مدحت الزاهد يكتب: الأهلي ولعنة كأس العالم

المشكلة ليست في غياب الخطيب أو خطة كولر أو تراخي اللاعبين!
قرار “الفيفا” بحرية انتقال اللاعبين غير المقيدين أشعل الطابع التجاري للبطولة، وانتهك مبدأ اللعب النظيف، وأقلق مضاجع كل لاعب في الفريق.
لكل من له عينان تريان، سيلمح تراجع مستوى الأهلي.
هل المسؤول طريقة كولر وتشكيلاته؟ أم تأخر الصفقات؟ أم تعيين رمضان وشوقي، وتراجع حضور الخطيب، وإبعاد سيد عبد الحفيظ؟
هذه الأسئلة تتردد كثيرًا هذه الأيام. فكلما اقتربنا من شهر يونيو، موعد انطلاق بطولة كأس العالم للأندية، شعرنا أن فريق الأهلي يفقد مزاياه وتتكاثر مشاكله.
وبشكل ملحوظ، تراجعت قدرات فريق الأهلي على امتداد الأشهر الماضية، واهتز مستواه، وبدأ يفقد أهم ميزة كان يتمتع بها، وهي روح “الفانلة الحمراء”، ووحدة وتماسك الفريق، وهدوء غرفة الملابس.


فماذا حدث؟ مع الإقرار بوجود أخطاء في توجهات وقرارات معينة، فإن هذا ليس جوهر الأزمة. فكولر هو كولر، واللاعبون هم أنفسهم، وقد انضمت إليهم صفقات جديدة مميزة مثل وسام وبن شرقي وجيرالدو وعطية الله ودياني والعش.
ومن حيث الجوهر، تعود الأزمة إلى خطأ كبير تقترفه الإدارة في الاستعداد لكأس العالم للأندية، وهو المسؤول الأول عن اهتزاز الفريق وغياب الروح، وشعور كل لاعب بأنه أصبح في مهب الريح.
ويرتبط خطأ الإدارة بقرار “الفيفا” بشأن إجراءات تنظيم قيد اللاعبين في البطولة العالمية، وإتاحة حرية الانتقال الحر للاعبين عمومًا للأندية المشاركة في البطولة. وهذا يعني أنك بأموالك تستطيع أن تصنع فريقًا يضم ميسي ورونالدو وصلاح، بصرف النظر عن لاعبي الفريق الذين صنعوا هذا الإنجاز وانتزعوا حق التمثيل.


وهذا ما يعد انتهاكًا لمبدأ اللعب النظيف “Fair Play”، إذ يستطيع أي فريق أن يتعاقد مع من يشاء من اللاعبين، وأن يكون فريقًا جديدًا غير الذي صنع مجده وقاده إلى نهائيات البطولة.
وقرار “الفيفا” يعظم سلطة رأس المال على الكرة، ويعزز الطابع التجاري للرياضة عمومًا، ويحول الكرة إلى سلعة، ويولد شعورًا لدى اللاعبين بمظلومية حقيقية لمن صنعوا مجد الفريق. حتى إنه في الفترة الأخيرة، لم يعلو صوت على صوت الحديث عن الصفقات. ومع كل حديث عن الصفقات، يتحسس لاعبو الفريق الأصلي رؤوسهم وأقدامهم، ويراودهم السؤال: ماذا يجنون بعد كل ما قدموه؟ وهل تقوم الإدارة بتسويق لاعبين آخرين، واكتسابهم الشهرة، بينما يتراجع لاعبو الفريق الأصلي إلى دكة البدلاء، أو حتى تُخلى القائمة منهم لصالح الغرباء الوافدين مؤقتًا إلى صفوف الفريق؟ أو بعبارة أخرى، لصالح “الفريق التجاري”؟
وكل يوم يتردد اسم جديد، حتى شملت القائمة الشيبي المتنازع مع حسين الشحات في المحاكم، بعد أسماء أخرى مثل إبراهيم عادل وتريزيجيه ومصطفى محمد. وبصورة أكثر فجاجة، يكون السؤال: هل يؤجر الأهلي فريقًا يخوض به البطولة ليسوق نفسه والوافدين الجدد؟
وفي الحقيقة، كل اسم جديد يتردد كـ”صفقة القرن” يهز استقرار الفريق، ليصبح الموسم الحالي للتجديد هو أصعب المواسم للأهلي، لأن الشك يخيم عليه، أو انطباع بأن النادي يبحث عن مصلحته بصرف النظر عن الفريق الذي صنع هذا الطريق. فلماذا لا نبحث نحن أيضًا عن مصلحتنا؟
قد يكون إعلام الإثارة الأصفر قد بالغ في حكاية الصفقات، لكن بعضها مؤكد، وجاهر به مسؤولون أو نُسب إليهم دون نفي منهم.
وفي كل الأحوال، كان من الضروري أن تؤكد الإدارة أن الأولوية للفريق الذي خاض المواجهات المؤهلة للبطولة، ولا مشكلة في أن يشمل لاعبين ساهموا في تحقيق الإنجاز وانتقلوا حديثًا إلى أندية أخرى، مثل عبد المنعم وديانج وحمدي فتحي، فهؤلاء ليسوا غرباء، وساهموا بشكل أو بآخر في تحقيق الإنجاز. ولكن، مع كل التقدير لتريزيجيه ومصطفى محمد والشيبي وإبراهيم عادل، وحتى محمد صلاح ومرموش، فإن شمولهم في قائمة نادٍ -وليس منتخب وطني- يضر بمبدأ العدالة والتنافس النزيه، ويعمق الميول لتحويل الرياضة والأندية واللاعبين إلى سلعة، ويخضعها لمبدأ التجارة، وهو ليس أصل الرياضة!


ويمكن أن يقال أيضًا إنه لا غبار على الأندية من أن تعالج نواقصها أو تعظم قوتها وتكون في أزهى صورة في بطولة عالمية كبرى. ولكن، هل الأفضل للأهلي، الذي يرتكز عليه هذا الحديث، أن يكون في مركز متقدم بفريق مؤجر ووافد عابر، أم أن يكون في مركز أقل بفريقه الأصلي من الناحية الأساسية؟ وهل تملك إدارته أن تحث اللاعبين على مبدأ الولاء وروح الانتماء، وهم لا يسمعون إلا حديث الصفقات، ويراود كل منهم المخاوف على مكانه ومكانته؟
طبعًا، يمكن أن يقال إن الرياضة يحكمها مبدأ الاحتراف، وهي بالتالي تخضع لمعايير أخرى خاصة بشؤون التسويق. ومبدأ الاحتراف بطبيعته مبدأ تجاري ينحاز لتمكين الأقوى، ولا تتماشى معه الأندية الشعبية، بل على الأغلب يجري تهميشها، وقد تختفي لصالح أندية الشركات والأندية التي يتمكن منها المستثمرون والرعاة، مثل بيراميدز وزد وسيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي وغيرها. والصراع، في جانب منه، هو صراع بين نظام الهواة والاحتراف.
وكان نظام الهواة يقيد انتقال اللاعبين لعدد من السنين ما لم يتفق الطرفان، ولكنهم في الاحتراف اخترعوا مواسم انتقال في السنة الواحدة، ليكون هناك انتقال صيفي وآخر شتوي، وهو نظام يفيد الأقوياء، وهم الأقدر على معالجة نقاط الضعف المكتشفة بعد بدء الموسم بشراء عناصر من الفرق الأخرى لسد نقص صفوفهم على حساب الضعفاء. وزاد قرار “الفيفا” بحرية الانتقال للأندية المشاركة، حتى لو لم يكونوا مقيدين بها، الطين بلة في تعميق سطوة رأس المال ونفوذ الرعاة وإهدار العدالة، بقدر ما يسمح للفرق المشاركة بارتداء قناع آخر وتأجير فرقة مصطنعة.
مفهوم أن الاحتراف استقر، لكن أي تدخل رشيد في ظل الاحتراف ينبغي أن يتجه لحماية حقوق الضعفاء بوسائل متنوعة، منها تخصيص نسبة كبيرة من حصص الاتحادات من عقود اللاعبين والإعلانات ومواردها عمومًا لصالح دعم الأندية الجماهيرية الشعبية محدودة الموارد، وتقييد مواسم الانتقالات، ودعم صناديق رعاية اللاعبين، وغيرها من الأشكال.
وعودة إلى أصل المشكلة، فإن إدارة الأهلي مطالبة، قبل كل شيء، برسالة طمأنة للاعبين، وضبط منظومة إعلامها بعيدًا عن حديث الصفقات الطاغي، وضبط جهازها الفني إن كان يبالغ في طلباته، وتوضيح أن الأهلي لا يسعى للبطولة بقدر ما يسعى لتمثيل قوي ومشرف مفعم بروح الانتماء للاعبين الذين ساهموا في تحقيق الإنجاز. وأنه، بدون النجوم العالميين، ومعتمدًا على أبنائه الذين حققوا له شرف الصعود، يكون أقرب إلى مبادئ اللعب النظيف وهدف الرياضة وروح الفريق، وأن هذا أفضل كثيرًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *