مع تزايد إصابات كورونا: قرار حكومي عمره 6 سنوات بإلزام المستشفيات الخاصة بعلاج حالات الطوارئ مجانا.. ودعوات لتطبيق التجربة الأسبانية
المادة 18 من الدستور تُجَرِّم الامتناعَ عن تقديم العلاج في حالات الطوارئ أو الخطر.. ودعوات حزبية لتوحيد المنظومة الصحية وقت الوباء
قرار لـ”الوزراء” في 2014 يُلزم بتقديم العلاج مجانا لمدة 48 ساعة في حالات الطوارئ.. والزاهد: لم يعد كافيا
علاء عوض: أنا مع تفعيل القرار فورًا وتكاليف العلاج ليست كبيرة.. وقانوني: قرار ٢٠١٤ ملزم وواجب التنفيذ
كتبت – نور علي
مع الدخول إلى ذروة مرحلة تفشي “فيروس كورونا” في مصر، وارتفاع أعداد المصابين حسب بيانات وزارة الصحة، زادت كثافة الضغط على المستشفيات سواء الحكومية أو الجامعية أو الخاصة والاستثمارية.
ومع زيادة الإقبال على المنشآت الطبية ارتفعت تكاليف إجراء الفحوصات وتكاليف العزل في المستشفيات الخاصة، بشكل غير مسبوق وبصورة مبالغ فيها كما وصفها البعض، فقد وصلت ليلة العزل الواحدة ببعض المستشفيات إلى 25 ألف جنيه، وهو الرقم الذي بات يشكل عائقا كبيرا أمام قطاعات كبيرة من المواطنين.
رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، ردا على ذلك كلف الوزراء المعنيين بوضع ضوابط للمستشفيات الخاصة التي بدأت تشارك في علاج المواطنين من فيروس كورونا، بحيث يكون هناك سقف محدد لتكلفة العلاج، مشيرًا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعًا مبالغًا فيه في تكلفة العلاج والعزل بعدد من هذه المستشفيات. لكن هل خطوة الحكومة في هذا الإطار كافية، ولماذا لم تستجب لدعوات مطروحة بتوحيد المنظومة الصحية وإخضاع هذه المستشفيات لإدارة وزارة الصحة خلال فترة الوباء؟ وإذا لم يكن ذلك متاحا ألا يعتبر الوباء حالة من حالات الطوارئ التي من المفترض ان تقوم هذه المستشفيات فيها بتقديم العلاج للمرضى مجانا طبقا لقرارات سابقة لمجلس الوزراء ؟
ففي عام 2014 صدر قرار حمل توقيع المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء حينئذ، نص على إلزام المنشآت الطبية بتقديم العلاج مجانا لأول 48 ساعة خلال حالات الطوارئ والحوادث.
قرار “الوزراء” واجب النفاذ؟
ونص القرار رقم 1063 لسنة 2014 على أنه “تلتزم جميع المنشآت الطبية الجامعية والخاصة والاستثمارية المرخص بإنشائها طبقا لأحكام القانون رقم 51 لسنة 1981 والمستشفيات التابعة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام بتقديم خدمات العلاج لحالات الطوارئ والحوادث بالمجان لمدة 48 ساعة”.
ويضيف القرار “يُخيّر بعدها المريض أو ذويه في البقاء بالمنشأة على نفقته الخاصة بالأجور المحددة المعلن عنها أو النقل الآمن لأقرب مستشفى حكومي، وفي جميع الأحوال لا يجوز نقل المريض إلا بعد التنسيق مع غرف الطوارئ المركزية أو الإقليمية المختصة أو غيرها لتوفير المكان المناسب لحالته الصحية”.
ونُشر القرار في جريدة الوقائع الرسمية في العدد رقم 27 في 3 يوليو، غير أنه لم يدخل حيز التنفيذ مطلقًا كما يؤكد الدكتور علاء عوض الأستاذ بمعهد تيودور بلهارس وزارة الصحة.
يقول د. علاء عوض لـ”درب”: أنا مع تفعيل القرار فورًا بصرف النظر عن التكلفة المادية لأننا في حالة وباء وحياة البشر أهم من أي تكلفة.
وفي رد على سؤال حول متوسط التكلفة المادية التي يمكن أن يتكلفها المصاب خلال الـ 48 ساعة الأولى التي نص عليها قرار مجلس الوزراء، قال عوض “التكلفة في أغلب الحالات ليست باهظة، خاصة خلال الـ 48 ساعة الأولى، لأن ما يتم فيها هي في الأغلب فحوصات رخيصة الثمن وليست باهظة، في حين أننا نرى أرقاما خرافية ومُبالغ فيها تطلبها المستشفيات الخاصة حاليا”.
وأوضح “التكلفة ليست مرتفعة إلا بالنسبة لحوالي 5% من إجمالي الإصابات وهم الذين يخضعون لأجهزة تنفس صناعي، فحسب بيانات منظمة الصحة العالمية فإن نحو 85% من المصابين تكون أعراض إصابتهم بسيطة خلال المراحل الأولى ونحو 10% تكون أعراضهم متوسطة، فيما يحتاج 5% من إجمالي المصابين إلى أجهزة تنفس صناعي”.
وتابع “لم نصل بعد إلى مرحلة الاحتياج لإيجاد أجهزة تنفس صناعي، فهي متوفرة بنسبة كبيرة، وحتى على مستوى إنتاجها فهي ليست بالصورة الصعبة المتخيلة”.
أحد رجال القانون -فضل عدم ذكر اسمه- قال لـ”درب” إن القرار الصادر عن مجلس الوزراء في ٢٠١٤ قرار ملزم وواجب التنفيذ وفق صيغته التي خرج بها.
وأضاف أن السبيل الوحيد لتنفيذ هذا القرار هو عن طريق وزارة الصحة باعتبارها الجهة المختصة المنوط بها تنفيذ قرارات مجلس الوزراء، مشيرًا إلى أنه يلزم التقدم بطلب رسمي إلى الوزارة من أجل الالتزام بالقرار، مشيرًا إلى أنه على الوزارة أن تُعمم القرار على جميع المستشفيات الجامعية والخاصة والاستثمارية والتابعة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال.
واستكمل أنه وفقًا للقرار -بصياغته الواضحة- فإنه يتم تخيير المواطن بين البقاء داخل المستشفى مع الالتزام بالتكلفة المادية المحددة، أو الانتقال إلى مستشفى حكومي آخر.. منبهًا إلى أنه على الحكومة أن توفر -وفقا للدستور- أماكن للعلاج بالمستشفيات الحكومية خاصة في ظل الوباء المتفشي.
ولفت إلى أنه في حال عدم استجابة وزارة الصحة لقرار رئيس مجلس الوزراء فإن الطريق الآخر هو اللجوء إلى مجلس الدولة من أجل استصدار حكم قضائي مستعجل يُلزم الوزارة بالتنفيذ.
هل القرار صالح للتطبيق؟
عن ذلك يقول مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، “أعتقد أننا أصبحنا في ظرف يجعل مطالبنا تتجاوز قرار مجلس الوزراء الصادر في 2014”.
وأضاف “هناك ضرورة لمد مظلة العلاج وتوسيع مجالات التدريب ومقاومة (أغنياء الوباء) وهو المصطلح الذي يمكن أن نطلقه على من استغلوا حالة الوباء من أجل التربح وهو ما تسبب في ارتفاع بعض أسعار الأدوية وكذلك ارتفاع سعر الغرف في المستشفيات إلى أرقام خرافية وصلت إلى 20 ألف جنيه لليلة الواحدة”.
واستكمل الزاهد، “نحن طرحنا مبكرا مبادرة للخروج من الأزمة، تضمنت ضرورة توحيد كل قطاعات الصحة ومؤسسات تقديم الخدمة العلاجية في كيان واحد وهيئة واحدة، واقترحنا أن تضم مستشارا الرئيس عوض تاج الدين ومحمد غنيم، ووزيرة الصحة، ونقباء الأطباء والتمريض والصيادلة، وممثلين للجامعات وممثلين للقوات المسلحة والشرطة بحكم أن لهم مستشفياتهم، على أن تكون هذه هيئة واحدة تعمل على توحيد الموارد وتتصرف فيها جميعا لتكون أشبه بـ”هيئة قابضة” قرارتها نافذة على كل المنظومة الصحية”.
وأردف، هناك قرارات استثنائية تتخذها العديد من الدول في مثل هذه الظروف، فكما رأينا لجأت إسبانيا إلى تأميم المستشفيات لفترة زمنية، كذلك دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة وهي أكبر دولة رأسمالية، لجأ لقانون وضع وقت الحرب العالمية الثانية من أجل إجبار عدة شركات من بينها “جنرال موتورز” لإلزامها بإنتاج أجهزة تنفس صناعي.
واسترسل “على الدولة أن تدير القطاع الخاص وتفرض عليه إرادتها في أوقات الأزمات، وإذا كانت الدولة تدخلت بالخصم من أجور الموظفين فكان من الأولى التعامل مع القطاع الخاص والقطاع الصحي الذي يمثل أداؤه مأساة في هذا التوقيت”.
وأشار الزاهد إلى أن حزبه سيتقدم بمقترح خلال الأيام القليلة القادمة بإضافة الكمامات والصابون ليتم توزيعها على بطاقات التموين، موضحا “المقترح يتمثل في تشجيع المواطنين وإقناعهم بأهمية الامتثال لإجراءات الوقاية في هذا التوقيت الحرج، لذلك نقترح توزيع 3 كمامات و 3 صابونات لكل مواطن شهريا، ونقول إن التوزيع يجب أن يكون على بطاقات التموين لأن هذه هي الفئة المستحقة للدعم في الأصل وبالتالي هناك حاجة لتفهم الظروف التي تمر بها”.
ولفت إلى أن هذا المقترح لن يُكلف خزينة الدولة مبالغ كبيرة، في ظل المبالغ التي تم تخصيصها من أجل مواجهة كورونا.
أكرم إسماعيل عضو حزب “العيش والحرية – تحت التأسيس” قال لـ”درب”، إننا الآن في ظرف خاص للغاية، ولم تعد المشكلة في تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 2014، فنحن في الوقت الحالي كان من المنطقي أن يكون لدينا منظومة صحية موحدة تتبع إدارة واحدة.
وأضاف “الأمر الطبيعي الآن هو تحويل كل القدرات الطبية المتاحة لإدارة واحدة سواء مستشفيات الجامعات أو القطاع الخاص أو القوات المسلحة أو الشرطة لكي يديرها طرف واحد”.
وأشار إسماعيل إلى أن المستشفيات الميدانية أصبحت ضرورة في ظل الوضع الحالي، منبهًا إلى أن محافظتي القاهرة والجيزة تمثلان الأكثر تفشيا للفيروس وبالتالي لابد من إقامة مستشفيات ميدانية لاستيعاب الأعداد المتزايدة على أن تقام بعيدا عن المنشآت السكنية من أجل تخفيف الضغط على الحالات الحرجة التي تستقبلها المستشفيات.
هذا ما قاله الدستور
القرار الصادر في عن مجلس الوزراء 2014 في حد ذاته أثار عددًا من التساؤلات حين صدوره، ففي 21 يوليو 2014 أصدرت 4 منظمات حقوقية هي جمعية التنمية الصحية والبيئية، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رابطة العاملين بالصحة بيانًا أكدت من خلاله أن القرار صدر مُبهمًا وغير واضح.
وأشارت المنظمات إلى أن هناك عدة أسئلة تدور حول القرار من بينها “ما هي حزمة الخدمات التي يشملها القرار، وما هي الأدلة الإرشادية الإكلينيكية والإدراية المتبعة لكل حالة؟”،
وأشار البيان الصادر حينها إلى “أهمية تفعيل المادة ١٨ من الدستور المصري، التي تُجَرِّم الامتناعَ عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، إلا أن تنظيم هذا الحق في صورة قرار من رئيس الوزراء غير مؤيد بآليات وضوابط تنفيذية واضحة، يضع الكثير من الشكوك حول جدية وفاعلية تنفيذ هذا القرار. وتعتقد المنظمات الموقعة أنه كان يجب تنظيم هذا الحق في تشريع قانوني مُفَصَّل يصحبه لائحة تنفيذية تجيب بصورة محددة عن العديد من التساؤلات الأساسية لضمان تحقيق هذا القرار أهدافَه”.
وتنص المادة 18 من الدستور المصري على أنه “يُجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة”.
تجارب دول أخرى
تجريم الامتناع عن تقديم العلاج في حالات الطوارئ ليس منصوصًا عليه في الدستور المصري فحسب، ولكن في معظم دساتير دول العالم، وهو الأمر الذي استندت إليه الحكومة الإسبانية حين قررت تأميم جميع المستشفيات.
في منتصف مارس الماضي، اتخذت أسبانيا أجرأ خطوة في مواجهة كورونا بعدما أصبحت ثالث أكثر الدول تأثرًا به.
وبحسب ما أوردته صحيفة “الجارديان” أعلنت وزارة الصحة، في حكومة بيدرو سانشيز، أنها ستضع جميع منشآت مقدمي الخدمات الصحية الخاصة في إسبانيا تحت الإدارة العامة، دون أن تحدد إلى متى سيظل وضع هذه المنشآت تحت الإدارة العامة.
حينها قال وزير الصحة الإسباني، سلفادور إيلا، إن طلاب الطب في السنة الرابعة في البلاد سيُطلب منهم المساعدة في تقديم الخدمة الصحية في البلاد، بحسب ما أورده موقع “بوليتيكو”، كما تم توجيه الشركات القادرة على إنتاج المعدات الطبية بالتواصل مع الحكومة.
الخطوة التي اتخذتها الحكومة الإسبانية جاءت من أجل ضمان السيطرة على أسعار خدمات المنظومة الصحية المقدمة للمواطنين وتوافرها، في ظل ازدياد أعداد المصابين.. وهي الخطوة التي لجأت إليها بعض الدول من بينها العربية -وإن كانت بأشكال أخرى- من أجل ضمان توفير العلاج المجاني.
في أواخر مارس الماضي، أعلن الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، وزير الصحة السعودي، عن صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بتقديم العلاج مجانًا لجميع المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة في كل ما يتعلق بالعلاج من فيروس كورونا.
ووفقا لوكالة الأنباء السعودية “واس”، أكد وزير الصحة، خلال مؤتمر صحفى عقده بمقر هيئة الغذاء والدواء بمدينة الرياض، أن هذا الأمر يأتي من منطلق حرص خادم الحرمين الشريفين، على صحة الجميع الذي وضع لصحة المواطن والمقيم أولوية قصوى لضمان سلامة الجميع.
حول ذلك يشير دكتور علاء عوض إلى أن الحفاظ على حياة المواطنين يستلزم أن يكون هناك طرح لوضع المنشآت الطبية تحت تصرف الدولة في هذه المرحلة الخطيرة، قائلا “هناك ضرورة لأن تفكر الدولة في وضع المنشآت الطبية الخاصة تحت تصرفها مع إيجاد الصيغ المناسبة لتنفيذ ذلك وتعويض أصحابها طوال هذه الفترة”.
الأمر نفسه ذهب إليه حزب “العيش والحرية – تحت التأسيس”، الذي طرح عدة بدائل من خلال بيان أصدره من أجل وقفة جادة أمام انتشار الفيروس.
ومن البدائل التي طرحها الحزب وضع كافة المستشفيات الخاصة والأهلية ومستشفيات الجمعيات الدينية والجامعات الخاصة والمستشفيات العسكرية والشرطية تحت إشراف وإدارة وزارة الصحة لاستخدامها كيفما ترى لخدمة خطتها للمكافحة، وبالأخص أسرّة العناية المركزة.
وأشار البيان كذلك إلى إنه «آن أوان التفكير في إنشاء عدد من المستشفيات الميدانية لعزل وعلاج مصابي كورونا كحل لمحاصرة العدوى ولتخفيف الضغط على المستشفيات القائمة سواء التي تقوم بمكافحة كورونا أو التي تعالج الأمراض الأخرى».
وأضاف أن «زيادة القدرة على استقبال المزيد من المرضى وعزلهم وعلاجهم، مع التوسع في إجراء التحاليل للمواطنين هو المسار الضروري للتعامل مع الجائحة والسيطرة علي انتشار العدوى».
ولفت البيان إلى أنه «لم يعد خافيا على أحد أن الأيام القادمة ستشهد تصاعدا للأزمة لن نستطيع العبور منه إلا بتكاتف الجميع، والذي يحتاج من وزارة الصحة شفافية وجِدّية حتى نعبر هذه المحنة بسلام».
من جانبه يؤكد مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف أن “الصحة حق وليست منحة ولا يمكن أن تدار بالمنطق التجاري، هذا بخلاف أشكال النصب والاحتيال التي تقوم بها بعض المستشفيات”.
واستكمل الزاهد، “آن الآوان لتوحيد كل قطاعات الصحة ومؤسسات تقديم الخدمة العلاجية في كيان واحد وهيئة واحدة حتى تجاوز الأزمة الحالية والتجارب الدولية ليست ببعيدة عنا “