مدحت الزاهد يكتب: بسمة غائبة فى تهانى العيد
……
أقبل العيد حزينا على بيوت كثيرة كانت تترقب إخلاء سبيل أبناء وبنات غربتهم السجون وطالت بهم الغربة شهورا وشهور ، باتهام ظالم بمشاركة جماعة إرهابية أهدافها ونشر اخبار كاذبة وما قالوا الا صدقا. وهم ولم يكونوا يوما فى موقع غير صدارة الصف الاول للوطنية ومواجهة التسلط والإرهاب..
والبيوت التى فارقتها الابتسامة واقبل العيد عليها حزينا هى بيوت المعارضة السياسية واصحاب الرأى الآخر والمتهمين بالمشاركة فى ثورة مجدها الدستور .. وتشمل هذه البيوت محيطا واسعا متعاطفا مع صرخات الأهالى الحزينة أو حزنهم المكتوم.
كثيرا ما تلقيت اتصالات من اهالينا تعتب علينا أننا لا نقوم بالواجب فى التفاوض أو تكليف محامين أكفاء ومتابعة القضايا والإعلام عنها ولأنى لم أكن ميالا لتهدئة الخواطر بالوهم والتبشير بأمور لا املك قرارها، كنت أوضح أننا لسنا أمام قضية قانونية ، يتعلق الأمر فيها بقوة المرافعات وسلامة البيان القانونى ومهارة هيئة الدفاع، بل قضية سياسية يتعلق الأمر فيها بحسابات وقرارات سياسية، لا علاقة لها بالقانون، ويتم فيها تفصيل التهم تبعا لضرورات الاعتقال المقنع .. والإجراءات الاحترازية وسيلة ترويع حتى شاع للاسف تعبيرا ، لم اتمنى أن اسمعه (الحكم بعد المكالمة) بدلا من (الحكم بعد المداولة)
والحقيقة عندى كما اوضحتها لاهالينا أن هيئة الدفاع لعبت وتلعب ادورا بطولية وان المحامين بذلوا تطوعا جهودا مضنية لممارسة مهنة طال اشتياقهم إليها ، خصوصا فى القضايا السياسية .. وان منهم كفاءات نادرة حققت انجازا، كلما واتتها الفرصة ، لكن المشكلة تبقى مرتبطة بالسياسة وليس القانون .. بل كنت اضيف أنه لو ترأس هيئة الدفاع رئيس محكمة العدل الدولية أو مساعد وزير الداخلية أو العدل، ما اختلفت النتائج وأننا نبذل ما نستطيع فى الإعلام فى الفتات الذى تركوه لنا بعد اعتبار أجهزة الإعلام المملوكة للدولة لسان حال حصرى للحكومة والمولاة وضاعف من وطأتها مصادرة المواقع المستقلة على محدودية إمكانياتها وانتشارها.
وإن القضية فى جوهرها تعود إلى قراءة مغلوطة لثورة يناير تتوهم أنها تسربت من ثقوب فى الجدار الأمنى وليس تصدعات فى منظومة العدالة وتوجهات للتمييز والتهميش والتضييق صاحبتها مشاريع التوريث وشيوع الفساد .. وكنت اضيف أننى اعترفت فى رسائل للنائب العام وخطابات مفتوحة أننى شاركت هولاء السجناء جريمتهم وشاركتهم فى مشاورات بناء تحالف الامل ، مثلما شاركت زملائى فى حزب التحالف الشعبى الاشتراكى جريمتهم فى المعارضة السلمية الموضوعية لسياسات ترفضها والبدائل التى طرحناها وخاطبنا بها الرأى العام ، وارسلناها لمؤسسات الدولة، بما فى ذلك رئاسة الجمهورية..
واكثر من هذا أوضحت أن المشكلة التى تواجهنا معادلة أمنية هى أن المعارضة = صفر وان الأمن يتحقق بقطع الطريق على اى شى مستقل يملك فرصة النمو والحياة..
ومن أتانى بالاتهام والشكوى كان يستمع وربما يقتنع لكن هذا لم يمنع من خفقان القلوب منذ أن شاعت انباء انفراجة ، فكل هذه الأسر ومحيطها كانت تتوق إلى أن تأخذ أبنائها فى أحضانها ونتبادل معها جوه البيوت تهانى العيد.
وداعب الامل نفوسا بفرحة قادمة مع العيد ، حتى وإن ظل مكتوما، خشية الإحباط وما بولده من مرارة.
كان الظن أن التحدى الذى تواجهه مصر فى شريان حياتها وسر وجودها يستوجب طبطة الجراح وتهدئة الخواطر لمواجهة تحدى الوجود، وقد فعلتها كل الأنظمة السابقة فى لحظات الخطر .
وكان الظن أن الإفراج عن سجناء الراى، ضرورة وطنية مصرية لا لمواجهة تحديات السد فقط ، بل كضرورة للتنمية ، وأن جهود الدولة لكسب التأييد الشعبى والدولى فى العديد من الملفات اصبحت مثقلة كثيرا بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان.
وكان ظن بعضهم أن الوباء ينتشر والسجون أكثر المناطق ازدحاما وان المحبوسين احتياطيا لم تصدر ضدهم أحكام قضائية ، وان الخطر قد زال، فتعديلات الدستور مرت وقبلها الانتخابات الرئاسية وقبلها سعودة الجزر المصرية تيران وصنافير وهى الملفات التى اثارت أزمة بين الحكومة والمعارضة وان تصريحات المسئولين أنفسهم أن خطر الإرهاب قد تراجع واستقر الأمن وهى كلها أمور تدفع إلى إجراءات لأزمة لتخفيف الاحتقان.
استدعت البيوت الحزينة كل هذه الخواطر واعتبرتها كافية الانفراجة المغدورة وخفقت قلوبها فى انتظار خبر سعيد ، لكن ليالى رمضان الذى اتهمته أسر بالتخلى عن كرمه، ، وصدحت ام كلثوم باغتيتها الشهيرة يا ليلة العيد فرحنا بك وغنت صفاء ابو السعود اهلا اهلا بالعيد، لكن بيوتنا لم تغنى معهم ، ولم تشاركهم الفرحة وغابت عنها الابتسامة وخيم عليها الحزن ، وتواصل مسلسل مقعد شاغر على موائد الإفطار، بدمعة مكتومة صباحية العيد.