مركز القاهرة: إعلان الشبكة العربية لحقوق الإنسان تجميد نشاطاتها مؤشر على وهمية الادعاءات بالسعي لتحسين أوضاع حقوق الإنسان
البيان : الشبكة العربية لن تكون الأخير التي ستلجأ لتجميد نشاطها بدلاً من التسجيل تحت مظلة القانون
كتب – أحمد سلامة
أعرب مركز القاهرة لدراسات عن تضامنه مع الشبكة العربية لحقوق الإنسان وذلك بعد إعلان توقف أنشطتها عقب ١٨ عاما من العمل في المجال الحقوقي.
ووصف بيان أصدره المركز تعليق نشاط الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بأنه دليل جديد على زيف مزاعم الإصلاح في مصر.
وقال البيان “إن اعلان الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم 10 يناير 2021 تعليق نشاطها في مصر بعد 18 عاماً من الكفاح المتواصل دفاعًا عن حرية الرأي والتعبير، هو مؤشر جديد على وهمية الادعاءات بالسعي إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويؤكد مصادرة جميع سبل الاصلاح في مصر وغلق المجال العام بشكل كامل أمام كل صوت مستقل، سواء فرد أو جماعة او مؤسسة، سياسية كانت أو حقوقية. ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان إذ يأسف لهذه الخسارة الفادحة، يتفهم تمامًا أسباب هذا القرار الاضطراري، ويعرب عن تضامنه الكامل مع الشبكة العربية ومؤسسيها وفريق العاملين فيها”.
وأضاف البيان “منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسًا عام ٢٠١٤، عانت المنظمات الحقوقية في مصر تحت وطأة حرب ضارية، كانت أخر محطاتها ذلك الإنذار الحكومي الملزم للكيانات الأهلية غير المسجلة بالتسجيل تحت مظلة قانون قمعي تعسفي(قانون العمل الأهلي رقم 149 لعام 2019) وإلا تعرضت للغلق، في موعد أقصاه ١١ يناير ٢٠٢٢”.
وتابع “ذلك القانون الذي وصفه خبراء مستقلين بالأمم المتحدة بأنه سيقضي فعلياً على أي مساحة من حرية تكوين الجمعيات، وسبق واوضح مركز القاهرة في تعليقه على لائحته التنفيذية أنه يشكل خرقًا لنص المادة 75 من الدستور المصري، ولالتزامات مصر الدولية بموجب معاهدات حقوق الإنسان. فمنذ تولي الرئيس السيسي الحكم، شهدت حركة حقوق الإنسان المصرية تناقص غير مسبوق في عدد منظماتها، وأعداد العاملين فيها، وذلك بسبب الضغوط والقمع المستمر لعملها”.
واستكمل “والشبكة العربية لن تكون الأخيرة بين المنظمات الحقوقية التي ستلجأ لتجميد نشاطها بدلاً من التسجيل تحت مظلة قانون يسعى بشكل ممنهج لاستئصال المجتمع المدني وتهميش دوره الإنساني والتنموي”.
وأردف المركز في بيانه “لقد تعرضت الشبكة ومؤسسها الحقوقي جمال عيد لضغوط أمنية وقضائية غير مسبوقة، بداية من تجميد أمواله ومنعه من السفر عام 2016 على ذمة التحقيق في القضية ١٧٣ لسنة ٢٠١١ والمعروفة بقضية “الانتقام من المنظمات الحقوقية”، مروراً بالاعتداء عليه بدنيًا وتهديد حياته أربع مرات في أقل من 3 أشهر”.
وأوضح البيان “ففي أكتوبر 2019 سُرقت سيارته، وفي الشهر نفسه تعرض لمحاولة اختطاف وتعدي بالضرب المبرح في أحد الشوارع المؤدية لمنزله، مما أدى لكسور وكدمات متفرقة في أضلعه. وقبل انقضاء الشهر نفسه اعترض طريقه مجهولون هشموا زجاج السيارة التي كان يستقلها عوضًا عن سيارته المسروقة. وفي ٢٩ ديسمبر من العام نفسه تعرض للضرب والطرح أرضًا أمام منزله من أفراد أمن كان يستقلون 3 سيارات، وأمرهم ضابط أمن وطني – يعرفه جمال – بإغراقه بالدهانات، في محاولة لإيذاء جلده بمستحضرات كيميائية والسخرية منه”.
واسترسل “كما تعرض عيد لحملات إعلامية وإلكترونية شرسة مُنظمة واسعة النطاق، تتهمه بـ الاستغلال السياسي لانتشار فيروس كورونا في الهجوم على السلطات المصرية، ونشر معلومات خاطئة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتصفه بالبلطجة والسعي للشهرة والتكسب المادي من عمله الحقوقي، فضلًا عن التشكيك في ذمته المالية. هذا بالإضافة إلى تهديدات إعلامية وإلكترونية صريحة ومتكررة بأن وزارة الداخلية تدرس اتخاذ إجراءات قانونية ضده بعد نشره معلومات – وصُفت بالكاذبة- حول أوضاع أماكن الاحتجاز في مصر، وتحريك بعض الأشخاص بلاغات ضده أمام النائب العام تتهمه بالانضمام لجماعة الإخوان المسلمين (المصنفة من الحكومة المصرية كجماعة إرهابية)، وهي التهمة المكررة التي اعتادت الأجهزة الأمنية والقضائية توجيهها لعدد هائل من الأطراف والشخصيات علمانية وإسلامية”.
واستكمل “ما تتعرض له الشبكة العربية لا ينفصل عن الهجمة الشرسة المتواصلة التي تشنها أجهزة الدولة بحق منظمات المجتمع المدني المستقلة العاملة في مجال حقوق الإنسان. فمؤخرًا صدر حكمين غيابيًين على الحقوقي بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالحبس 3 و 15 عامًا، وتم ضم المحامي الحقوقي محمد الباقر مؤسس مركز عدالة للحقوق والحريات- والمحبوس احتياطيًا- إلى قوائم الإرهاب في سبتمبر 2021، فضلاً عن إخفاء وتعذيب وحبس الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات إبراهيم عز الدين، وحبس كل من؛ الحقوقي إبراهيم متولي مؤسس رابطة أهالي المختفين قسريًا منذ سبتمبر 2017، والمحامي عزت غنيم مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، والحقوقية هدى عبدالمنعم، وتدوير بعضهم في قضايا جديدة. هذا بالإضافة إلى القبض على قيادات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ثم إخلاء سبيلهم بعد ضغوط خارجية، وصدور القرار بتجميد أموالهم. وذلك كله بالتوازي مع الحملة الإعلامية الممنهجة التي تقودها الأجهزة الأمنية ضد كل ما تنشره هذه المنظمات الحقوقية بشأن الانتهاكات الجسيمة الواقعة في البلاد”.
وأضاف البيان “مركز القاهرة يؤكد أن مساعي الدولة المصرية للقضاء على منظمات حقوق الإنسان المستقلة لا زالت مستمرة وتتخذ طرق مختلفة، حتى ولو تم إغلاق القضية 173 لسنة 2011، فالمشكلة لا تكمن في القوانين القمعية فقط، بل في غياب دولة القانون نفسها، وسيطرة الأجهزة الأمنية على كافة مؤسسات الدولة، بما في ذلك المؤسسة القضائية”.
واعتذرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في بيان لها اليوم عن الاستمرار في مهمتها، قائلة “إنه مع تزايد الاستهانة بسيادة القانون، وتنامي انتهاكات حقوق الإنسان، التي لم تستثن المؤسسات والمدافعين المستقلين عن حقوق الإنسان، وتزايد الملاحقات البوليسية سواء المغلفة بغطاء قانوني أو قضائي، أو ملاحقات مباشرة ، فهي تعلن توقفها عن علمها ونشاطها بدءا من اليوم.
ويأتي قرار الشبكة العربية بالتوقف – وفق ما جاء في بيانها – بعد محاولات عديدة ومضنية للاستمرار رغم الظروف الصعبة التي يعيشها المصريين، وحالة عدم الاستقرار السياسي الذي وظفته الحكومة للتضييق على المؤسسات الحقوقية المستقلة والتوسع في حالات القبض والحبس للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء السياسيين سواء كانوا منتمين لأحزاب أو مستقلين.
وقال جمال عيد مدير الشبكة العربية: ”نوقف عملنا ونشاطنا المؤسسي اليوم، لكننا نبقى محامين أصحاب ضمير كمدافعين حقوقيين افراد مستقلين، نعمل جنبا لجنب مع القلة الباقية من المؤسسات الحقوقية المستقلة والمدافعين المستقلين عن حقوق الانسان وكل حركة المطالبة بالديمقراطية”.
وأضاف: ”رغم قناعتنا بعدم عدالة قانون الجمعيات الجديد ، فقد بدأنا مشاورات التسجيل، لنفاجئ بصعوبة تصل لحد الاستحالة، حيث مازلنا متهمين في قضية المجتمع المدني رقم 173 منذ أحد عشر عاما مما يمنعنا من التسجيل أو التعامل مع الجهات الرسمية، فضلا عن الرسالة التي وصلتنا بضرورة تغيير اسم الشبكة العربية، وحظر العمل على حرية التعبير وأوضاع السجون! رغم انهما النشاط الاساسي للشبكة العربية منذ نشأتها، وبعد هذا التاريخ المشرف الذي نفخر به ، نرفض أن نتحول لمؤسسة تعمل على الموضوعات غير ذات أهمية، فلن نتحول إلى مؤسسة متواطئة”.
وتابع بيان الشبكة: “على الرغم من أن المضايقات والملاحقات والتهديدات طالت المؤسسات الحقوقية المستقلة، إلا أن استهداف الشبكة العربية كان من الشدة والعداء، سواء القبض على أعضاء من فريق العمل أو السرقة أو الاعتداءات البدنية العنيفة والاستدعاءات غير القانونية لمحاولات تجنيد بعض أعضاء فريق العمل كجواسيس على الشبكة العربية – على حد ما جاء في بيان الإغلاق-، لتزداد قائمة الانتهاكات والمضايقات التي للاسف لم تكتفي النيابة العامة بعدم توفير الحماية، بل ساهمت في التضييقات على الشبكة وفريقها – طبقا للبيان”.
ويأتي توقف الشبكة العربية عن النشاط اليوم، بعد نحو 18 عاما من العمل الدؤوب والمخلص لقيم حقوق الانسان وسيادة القانون وخوض معارك عديدة بدءا من عام 2004 وحتى الآن ، حيث مثلت هذه الاعوام الثمانية عشر – طبقا لبيان الشبكة – تاريخا لا يمكن محوه من الدفاع عن حرية التعبير ومئات الصحفيين وأصحاب الرأي في مصر والعالم العربي وحفظ جزء هام من تاريخ الحركة الحقوقية المصرية والعربية ونشرته في أرشيفها، واعداد مبادرات عديدة لاصلاح جهاز الشرطة وأجهزة الاعلام ودعم المدونين والصحفيين عبر اصدار مدونات كاتب وجريدة وصلة وكذلك موقع كاتب الذي تم حجبه بعد 9 ساعات من إطلاقه ” رابط كاتب” ضمن انشطة وانجازات تمثل جزء من النضال الحقوقي لخلق دولة المؤسسات والعدالة وسيادة القانون.
وأعلن جمال عيد فخره بما وصفه القلة من المؤسسات التي تحاول العمل رغم هذه الظروق قائلا ” في ظل ظروف ساهم في صعوبتها نشأة عدد هائل من المؤسسات الحقوقية الجنجوز التي تلمع صورة الحكومة وتخلق صورة زائفة عن أوضاع حقوق الانسان وتشارك في الانتهاكات والتشهير بالمؤسسات الحقوقية المستقلة على قلتها ، فيبقى التقدير والفخر بهذه القلة من المؤسسات المستقلة التي تحاول العمل رغم هذه الظروف ، فقد تنجح فيما عجزت الشبكة العربية عنه من الاستمرار والبقاء ، وكلنا أمل وثقة أن هذه المرحلة القاتمة من تاريخ مصر، المليئة بالانتهاكات وتغييب القانون ، سوف تنتهي ، وحتى هذا الوقت، فنحن كمحامين أفراد سوف ندعمها ونعمل بجانبها للدفاع عن حقوق الانسان وحرية التعبير وبناء مصر الخالية من سجناء الرأي والقهر والافلات من العقاب”.