مكاريوس لحظي يكتب: اصلبه.. اصلبه
العالم في فريقين: فريق مع إنقاذ حياة علاء، وفريق مع موته…
رغم أن هناك إنسانًا يواجه الموت بين القضبان في مشهد درامي غاب عن خيال الأدباء.. ورغم أن حياته معلقة بلسان إنسان ما هنا أو هناك… نجدُ -ويا للعجب- دعاةً لموته.. رسلًا لهلاكه.. جمهورًا عريضًا يهتفون: “اصلبه.. اصلبهَ”…
ونجد أنفسنا -ويا للحسرة- مرغمين على تجاوز الخوف والقلق والارتباك، والرد على تغريدتين منسوبتين لعلاء في 2010، 2011 .أشهروهما في وجوهنا ليبرروا موته.. أرسلوا رجال قانون للادعاء بهما…
على كل حال، لنحاول ونبذل كل ما بوسعنا حتى اللحظة الأخيرة…
التغريدتان المذكورتان تنطويان على تحريض على رجال الشرطة وأسرهم. ويُزعم أن علاء كتبهما في 2010 و2011.. لن أضيع الوقت في صحة نسبتهما إليه، خصوصًا أن المتداول هو “سكرينشوت” وليس رابطًا يمكننا التحقق من خلاله.. ولكن ما علينا، لنفترض مرة واحدة أن التغريدتين حقيقيتين.. فلماذا لا يجوز الاحتجاج بهما؟
أولًا، من حيث الشكل:
- علاء يقضي عقوبته الحالية متهمًا في قضية أخرى لا علاقة لها بالتغريدتين من قريب أو بعيد. علاء محكوم عليه بتهمة نشر أخبار كاذبة على إثر مشاركته لمنشور على “فيسبوك” يحكي عن جريمة حدثت داخل أحد السجون.. مجرد مشاركة.. لا أعرف إن كانت فعلًا أخبارًا كاذبة، أم لا؟ ولكنه على كل حال، لم ينسجها، لم ينقلها عن مشاهدته، أو يروها علينا، أو حتى يتبنى صدقها.. فقط شارك منشور يبلغ عن جريمة في إطار نشاطه الحقوقي.. بسبب هذا تم الحكم عليه بخمس سنوات.. خمس سنوات يا مؤمن.. خمس سنوات!
- هذه القضية نفسها التي يقضي عقوبتها الآن، نُظرت أمام محكمة خاصة ولم يتمكن الدفاع من أداء مهمته أو حتى الاطلاع على أوراق القضية أو أدلة اتهامه وإدانته فيه.. فالقضية نفسها شابها عيب في الإجراءات، ولا يمكن الاحتجاج بالحكم الصادر فيها.
- حتى إذا كان متهمًا بهذه التهمة المتعلقة بالتغريديتين، فالرجل قضى في السجون تسع سنوات، وهي مدة أكبر من أكبر عقوبة يمكن الحكم بها عليه في التغريدتين المذكورتين! ألا يكفي؟ ألا يشفي؟ ألا يشفع؟ ألا يفديه ويفدينا؟
ثانيًا، من حيث المضمون، أو من حيث الجريمة التي تنطوي عليها التغريدتان:
حتى تكتمل الجريمة -أي جريمة- في القانون وتستحق العقوبة، ينبغي أن يتحقق فيها ركنان: الركن المادي والركن المعنوي: الركن المادي هنا هو “التغريدتان” نفسهما إذا ثبتا عليه.. أقصد كتابتهما ونشرهما ومضمونهما والمخاطب بهما وأثرهما والنتيجة التي ترتبت على نشرهما… إلخ. ويمكن قول الكثير في مدى تحقق الركن المادي من عدمه هنا، فالحقيقة أنها ليست جريمة تحريض ولا حتى في ركنها المادي، ولكن هذا لا يعنيني في هذا المقال.. لنفترض أن الركن المادي متحقق.. ما يعنيني هو الركن المعنوي، وبلغة القانون أيضًا هو “القصد الجنائي”.. فهل تحقق القصد الجنائي هنا في جريمة التحريض على ضباط الشرطة وأسرهم؟ بمعني آخر، هل قصد علاء فعلًا التحريض على قتل وتعذيب ضباط الشرطة وأسرهم؟
كي تتحقق المحكمة من القصد الجنائي، عليها أن تلاحظ بدقة الملابسات والتفاصيل المحيطة بكل واقعة.. كشخص المتهم، نشاطه، دوافعه، توقعاته، إرادته، السياق الذي حدثت فيه الجريمة… إلى آخر ما يطمئن المحكمة أن المتهم قصد بالفعل ارتكاب الجريمة بإرادته وتوقع حدوثها.. فمثلًا في قضية كقضية علاء.. يمكن أن يتحقق القاضي من القصد الجنائي بأسئلة كالأتي: من هو علاء أصلًا؟ من هم أسرته؟ من أصدقاؤه؟ ما هي أنشطتهم؟ هل لديهم تنظيم مسلح؟ هل لديهم علاقات بتنظيمات إرهابية مسلحة؟ هل يعتمدون العنف منهجًا؟ هل لديهم سوابق في هذا الأمر؟ هل فعلًا أراد علاء أن يعذب ويقتل الضباط وأسرهم؟ لماذا؟ هل يتلذذ بالعنف؟ هل هناك أي دلائل على وجود ميل للعنف عند علاء؟ كيف يتصرف علاء مع الناس؟ كيف يختلف مع خصومه؟ هو شغال إيه أصلًا؟ بيكتب كمان؟ بيكتب إيه؟ فين مقالاته دي؟ وريني كده؟ أمال كتب التويتة دي ليه؟ وهكذا حتى يصل القاضي لإجابة…
نحن من نرغب لعلاء أن يحيا، نعرف من هو علاء عبد الفتاح.. نعرف مواقفه، نعرف كتاباته، نعرف شجاعته، نعرف ثقافته، نعرف عائلته، نعرف أصدقاءه، نعرفه مناضلًا شريفًا شجاعًا يحب العدل والحق ويحلم بغد أفضل للجميع… يكتب علاء ما يكتب، نحن نعرف أنه ليس مجرمًا، ونعرف أنه ينبذ العنف.. ونعرف أن علاء برئ ويستحق الحياة…
نحن أيضًا نعرف السبب الحقيقي الذي من أجله يواجه علاء الموت.. نعرف أن هذا بسبب مواقفه ونشاطاته السياسية… ونريد أن نؤكد على أن الاختلاف حق، والمعارضة السياسية حق، والعمل السياسي حق، وحرية التعبير حق، وحقوق الإنسان حقوق.
اللهم إنا نعوذ بك من الباطل
اللهم يسر أمورنا
اللهم فرج كروبنا
اللهم اهدنا إلى عدلك
اللهم لا تعسرنا في الحق
اللهم أنت العليم البصير