مدحت الزاهد يكتب: مظاهرات الكمامات ومغامرة القطيع
كشفت الانتفاضة التي اجتاحت المدن الأمريكية عن ظواهر مهمة، تحتاج مزيدا من الدراسة
١- أنه خلافا لتوجهات فكرية ظهرت بعد كورونا مفادها أن كورونا وتداعياتها سوف تعزز القبضة التسلطية للحكومات نتيجة للبعد عن التجمعات أو ضرورات الاصطفاف فى مواجهة الوباء، فإن مظاهرات امريكا وهى من أكثر الدول التى ضربها الوباء أظهرت أن كورونا لم تمنع حركات الاحتجاج، وربما أدت للعكس وهى نتيجة تظهرها الحالة الأمريكية وحالات اخرى.ولكنها لا تصلح للتعيميم فى كل الاحوال ، فكل شىء يتوقف على السياق .
٢- وكورونا على العكس يمكن أن تحفز الحركات الاحتجاجية فالانتفاضة الأمريكية ليست مجرد انتفاضة ضد العنصرية وعنف الشرطة ، بل تنساب على خلفية اقتصادية واجتماعية وكتلتها تنتمى إلى قاعدة اجتماعية ضربتها كورونا بفقدان عشرات الملايين وظائفهم وانكشاف ضعف المنظومة الصحية مع توقعات بانضمام عشرين مليون أمريكى إلى جيش البطالة، حتى بعد كورونا.
٣- ولم تقوى كورونا قبضة ترامب ، بل اضعفتها كنتيجة لاستمراره فى غطرسة القوة فى ظروف أزمة محتدمة ، وتحداه علنا وزير الدفاع بعد حكام الولايات ورفض استخدام الجيش ونشر القوات ، وقال إن الوضع لا يستدعى تدخل الجيش وانما معالجات أخرى ، رغم عمق وعنفوان حركة الاحتجاج في كل الولايات وكل المدن ..
٤- وأظهرت كورونا شكل جديد للاحتجاج وهو مظاهرات الكمامات كما رأيناها فى أمريكا والبرازيل وهى أيضا من أكثر الدول التى ضربها الوباء وانتهجت سياسة مناعة القطيع ، وفى عدة دول اخرى . وكما تخاطر الحكومات ممثلة مصالح الشركات والبورصات بفتح المجال الاقتصادى، قبل زوال الخطر ، تخاطر القوى الاجتماعية المهمشة اصلا وبفعل الأزمة وتتظاهر وتختلط الجموع لأنها تواجه وباء العنصرية والفقر ووباء الفيروس فاختارت أن تموت واقفة وان تقلل بالكمامة مخاطر عدوى الجموع وعندها فإن مخاطرة القطيع افضل من مناعة القطيع.
٥- كما كشفت كورونا فقر المضمون الاجتماعى للديمقراطية الغربية فى عصر العولمة وهيمنة الليبرالية الجديدة وهى لم تثبت أن النظام السياسى الأمريكى والغربى استبدادى، بل أظهرت كيف تحكمت البورصات والاحتكارات فى النخب والأشكال التمثيلية فأصبحت تعكس أكثر من أى وقت مضى مصالح الاحتكارات ولم تنجح فى إدراك عناصر الضعف فى البناء السياسى والاجتماعى واقتراح نماذج جديدة تخفف من حدة الأزمة وتستجيب لدواعى الاستقرار السياسى والاجتماعى
٦- وهذه النتيجة ليست غريبة فى نظم تتقرر فيها أشكال الحكم من خلال عملية متحكم فيها يدور فيها الصراع بين نخب ضيقة ، والخلاف يدور فى نطاق أجندة الليبرالية الجديدة وصراعات الحصص واشكال السيطرة فيما تسمى ديمقراطية الخمس دقائق أو ديمقراطية التفوبض .. ولا يتعارض هذا التقدير مع ما تتيحه التعددية الغربية من فرص وما يتيحه توازن السلطات من مزايا ، كما لا تتعارض مع أهمية بعض خلافات النخب حول اشكال السيطرة فى فتح مساحات لمسارات أخرى أكثر رحابة وفرملة توجهات أكثر عدوانية فى مواجهة الأطراف الضعيفة. على نحو ما تثبت انتفاضة الشعب الامريكى
٧- وتثبت كل هذه التطورات حاجة البشرية إلى ديمقراطية جديدة هى ديمقراطية التمكين المرتكزة إلى التنظيمات القاعدية والمشاركة الواسعة المجتمعية فى عملية صنع السياسات، وهو ما يتوافق مع المعنى الحقيقى للديمقراطية (حكم الشعب) وهى بطبيعتها ديمقراطية اجتماعية تتوافق مع مصالح الاغلبية، كما أنها تعددية وتملك قدرات اكبر على تشكيل برلمانات وحكومات لا تخضع لهيمنة الاحتكارات والبورصات، وهى رهن بصراعات اجتماعية وسياسية ومسارات تصنع عولمة الشعوب المرتكزة على تضامن انصار العدالة ومبدأ الإنسان قبل الأرباح وهى تفاعلات حفزتها كورونا ولم تجهز عليها .. كما شاعت الظنون قبل الانتفاضة الأمريكية.