مدحت الزاهد يكتب: مسرحية الحرب.. مشابهة بين المناقشة الراهنة ومناقشة سابقة
ذكرتني المناقشة الراهنة بمقال كتبته فى مناسبة سابقة صاحبت عملية عين الاسد والتى استهدفت فيها إيران قاعدة عسكرية أمريكية فى العراق وتسربت فيها أيضا فكرة المسرحية
ورغم بعض التغيير فى السياق الا انها تظل صالحة لالقاء الضؤ على الترابط بين السياسى والعسكرى فى الحروب وبيان أن هناك رسائل يمكن أن تصاحب العمليات العسكرية لتحديد سقف العمليات وقد تتضمن نوع السلاح وتحديد الاهداف وكل هذا ساعود إليه فى مقال لاحق بالتركيز على الوعد الصادق ولنعد الان على طريقة الفلاش باك الى عين الاسد
– رؤية اولية لعملية عين الاسد
عملية عين الاسد كانت عملية محسوبة موزونة جعلت كفة المواجهة الراهنة تميل لصالح ايران وتعالج من خلالها نقاط ضعفها اعتمادا على حماقة ترامب ويمكن توضيح ذلك فى النقاط التالية :
١- بصرف النظر عما اذا كانت ايران ابلغت او سربت او اخفت الهجوم الصاروخى على قاعدة عين الاسد وعن حقيقة ما تعرضت له القاعدة والقوات الامريكية من خسارة فان العملية اظهرت ارادة وقدرة ايران على رد محسوب، بلوره تقدير استراتيجى بان عدم الرد معناه هزيمة شاملة تشبه الموت والرد الواسع المفتوح يفضى الى تدحرج الازمة فى اتجاه حرب ينتصر فيها ترامب ويفرض هو ايقاعه على ادارة الازمة.
٢- وفى كل الاحوال فان الهجوم الصاروخى الايرانى ضد ما يؤكد ترامب انها اقوى قوة فى العالم على مر التاريخ، حمل رسالة مكررة وان كانت الاقوى، انه يمكن تحدى امريكا وان ايران ليست ميدان رماية مفتوح للعسكرية الامريكية . وهذه الرسالة تخص امريكا ومن يدينون لها بالولاء.
٣- وقد راعت ايران من جانب اخر الا تدير الازمة بطريقة تتدحرج بها الى حرب واسعة شاملة تنطوى على تهديد لايران وتعمق استنزاف قواها وان يكون حشدها المعنوى والتعبوى واسعا وشاملا ، على منصات الخطابة وذلك بهدف اعادة التماسك لجبهتها الداخلية التى كانت تعانى مشاكل نتيجة الحصار الامريكى ومعالجة بعض مشاكل وجودها فى العراق ، بالاعتماد على حماقة ترامب،
على ان تكون العملية العسكرية نفسها محدودة.
٤- دعايات الحرس الثورى الايرانى وخطابات نصر الله ومراسم وداع مسلمانى كانت الاسلحة الاهم فى الحرب النفسية، يساندها جهوزية عسكرية شاملة ووضع الصواريخ على اهبة الاستعداد ، لبيان استعداها لمواجهة اوسع ان قررت امريكا توسيع المواجهة وتعميق الاشتباك
٥- ميدان المواجهة وطبيعة الرد كان واضحا وهو العراق الذى جرت على ارضه اغتيال قادة الحرس الثورى.. والعراق للاسف اصبحت ميدانا للمواجهة العسكرية الامريكية الايرانية وهى مواجهة تنتهك اطرافها سيادة العراق.
٦- زاد تحديد الميدان وضوحا الضربات الصاروخية فى محيط السفارة الامريكية، دون ان تصبها، فى اشارة الى ان العراق هو مسرح المواجهة وان القيادة الايرانية تطلب راس الوجود الامريكى فى العراق مقابل راس قيادات الحرس الثورى، ثم صدرت التصريحات بضرورة ابتعاد العراقيين عن مناطق الوجود الامريكى لمسافة ١٠٠٠ متر.
٧- زادت الاشارات وضوحا بكلمة السيد حسن نصر الله ان القواعد الامريكية ستكون هدفا للمواجهة، وانه لن يحدث استهداف للمدنيين، وهو خطاب تعبوى عام وكاشف للنوايا فى الاستعداد لتوسيع المواجهة، ولكنه لم يطرح لبنان كساحة لهذه المواجهة، فلا يوجد بها قواعد امريكية من جهة، ولن يتخذ من اراضيها مسرحا لمبادرات هجومية قد تؤدى لتفجير لبنان من الداخل ، فهو من ناحية تعبوى ومن ناحية اخرى تهديد مبطن لتل ابيب ان فكرت فى الدخول المكشوف على خطوط المواجهة.
٨- وكان طبيعيا ان تخطر ايران العراق الذى يستهدف الهجوم قاعدة على اراضيه، وطبيعيا ان تتوقع طهران ان تقوم بغداد بتحذير واشنطون، بل ان جواد ظريف وزير الخارجية الايرانى اعلن ان طهران اخطرت واشنطون فور بدء الهجوم .
٩- كل هذا يحسب لايران وليس عليها فالادارة المحسوبة للصراع والاستخدام الرشيد للقوى فى صالحها ، وهى على الاقل اعادت اللعبة الى قواعدها السابقة ، وعالجت بعض نقاط ضعفها، وقد يفتح هذا الباب لتوتير اخر مع العودة للاشكال السابقة للمواجهة وقد يفتح الباب للتفاوض وكل هذا رهن بما يجرى على الساحة الاخرى فى واشنطون، ولكن ايران كسبت الان على الاقل بعض النقاط.. والادارة الامريكية ساعدتها على الوصول لهذه النتيجة.