«نظرة» تدعو للإفراج عن السجينات المسنات والحوامل والمريضات والحاضنات وسجينات الرأي للتصدي لكورنا
المؤسسة: السجون تعاني التكدس والاكتظاظ وسوء التهوية .. والعزل غير كافٍ.. والتأخير في الإفراج يفاقم الأزمة
هذه مقترحاتنا لتدابير عاجلة بشأن السجينات المصريات لوقف تفاقم الأزمة حتى لا تتحول السجون لمقار للموت الجماعي
كتب – أحمد سلامة
أصدرت مؤسسة”نظرة للدراسات النسوية” ورقة بحثية تضمنت عدة مقترحات تتعلق بأوضاع النزيلات في السجون المصرية، في ظل مخاوف جائحة فيروس “كورونا” التي تهدد العالم.
وذكرت الورقة البحثية الصادرة عن المؤسسة أن الحكومة المصرية تأخرت بعض الشىء في اتخاذ السياسات والتدابير اللازمة للتعامل مع خطر انتشار كورونا؛ إلا أن هذا لا ينفي التعامل الجاد والمسؤول الذي تسجله الحكومة المصرية حتى الآن في التعامل مع هذه الأزمة ومحاولات احتواءها وضمان أمان المواطنين والمواطنات باتخاذ عدد من الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية والتعامل مع الحالات المصابة أو المشتبه في إصابتها.
ونبهت المؤسسة في ورقتها البحثية إلى أنه حتى الآن لم يتم إعلان خطة واضحة حول الإجراءات الوقائية الخاصة بالسجون، مشددةً على أنه يظل سؤال السجون المصرية والمخاطر حول انتشار الفيروس بداخلها مطروح بقوة إلى الآن؛ خاصة ونحن في الأسبوع الثالث الذي سجل في تجارب الدول التي شهدت تفشي واسع للمرض مثل الصين، إيران، إيطاليا بداية الفترة الحرجة، حيث يمكن أن يشكل كل يوم تأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي للوباء منعطف خطير للأزمة.
وحول ضرورة إعادة النظر في وضع السجينات المصريات، ذكرت الورقة البحثية أن مصر لا تختلف عن كثير من الدول التي لا ترى حياة السجينات من منظور حقوقي وإنساني حساس للنوع الاجتماعي وأن تقييد حريتهن بحكم قضائي هو فقط العقوبة وليس حياتهن اليومية داخل السجن، ويرتبط هذا الأمر بعدة عوامل ليس فقط نظرة الدولة والمجتمع للنساء السجينات ولكن أيضًا عدم وجود سياسات وتدابير وإمكانات مادية موجهة بعدالة نحو أوضاع النساء المختلفة ومنهن السجينات.
وأوضحت أنه يوجد بمصر حوالي خمسة سجون للنساء وهم (القناطر، طنطا، بورسعيد، المنيا، دمنهور)، بالإضافة إلى مقار الاحتجاز الأخرى.. مشيرة إلى أن سجون النساء تتميز بهيكلة قائمة على الاختلاط الجماعي أكتر منها على العزل، حيث تتشارك السجينات معًا أغلب المساحات بالإضافة إلى العنابر المكتظة، ووفقًا لشهادات السجينات ومنظمات حقوقية محلية ودولية، تشهد تلك السجون أوضاع من التكدس والاكتظاظ وسوء التهوية وتدني معايير الجودة والنظافة والوقاية من الأمراض، ما يجعلها تسجل طوال الوقت حالات تدهور صحي وإهمال طبي وسرعة انتشار العدوى والأمراض بين السجينات.
وشددت نظرة على أنه “بالطبع لا تتمتع السجينات بالقدر الكافي من الرعاية الصحية الملائمة نتيجة عدم تناسب أعدادهن مع استعدادات السجون لتوفير خدمات صحية وطبية ولقصور المرافق الطبية وجودة خدماتها داخل هذه السجون، وبالطبع لأسباب مرتبطة بنظرة الدولة والمجتمع للنساء السجينات وحقوقهن”.
ونبهت الورقة البحثية إلى أن الواجب الإنساني والأخلاقي تجاه هؤلاء النساء يستدعي -في ظل الدستور المصري وجميع التشريعات والمعاهدات الدولية الخاصة برعاية حقوق السجناء- ألا نجعل تلك الأماكن التي هدفها الحقيقي هو الإصلاح والتأهيل مقارًا للموت الجماعي وحرمان السجينات من حقهن في الحياة والحماية في ظل تفشي وباء خطير يهدد البشرية بأكملها مثل كورونا.
كما نبهت نظرة إلى أن التأخير في الإفراج عن السجينات يمكن أن يُفاقم الأزمة، مشيرًا إلى أن دول مثل الصين وإيران لم تنتبه لهذا الأمر الذي ترك تبعات خطيرة في انتشار وتفشي فيروس كورونا.. موضحًا أنه في الفترة من ديسمبر 2019 وحتى فبراير 2020، اعتمدت الصين سياسات حازمة مختلفة في احتواء انتشار وتفشي الوباء وعزل مقاطعات بالكامل وتزويد القطاع الصحي بالاحتياجات اللازمة بعيدا عن قطاع السجون، إلا أنه في 26 فبراير أعلنت وزارة العدل الصينية عن وجود 555 إصابة مؤكدة في خمسة سجون بثلاث مقاطعات مختلفة وسجل سجن “ووهان” للنساء أكبر عدد إصابات بينها، وخلال ثلاثة أيام فقط ومع التأخر في اتخاذ إجراءات مناسبة ارتفع عدد الإصابات في السجون إلى 806 إصابة. والحال كذلك في إيران حيث تأخرت في اتجاه إجراءات بشأن السجناء إلا أنها تلافته لاحقا بقرار الإفراج عن 70000 سجين في 9 مارس الجاري.
وأشارت المؤسسة في ورقته إلى أن ظهور أي إصابة يتطلب عزلا لكل المخالطين لحين التحقق من إصابتهم وتطهير لكل المواقع والأماكن التي تعامل معها المصاب، وبتطبيق تلك الحالة على سجون النساء؛ فإن ظهور إصابة واحدة سيتطلب قدرًا كبيرًا من الجهد والاحتياطات لمحاولات احتواء العدوى بما سيستنزف جهود الدولة الضرورية ومرافقها للتعامل مع الإصابات أو الوقاية منها في أماكن أخرى.. وفي ظل أوضاع السجون الحالية وصعوبة احتماليات العزل بداخلها أو منع الاختلاط ستصبح كل الجهود الممكنة غير قادرةٍ على توفير ضمانة كافية لعدم إصابة كل السجينات والمتعاملين معهن من الموظفين ومقدمي الخدمات والقادرين على نقل العدوى بسهولة إلى محيطهم.
ولفتت إلى أنه عادة في أوقات الأزمات والكوارث تتخذ الدول تدابير ومراجعات خاصة بالسياسات العقابية وبالتعامل مع السجناء والسجينات قد تصل إلى حد استخدام السجون ذاتها كمقار خدمية أو أماكن عزل.
وأكدت الورقة البحثية أن عزل السجون غير كافٍ، فقد سجلت الصين تفشي الإصابة داخل السجون رغم منع الزيارات، وذلك لأن هناك العديد من العوامل والفرص قد تسبب انتقال الفيروس للسجون حتى مع منع الزيارات.. لكنها ذكرت من جانب آخر أن “الزيارات للسجينات في مصر تشكل المساحة الوحيدة للحصول على أطعمة نظيفة ومستحضرات للنظافة وأدوية وملابس وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي لا توفرها السجون فضلاً عن الدعم المعنوي والنفسي، وسيؤدي النقص في توافر تلك الاحتياجات في ظل بيئة السجن التي لا تدعم بأي حال صحة الجهاز المناعي، إلى جعل قدرة أجساد السجينات على المقاومة والتعافي في أقل معدلاتها، وقد يصبحن مهددات بالتعامل مع أمراض خطيرة أخرى غير الكورونا”.
وعن النتائج التي تحققها سرعة الإفراج عن عدد من السجينات، ذكرت نظرة في ورقته أن سرعة الإفراج عنهن ستضمن حق السجينات في الحياة والسلامة من المرض بالإضافة لتعزيز قدرة السجون على التعامل مع ظهور إصابات، حيث ستتوفر المساحة والقدرة اللازمة للعزل وتوفير الخدمات الصحية والطبية والتحكم في تفشي العدوى مع وجود أعداد أقل من السجينات.
وتابعت أن من بين الإيجابيات أيضا “عدم تحول السجون إلى بؤر حيوية للوباء، سيضمن تجنب منعطف كارثي في تفشي الوباء بمصر وتسجيل أعداد من الوفيات كان من الممكن تجنبها. وبالتالي هو حماية لكافة المواطنين وليس للسجينات فقط”.
وأردت “وتضمن تلك الإجراءات تركيز جهود الدولة على أماكن الإصابات الحالية وضمان الوقاية الممكنة لباقي الأماكن التي لم تشهد انتشار للمرض بدلا ًمن سحب تلك الجهود للتعامل مع السجون في حالة وجود إصابات، ما يضمن عدم استنزاف القطاع الصحي أو المرور بتجربة قاسية كالتي شهدتها كلاً من إيران وأيطاليا.. وضمان حق السجينات في الحياة والسلامة من المرض، بل والاعتماد عليهن في القيام بأدوارهن المخلصة والفارقة تجاه أسرهن ومجتمعاتهن في الوقت الحالي”.
واقترحت الورقة البحثية الإفراج عن عن سجينات ضمن فئات محددة هي:
النساء المسنات فوق ال 60 عاما.. واللاتي يعتبرن ضمن الفئة الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
النساء اللاتي لديهن أمراض مزمنة أو تاريخ طبي حرج يجعلهن ضمن الفئات الأكثر تعرضاً لمخاطر الإصابة، ومن ضمنهن النساء اللاتي يُعانين من أمراض تُعزز من الإصابة بالفيروس، مثل أمراض السكري والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي.
النساء الحوامل والنساء الحاضنات لأطفالهن – عامين أو أقل – داخل السجن.
النساء اللاتي لديهن عائلات بها مسنين/ات، أطفال، أشخاص ذوي تاريخ طبي حرج وبحاجة إلى رعايتهن.
النساء الغارمات واللاتي تتحمل الدولة مسؤولية وجودهن داخل السجون نتيجة عدم قدرتهن على توفير احتياجاتهن واحتياجات أسرهن الأساسية.
النساء اللاتي على ذمة الحبس الاحتياطي أو لم تتم محاكمتهن بعد ولم يثبت قيامهن بجرم ما. ويمكن توفير بعض الضمانات بخصوص محاكمتهن في وقت لاحق.
سجينات الرأي والمدافعات عن حقوق الإنسان واللاتي تعرضن للسجن على خلفية أنشطتهن المشروعة أو ممارسة حقهن الأساسي في التعبير عن أرائهن.
السجينات اللاتي قضين أكثر من ثلثي المدة.
السجينات في تهم تعاطي المواد المخدرة واللاتي يحتجن إلى العلاج وإعادة التأهيل وليس السجن.
السجينات في قضايا ذات طبيعة أخلاقية مثل الزنا والإجهاض.
كما اقترحت الورقة تشكيل لجنة من خبيرات من الجهات المعنية المختلفة لضمان سهولة وسرعة اتخاذ القرارات بالتنسيق مع الخطط الحكومية ولجمع الخبرات اللازمة لتحقيق استجابة سريعة وملائمة في ظل المخاطر المحتملة على أن تضم عضوة من المجلس القومي للمرأة، ممثلة عن وزارة الصحة، عضوة من إدارة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية، قاضية وتمثل وزارة العدل، نائبة بالبرلمان المصري، عضوة من المجلس القومي لحقوق الإنسان، ممثلة عن وزارة التضامن الاجتماعي ممثلة عن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية المرأة ودعمها.
كما اقترحت الورقة البحثية أن تختص اللجنة بالآتي..
- تنظم اللجنة التدابير المصاحبة لعملية إطلاق سراح عاجل للسجينات من الفئات المقترحة أعلاه، منها سبل التأكد من سلامتهن وعدم إصابتهن بالعدوى وتحديد احتياجاتهن من الرعاية بعد إطلاق سراحهن وربطها بالجهات المسؤولة عن تقديم الدعم اللازم لهن.
- تتخذ اللجنة الإجراءات اللازمة لتجهيز السجون بعد التخلص من أزمة التكدس والزيادة العددية، ومنها توفير المعايير الخاصة بالنظافة والتعقيم والتهوية وتقليل الاختلاط الجماعي، كذلك عنابر العزل والطوارئ، الاستعدادات للسيناريوهات المختلفة في حالة إصابة إحدى السجينات بالفيروس أو الاشتباه، توفير وتعزيز المرافق والخدمات الطبية والصحية القادرة على التدخل السريع وتقديم الرعاية للسجينات ومتابعة أوضاعهن الصحية.
- خطط الرعاية النفسية والاجتماعية للسجينات في ظل منع الزيارات أو العزل، حيث يمكن اتباع عدد من الإجراءات تضمن التواصل مع أقاربهن والعالم الخارجي مثل توفير الاتصالات الهاتفية، الصحف اليومية، تلفاز. – وأيضا توفير مكتبة ودفاتر للكتابة لمساعدة السجينات على تخطي الألم النفسي للعزل مع تنمية مهارتهن، كما يتطلب الوضع توفير خدمة دعم نفسي للسجينات والعاملين/ات بالسجن تفادياً لتوابع الضغط النفسي والتوتر والخوف على صحتهم/ن. وأخيرا ضمان تعرض السجينات لأشعة الشمس وقيامهن بأنشطة بدنية تدعم صحة أجسادهن.
- إجراءات توفير الإمكانات والموارد اللازمة لضمان سلامة السجينات واحتياجاتهن من أدوية، مستحضرات للتعقيم والنظافة الشخصية، المواد الغذائية المناسبة والموصى بها لتقوية مناعتهن ومقاومتهن الجسدية والصحية.
- تحضير خطط التدخل السريع في حالة الإصابة أو الاشتباه بها، ويتطلب ذلك ضمان وجود تجهيزات للعزل داخل السجن للحالات المصابة فقط وإجراءات لعزل الحالات المشتبه بها، وإجراءات التعامل لحماية الحالات غير المصابة. أيضا توفير تجهيزات طبية داخل السجون للاستجابة لوجود حالات مصابة مثل أجهزة تنفس صناعي والاحتياجات الدوائية الأخرى وكيفية إجراء تحليل الفيروس، ويحقق ذلك تجنب نقل السجينات إلى الخارج. كذلك ربط السجون بعدد من المستشفيات وسبل نقل السجينات منها وإليها في حالات الطوارئ القصوى.
- خطة دعم ورعاية ومتابعة للموظفين/ات بالسجون تتضمن تقسيم عملهم/ن، دعمهم/ن اجتماعيا، وبروتوكلات تقييدهم/ن لمنع نقل أو انتشار العدوى داخل أو خارج السجن، الكشف عليهم/ن وإجراءات الطوارئ الخاصة بهم/ن في حالة تطور الأزمة.
- خطة توعية وتدريب داخل السجون تشمل السجينات والموظفين/ات لتسهيل استجاباتهم/ن للإجراءات المختلفة والتعامل الجيد مع السيناريوهات المحتملة.
- ضمان الشفافية في الإعلان عن الإصابات والإجراءات المتبعة مع الحالات المصابة أو المشتبه بإصاباتها.
ضمان اتباع المعايير الدولية والإنسانية في التعامل مع السجينات خاصة أثناء عمليات التدخل أو العزل دون أي تجاوزات أو إساءة استعمال لتلك الإجراءات والتي يجب أن تتم وفقا لتقدير طبي تخصصي ومستقل.
توفير عملية متابعة وتقييم منتظمة لسير الإجراءات داخل السجون، بالإضافة إلى إمكانية وصول السجينات لمسؤولة مستقلة في حالة الشكاوى أو إساءة المعاملة لهن.
للاطلاع اضغط هنا