عمر “مرسال” وجهت جهودها حلالها لعلاج غير القادرين من المرضى، أيا كانت درجة خطورة حالاتهم أو احتياجاتهم وتوفيرها بالكامل، ومساعدتهم خلال رحلة العلاج بأكملها، مع الحفاظ على السرية والخصوصية التامة لكل منهم احتراما لإنسانيتهم، والتبرع بسداد ديون الغارمين للمستشفيات، وغير ذلك من الخدمات المجانية، لكن جائحة كورونا جاءت لتكشف الكثير مما تقوم به المؤسسة، ومدى إيمان القائمين عليها بما يقومون به.
يومان من البحث والإرهاق استغرقتهما أسرة مريض بكورونا في عدد من المستشفيات العامة والخاصة لعلاج الحالة، لكن كل محاولتها لم تكلل بالنجاح، مرات لعدم وجود أماكن لحالات جديدة، وأخرى لارتفاع التكاليف بشكل باهظ.
تقول مريم أبو الفتوح لـ”درب”: “زوج إحدى صديقاتي كان في حالة متأخرة من الإصابة، وظهر عليه التعب الشديد، حتى بدأ جسده في الانهيار، اكتشفنا إصابته في اليوم الثالث من عيد الفطر، حيث ظهرت عليه الأعراض فجأة، وبدأ في السعال والإسهال بالإضافة لارتفاع درجة حرارته بشكل ملحوظ”.
وأضافت: “تواصلنا مع أكثر من مستشفى لاستقباله، وكان رد معظمهم أنه لا توجد أماكن، كما تواصلنا مع مستشفى خاص في منطقة المعادي لكن أسرة المريض لم تكن تتحمل تكلفتها، حيث طلبت إدارتها 300 ألف جنيه للإقامة بالإضافة إلى 70 ألف أخرى إضافية، كما كانت هناك حالات قريبة مني كانوا في حاجة للمساعدة، وبعد أيام من البحث عن سرير للعلاج، وجدوا أن أقل تكلفة تصل إلى 200 ألف جنيه، وقد يتطلب الأمر أحيانا واسطة، حتى حال توافر المبلغ”.
الردود المحبطة التي تلقتها الأسرة دفعتها للبحث عن جهات أخرى أملا في سرعة إسعاف المصاب، حتى تواصلت مريم مع فريق مرسال لدعم مرضى كورونا، الذين وفروا طبيبا لمتابعة الحالة مجانا إلى حين شفائها.
وتضيف مريم: “الحالة كانت متعبة لدرجة كبيرة، حتى بدأ الطبيب متابعة وضعها وتنظيم مواعيد حصولها على الأدوية في العزل المنزلي، مع مواعيد قياس التنفس، في البداية كان المريض رافضا الأكل تماما، لكن بعد تعليق محاليل له، بدأت حالته في الاستقرار تدريجيا، خاصة أن الطبيب المتابع له ساهم في علاج حالة أخرى من أصدقائنا”.
تقول المديرة التنفيذية ورئيس مجلس الأمناء هبة راشد، إن “مرسال” مؤسسة خيرية متخصصة في مجال علاج المرضى تعالج جميع المرضى دون اعتبارات للديانة أو السن أو حتى درجة خطورة الحالات، فقط عدم قدرة المريض على تحمل تكاليف العلاج هو محركهم الرئيسي، وفي سبيل ذلك توفر جميع أنواع الخدمات الصحية، بالإضافة إلى مشروعات أخرى بالتوازي مع هذا النشاط، منها عيادة خيرية مقامة منذ عام، ومركز لعلاج الأورام يقدم خدمات العلاج الكيميائي مجانا منذ 4 سنوات، فضلا عن دار ضيافة (وقف الدكتور أحمد خالد توفيق) للمرضى المغتربين من خارج القاهرة أو من غير المصريين، الذين يضطرون إلى السفر للعلاج دون مكان يبيتون فيه، ودون استطاعة منهم لتحمل تكلفة إيجارات، وتوفر لهم المؤسسة السكن والأكل والشرب مجانا إلى حين تعافيهم
كما يتم التجهيز لمستشفى خيري للأطفال على مساحة 3 آلاف متر، ومن المقرر تشطيب المبنى الخاص به قريبا، وبالإضافة إلى ذلك تخصص المؤسسة قوافل للمناطق والقرى الفقيرة، خاصة في الصعيد.
المؤسسة التي خرجت للنور في مارس 2015، على يدي هبة راشد بمساعدة موظفين اثنين داخل شقة صغيرة في شارع جانبي، وصل عدد العاملين بها إلى 160 موظفا حتى الآن، وانطلقت في 5 أفرع في المعادي ومدينة نصر والتجمع الخامس والشيخ زايد والإسكندرية، بخلاف العيادات والمستشفى ودار الضيافة، في البداية كنا نجمع ما يقارب 200 ألف جنيه شهريا لعلاج عشرات المرضى، والآن ارتفع هذا الرقم إلى 5 ملايين جنيه، بخلاف التبرعات الخاصة بمرضى كورونا، وفي السنة الماضية استطاعت جمع 64 مليون جنيه لمساعدة الحالات، بحسب حديث مؤسستها مع “درب”.
في بداية يونيو، نشرت الناشطة سناء سيف استغاثة لمحاولة مساعدة مريض بكورونا في حاجة لجهاز تنفس صناعي بعد تدهور حالته الصحية، وتساءلت عن مدى وجود أسر عناية مركزة في أي مستشفى، كاشفة عن تواصلها مع غرفة أزمات وزارة الصحة دون تلقي رد.
بعد فترة بدأ فقدان الأمل في وجود وسيلة مساعدة للمصاب يتسرب إلى قلب سناء، مستنجدة لتوفير أنبوبة أكسجين لإنقاذه، على أن يتكفل أصدقاؤه وأسرته بنقله بمعرفتهم، نظرا لدعم وجود سيارات إسعاف، قبل أن تتواصل معهم “مرسال” مساهمة في توفير سيارة إسعاف لنقله ورعايته.
توضح راشد أنه حتى هذه اللحظة بلغ عدد المسجلين في المؤسسة 17 ألف مريض من جميع الحالات، قبل أزمة كورونا كانت تستقبل 120 حالة يوميا، وفي السنة الماضية تم تقديم الخدمات لـ3 آلاف مريض، ومن المرجح ارتفاعهم إلى 10 آلاف هذا العام.
وتضيف أنه بخلاف الخدمة العلاجية، توفر مجموعة “فريق مرسال لدعم مرضى كورونا” للمرضى وذويهم وحالات الاشتباه الفرصة لطرح استفساراته ليجيب عليها أطباء متخصصون تطوعا، قارب عدد أعضائها حاليا ربع مليون شخص، كما تقدم المؤسسة مستلزمات وقائية مجانية وتنظم قوافل طبية وحملات للتوعية بهدف الوصول إلى غير القادرين ودعمهم، فضلا عن خدماتها لدعم المستشفيات الحكومية.
وبخلاف كورونا، لا تتوانى المؤسسة في مساعدة الحالات الأكثر احتياجا للعلاج، وبشكل رئيسي الحالات الأكثر خطورة والتي تحتاج إلى دعم خاص، ومن أبرزها حالة شاب كان يعاني من مرض العظام الزجاجية النادر، وهو أيضا مريض بالضغط والربو، ويعيش وحيدا في غرفة ضيقة دون أي خدمات، ولا يستطيع الحركة حيث قد تتسبب تكسر عظامه نظرا لطبيعة مرضه بالسكري، كما يعيش يوميا على أكل الزبادي فقط، نظرا لسقوط أسنانه نتيجة إصابته بالسكر، ما دعا المؤسسة لمساعدته في توفير تكييف وجهاز تليفزيون له، مع تقديم مساعدة شهرية له لإعانته على أعباء الحياة، مع التكفل بعلاجه بالكامل، وفق ما تروي هبة.
وتتابع: “نخدم أيضا حالات 40 جنسية من بينهم عرب وأفارقة، ونقدم لهم الخدمات دون تمييز – خاصة مع عدم حصولهم على خدمات العلاج الحكومي في مصر، واقتصار دعم مفوضية اللاجئين على حالات بعينها – من بينهم حالة لاجئة زوجها مفقود في الحرب ولديها 3 أبناء، أحدهم يعاني من سرطان في الجهاز التناسلي، كانت عاملة في المنازل، وتوقف عملها بعد أزمة كورونا، فباتت تعيش على حد الكفاف”.
بالإضافة إلى المرضى المقيمين في مصر، توجهت هبة على رأس فريق “مرسال” لتقديم المساعدة للاجئين السوريين في مخيمات الجنوب اللبناني، وأعلنت تكفلها بعلاج أكثر من حالة هناك، خاصة الأطفال الذين بحاجة ماسة إلى رعاية سريعة، ونظرا لارتفاع تكاليف إجراء العمليات في لبنان، قررت المؤسسة إرسال عدد كبير منهم للعلاج في مصر، من بينهم طفلة فقدت والدها وسمعها في القصف في سوريا، إلى عملية زرع قوقعة، وهي الآن فيك انتظار قرار عودة الطيران للبدء في إجراءات العلاج داخل مصر.
“مرسال أفضل مكان تتبرع له وأنت متطمّن تمامًا أنها هتتصرف في مصارفها الشرعية وهتعمل فرق حقيقي، اللي بتقودها هبة راشد بما يرضي الله من يوم ما عرفتها”، بهذه الكلمات دعا الصحفي حسام مصطفى إبراهيم، إلى التبرع لصالح المؤسسة لمساهمات فريقها في علاج العديد من الحالات.
وأضاف حسام، في منشور له: “أنا تعاملت معاهم أكتر من مرة بشكل شخصي، ولا مرّة خذولني، أو قصروا مع حد بعته ليهم، أو كانوا أقل من التوقع”، موضحا أن مدير المؤسسة “ما بتصرفش مليم في غير موضعه، وما بتعملش إعلانات بملايين، وما بترفضش أي حالة سواء مصرية أو من أي جنسية، بتعالج مرضى سرطان وبتعمل عمليات وبتوزع دواء وعاملة دار ضيافة للمرضى وأسرهم، وبتعمل اتفاقيات مع دكاترة ومراكز لتخفيض الكشوفات والأشعات وبتبني مستشفى مجاني للأطفال”.
وتابع: “هبة تحافظ على خصوصية المريض وبترفض تصوره أو تعرّضه لأي حرج أو إذلال، وطول الوقت بتعمل مشاريع تخدم المؤسسة وتوسّع من انتشارها، وعندها التزامات شهرية ضخمة لا قبل لحد بيها، مع ذلك مكمّلة، رغم كل الظروف”.
وبينما تواصل “مرسال” جهدها في جميع الجهات لإنقاذ حياة المرضى، تصدمها العقبات المادية أحيانا، ما قد يعطلها في فترات ما، تقول هبة: “في إحدى الفترات كان هناك عجز شديد في تغطية تكاليف مركز الأورام، فاضطرت المؤسسة لغلقه مؤقتا لحين توفير موارد مادية، وحاليا يحتاج مستشفى الأطفال إلى 200 مليون جنيه لاستكمال المشروع، وما نزال في مرحلة جمع التبرعات له”.
لكن الجهد المكثف لفريق المؤسسة وصل صداه إلى الأسماع بشكل ملحوظ، ليكشف عن ملامح إنسانية مؤثرة، فهذه سيدة أخرى قررت التبرع بالذهب الخاص بها، الذي كانت تدخره لأداء العمرة، لتقرر تأجيل العمرة معطية أولويتها لدعم المرضى من غير القادرين.
وانضم إلى خط الدعم عدد من مشاهير كرة القدم، ومن بينهم وليد سليمان وعصام الحضري ومحمد الشناوي وأحمد فتحي وطارق حامد، الذين قرروا التبرع بـ”تي شيرتاتهم” لبيعها وتخصيص عائدها للمساهمة في دعم الحالات المصابة.
كما تبرع الكاتب عمر طاهر بأرباحه من كتابه “أثر النبي” لصالح دعم المؤسسة، وأوضح الإعلامي باسم يوسف، أن “مرسال” ساعدت كثيرين بالرعاية الطبية و إيجاد أماكن رعاية في مستشفيات لمرضى كانوا بين الحياة و الموت بسبب كورونا، داعيا لتوجيه التبرعات والدعاية لها لمساندتها مساهمة في علاج مزيد من الحالات.
على مدار عقود، دفعت المنظمات الخيرية القائمة على التبرعات قطاع الصحة إلى الأمام، ورغم هذه الجهود المبذولة، إلا أنها لا يجدر الاعتماد عليها وحدها لملء فراغ الدور الحكومي في تحمل المسئولية الأبرز تجاه صحة المواطنين.
وترى راشد أنه مثلما اكتسبت المؤسسة ميزة في تزايد شهرتها مؤخرا، ما مهد لها الطريق لتلقي مزيدا من التبرعات لعلاج المرضى، واجهت ضغطا مع تزايد عدد الحالات مقارنة بحجم الدعم الذي تتلقاه، فبالنسبة لمرضى الالتهاب الرئوي من حالات اشتباه كورونا تم التعامل مع أكثر من 100 حالة، إلا أن قائمة الانتظار تتعدى ضعف هذا الرقم، بالإضافة إلى المصابين بأمراض أخرى، ممنية نفسها وفريقها بمساهمة تبرعات المتطوعين في سد العجز بين كثافة حالات الاحتياج وعدم كفاية مصادر تمويل علاجها، سعيا لتوفير حياة للجميع من دون ألم.
لدعم “مرسال” في توفير العلاج لغير القادرين يمكنكم مراسلتهم على 19340 أو 01200002870 لإرسال مندوب لتلقي تبرعاتكم، وللتبرع مباشرة فى حساب المؤسسة بالبنوك: بنك البركة: 91544، الإمارات دبي الوطني: 1019409332701، البنك العربي الإفريقي بالجنيه أو الدولار: 701840، كما يمكن التبرع عن طريق “فوري” او “مصاري”، أو برسالة إلى 9797 بكلمة Mersal، أو عن طريق الموقع الإلكتروني من داخل مصر:- http://mersal-ngo.org/?donate=0،
ومن خارج مصر:- https://www.givingloop.org/mersalfoundation.