محمود هاشم يكتب: من خالد سعيد لجورج فلويد.. نريد أن نتنفس
لم يكن السادس من يونيو 2010 في مصر، كغيره من الأيام، شاب نحيف يبدو أصغر من عمره الثامن والعشرين، يتعرض للضرب حتى الموت في مقهى إنترنت على يد أفراد شرطة في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، وسرعان ما يشعل مقتله موجة غضب عارمة، صنعت منه أيقونة لثورة لم تنطفيء حتى هزت الكراسي من تحت أقدام النظام بأكمله، فأوقعت برأسه، قبل أن تنتهي إلى ما انتهت إليه.
في 25 مايو، لكن بعد 10 سنوات من هذا التاريخ، استعاد العالم مشهد خالد سعيد، مع حادثة مشابهة بعد مقتل المواطن الأمريكي ذي الأصول الإفريقية جورج فلويد على يد قوات الشرطة في مينيابوليس، يضغط أحدهم بركبته على عنقه بينما يبدأ فلويد بالصراخ “لا أستطيع التنفس”.
سنوات مرت على مقتل “شهيد الطواريء”، لتضيء صورته ساحات الاحتجاج من أقصاها إلى أقصاها، حتى تكاد تتشابه تفاصيلها إلى حد التطابق، قتل وحشي على أيدي الشرطة، وغضب عارم واحتجاجات واسعة، مواجهات في الشوارع، غازات مسيلة لتفريق الحشود، واتهامات معلَّبة بـ”التخريب” و”العمالة” على ألسنة رأس النظام الشمولي ومؤيديه.
وعلى الرغم من وقائع مماثلة لعنف الشرطة الأمريكية ضد المواطنين من أصل أفريقي، وانتهائه بمقتلهم على غرار إريك جارنر، ومايكل براون وبريانا تايلور، بقي فلويد أيقونة الاحتجاجات الأمريكية، حاله كحال خالد سعيد في مصر، والبوعزيزي في تونس، وحمزة الخطيب في سوريا، ومحسن فكري في الريف المغربي.
قد لا تصح المقارنة بين ملابسات مقتل سعيد في ظل قانون الطواريء وخنق فلويد حتى الموت تحت قانون مدني، لكن ميادين الاحتجاج وإن بدا اختلافها، تتطابق في مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كما تكشف جميعها عن واقع أوضاع اجتماعية واقتصادية مؤلمة خلفها التهميش والقمع والتمييز، وسيطرة النخب على مفاصل الدولة ومواردها، فضلا عن تداعيات الفساد نتيجة تزاوج رأس المال والسلطة.
التغيير الذي تشهده الولايات المتحدة نتيجة الاحتجاجات لم يرتفع سقفه إلى حد مثيلتها في مصر بالمطالبة بسقوط رأس النظام، واقتصر على تأكيد حقوق الأقليات ومواجهة العنصرية “Black lives matter”، لكنه قد يعيد فتح شهية الحشود في ميادين الاحتجاج لدعم المطالب المدنية والديمقراطية، والمشاركة الفاعلة في صنع السياسات وبلورتها لخدمة أبناء الشعوب قبل حكامهم.
لم يحصل سعيد وأسرته على حقه كاملا بعد سنوات من الواقعة ولا تزال محاولات تشويهه مستمرة، وربما يحظ فلويد بمصير افضل رغم نكران ترامب، لكنهما وغيرهما أيقونات الاحتجاج فتحت أعين العالم نحو أحلام بعالم لا يموت البسطاء فيه يوما جوعا أو مرضا أو تعذيبا أو اختناقا تحت الأرجل.