مقعد شاغر على مائدة رمضان| عصام عابدين صحفي خلف القضبان.. وزوجته: إلى متى تستمر معاناتنا؟!
الزوجة: ده تاني رمضان لعصام بعيد عننا وأضطر لإخبار أطفالنا بسفره في رحلة عمل.. عارفة أني هعيد الكرة نفسها
زوجي يعاني صحيا داخل محبسه وأحد أبنائنا باتت تنتابه نوبات هلع.. إحنا ناس في حالنا وربنا أعلم بظروفنا
كتب- محمود هاشم
ما أصعب الانتظار على السجناء والمحبوسين، وما أقساه على ذويهم الذين يعيشون على أمل خروج ذويهم بعد أشهر وسنوات من المعاناة في غيابهم، بينما يأتي شهر رمضان وتتوق إليهم مقاعدهم الفارغة على موائد أسرهم، لتعود معها البهجة الغائبة، في الوقت الذي تنشغل الأيدي بالابتهال لعودتهم، وإعداد وجبات الإفطار لتسليمها لهم بوجوه تكسوها الحسرة، في أقرب زيارة لها خلف القضبان.
“ده تاني رمضان لعصام بعيد عننا وعن أولاده، اللي نفسهم أبوهم يبقى في وسطهم ويشاركهم في مائدة الإفطار، كنت بتحايل عليهم في رمضان اللي فات علشان يفطروا، وكانوا بيقولوا هنفضل نصوم وندعي ربنا لحد ما بابا ييجي يفطر معانا، وأنا عارفة أني هعيد الكرة نفسها النهاردة وبكرة وبعده، وربنا وحده يعلم بظروفنا وظروفه”.
تشرح إسلام محمد عبدالله، زوجة الزميل الصحفي عصام عابدين مدير موقع “فالصو” التابع لمؤسسة اليوم السابع، معاناتها وأسرتها في غياب زوجها المحبوس في سجن القناطر منذ ما يقارب سنة ونصف، على ذمة القضية 864 أمن دولة لسنة 2020، بينما تتواصل مناشداتها بالإفراج عنه.
في 15 مارس الماضي، تم تجديد حبس عابدين 25 يوما أخرى على ذمة القضية 864 أمن دولة لسنة 2020، ليتأكد استمرار غيابه عن أسرته حتى من منتصف رمضان الحالي على الأقل.
تقول الزوجة: “ابني الذي يبلغ الثامنة من عمره يمر بحالة نفسية غاية في السوء، وباتت تنتابه نوبات هلع مستمرة منذ غياب والده، وعصام نفسه بات يعاني من أزمات صحية داخل محبسه، فضلا عن ارتفاع ضغط الدم، دون أن يدري ما الجرم الذي ارتكبه ليحدث معه كل ذلك”، مضيفة: “مش عارفة أعمل إيه ولا أوصل لفين تاني، ولحد إمتى هنعيش في المعاناة دي”.
عابدين محبوس في سجن القناطر منذ ما يزيد عن عام ونصف حتى الآن، ومنذ القبض عليه تشير زوجته إلى سماعها الكثير من الوعود بشأن إخلاء سبيله في قوائم إفراجات مرتقبة، لكنها ما تلبث أن تشعر بخيبة الأمل مع استمرار حبسه رغم ذلك، مؤكدة أنها لم تجد حتى الآن ردا من أي جهة بشأن مصير زوجها.
تستكمل إسلام: “إحنا ناس غلابة وفي حالنا، ومبنتدخلش في السياسة، وعصام في رقبته 5 أطفال يواصلون السؤال عنه ليل نهار، فأضطر إلى إخبارهم بأنه مسافر في رحلة عمل، للتخفيف من معاناتهم، هل جزاء حبنا لهذا الوطن وخوفنا عليه أن يحدث معنا كل ذلك”.
في صباح اليوم الأول من شهر سبتمبر 2020، اتصل عصام بزوجته يخبرها بعودته إلى المنزل بعد انتهاء مناوبته في العمل، بعد ساعة من مكالمتهما اتصلت به مجددا للاطمئنان عليه لتفاجأ بهاتفه مغلقا، لم تعرف ماذا حدث لزوجها، فحاولت الاتصال بعدد من زملائه للاطمئنان عليه، إلا أن لا حد كان يعلم بمكانه، بحسب ما تحكي إسلام.
في مساء الجمعة الرابع من الشهر نفسه، تلقت الزوجة اتصالا بأن زوجها محبوس في سجن الجيزة المركزي “الكيلو 10 ونصف”، قبل انتقاله إلى سجن القناطر في وقت لاحق.
في اليوم التالي، حضرت إسلام إلى مقر السجن لإيصال متعلقات زوجها خلال فترة حبسه، وفي التاسع من الشهر ذاته سُمح لها بزيارته، تقول: “سألته عما حدث لكنه لم يكن يعرف الإجابة، كل ما قاله إنه لم يتم مواجهته بتهم بعينها، بل إنهم أشادوا بعمله في موقع فالصو، للرد على الشائعات، قبل أن نفاجأ بعدها باتهامه بنشر أخبار كاذبة، تجديد حبسه يتم دون السماح له بمقابلة قاضيه حتى الآن، كما أن الزيارات لا تستغرق أكثر من 10 دقائق من خلف أسلاك”.
تواصلت مناشدات أسرة عابدين لكل الجهات المعنية منذ تاريخ القبض عليه، للتدخل للإفراج عنه، توضح زوجته: “في كل شهر كنا نقدم خطابات لنقيب الصحفيين وغيره من المسؤولين، لمحاولة التدخل لإخلاء سبيله ولو بكفالة، إلا أننا لم نتلق ردودا حتى الآن”.
تسكت إسلام قليلا، قبل أن تكمل باكية: “أطفالي الخمسة يتشوقون لرؤية والدهم الغائب عنهم منذ عام ونصف، حيث لا يعلمون مكانه حتى الآن، لأنني كنت أخبرهم بأنه مسافر إلى خارج مصر، حتى لا يتأثروا بالأزمة، والده أيضا أصيب بجلطة وبات طريح الفراش بعد معرفته بالأمر، كما تعاني والدته من ارتفاع مستمر في ضغط الدم منذ ذلك الحين”.
وتساءلت: “كيف لصحفي يعمل منذ 12 عاما في مؤسسة مثل اليوم السابع، وترقى في المناصب بها، أن يتهم بالإساءة إلى الدولة أو نشر أخبار كاذبة بشأنها، لقد بدأنا نصاب بالجنون كلما فكرنا في الأمر”.
كانت قوات الأمن ألقت القبض على الزميل هاني جريشة مدير تحرير موقع “سوبر كورة” التابع لمؤسسة اليوم السابع، في 26 أغسطس 2020، بعد أيام ألقي القبض على زميله عصام عابدين، مدير موقع “فالصو”، على ذمة القضية 864 أمن دولة لسنة 2020، التي تم تجديد حبسهما 45 يوما على ذمتها نهاية ديسمبر الماضي.
في بداية شهر سبتمبر 2020 صدر قرار بحبس جريشة وعابدين بعد التحقيق معهما في نيابة أمن الدولة العليا، ويواجهان اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
في تقريرها الأخير، قالت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، إن مصر الثالثة عالميا في حبس الصحفيين بعد الصين وميانمار بـ25 صحفيا قيد الحبس في قضايا متنوعة، وأضافت في تقريرها الصادر تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن “هذا العدد أقل من العام الماضي، إلا أن احتجاز الصحفيين مستمر”.