محمود هاشم يكتب: لماذا يتحمل المواطن فاتورة الحكومة؟.. كورونا نموذجا
أستيقظ صباحا في طريقي للعمل، متحسسا الخطر في كل خطوة، أتكدس ضمن آلاف المواطنين داخل عربات المترو، ولا حديث بين الجميع إلا عن كورونا، تحليلات شعبية للمعدل اليومي للحالات، وتكهنات بـ”مؤامرة دولية” وعلاجات محتملة، أخرج إلى الشارع ومنه للعمل، أعود مسرعا لشراء احتياجاتي قبل انتهاء ساعات الحظر، وبين كل هذا الزحام يشرد عقلي متفكرا في سبل النجاة من هذا العدو غير المرئي.
بعد ما يقارب شهرين على ظهور الفيروس في مصر، يستطيع أي مواطن رصد التحول في الخطاب الرسمي لمسئولي الدولة بشأن وضع الفيروس داخل البلاد، ومحاولات مواجهته، وصولا لمرحلة التعايش مع وجوده، لنجد في البداية إنكارا وطمأنة من غياب الخطر، يتبعه إعلان بوجود ضحايا ومصابين ومخالطين، ثم استنفار وعزل وحجر صحي، انتهاء بإجراءات حظر مشددة للتقليل من حدة الخطر.
وبينما كانت تقارير أجنبية تتحدث عن حالات أكثر من المعلن داخل مصر، كان مواطنون يميلون إلى تصديق الرواية الرسمية، خاصة مع أحاديث المسئولين عن دور وعي المواطن والتزامه في تحجيم انتشار الفيروس، لكن هذه الثقة اهتزت قليلا مع عدول الحكومة بعد أسابيع عن الإجراءات الاحترازية، لتبدأ حملات رجال أعمال داعية لإعادة العمال للمصانع والشركات بصرف النظر عما ينتظرهم من مخاطر واحتمالات إصابة، فتستجيب الحكومة لمطالبهم، مع اشتراط توفير أدوات حماية، ثم تعلن تقليل مدة حظر التجوال لتصل إلى 9 ساعات فقط يوميا، معظمها في غير ساعات العمل، قبل أن تعيد تحميل المسئولية للمواطنين، مع تزايد عدد الحالات بشكل متسارع.
في النصف الأول من أبريل الماضي، خرج المتحدث باسم مجلس الوزراء المستشار نادر سعد، في تصريح تليفزيوني، مشيدا بوعي المواطنين بخطورة فيروس كورونا خاصة في القرى والنجوع، وتعاملهم معه بكل جدية ومسؤولية في تطبيق الإجراءات الوقائية والاحترازية حال ظهور إصابات.
لم يمر شهر حتى عدل المتحدث باسم مجلس الوزراء عن تصريحه، الأربعاء الماضي، متهما المواطنين أنفسهم بالتساهل مع الإجراءات والتزاحم، والمسئولية – وحدهم – عن ازدياد أعداد المصابين، مبديا تخوفه مما وصفها بسلوكيات المواطن العادي في الشارع، في الوقت الذي ينفي فيه أي مسئولية على الحكومة أو مواقع الإنتاج بدعوى التزامها بتطبيق الإجراءات.
لا يبدو أن تصريح سعد رأيا شخصيا بقدر ما يظهر أنه توجه ممنهج لغسل يد الحكومة من الأزمة، خاصة عندما نضمه إلى تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نفسه، الذي حمل “المواطن المصري” المسئولية عن سلامته وصحته وأسرته، قائلا إن الأمر ليس مرتبطا بساعات الحظر بقدر ما هو مرتبط بسلوكيات المواطنين، التي وصفها بـ”المشكلة الحقيقية”، مستدلا بـ4 آلاف محضر مخالفة إجراءات الحظر، في بلد يعيش فيه 100 مليون شخص، لكن هل تكمن المشكلة فعلا في المواطنين وحدهم؟
هل المواطن هو من منع الحكومة من إجراء فحوصات شاملة للكشف عن حجم انتشار الفيروس وتحجيمه؟ وهل هو من قرر استمرار رحلات الطيران في الوقت الذي أغلق العالم حدوده لحماية نفسه من الخطر؟ وهل كان هذا المواطن سببا في عدم تفعيل موازنة الصحة المقررة قانونا؟ وماد مدى مسئوليته عن نقص المعدات والخدمات الطبية، وتدهور الأبنية الصحية، وتضاؤل وسائل حماية أطقم الأطباء والتمريض، مما أوقع العشرات منهم ومن أسرهم ضحايا للفيروس بين مصاب وشهيد؟
يتحدث المسئولون من الباب الواسع عن رفاهية العزل المنزلي والبقاء في البيت، والميزانية اليومية لأدوات التطهير والتعقيم، بينما في الوقت نفسه لا يكادون يصبرون أسابيع قليلة لمطالبتهم بالخروج للعمل “إنقاذا للاقتصاد ومصالح رجال الأعمال”، ويعلنون عودة السياحة الداخلية توفيرا لمصادر دخل العاملين بها ظاهريا، وإنقاذا لرأسمال أصحاب المنتجعات بالضرورة.
بحسب تصريحات الحكومة نفسها قبل أسابيع، استجاب المواطنون للإجراءات المطلوبة لمنع انتشار فيروس كورونا، لم يخرج كثيرون من منازلهم بعد عودتهم من العمل اختيارا تارة، ولعدم وجود أماكن للخروج بسبب إجراءات الحظر تارة أخرى، إلا أنهم في الوقت ذاته لا يملكون رفاهية منع أنفسهم من التكدس في طوابير الخبز والوقود وعربات القطار والمترو، بينما يسيرون في طرق البحث عن قوت يومهم.
لا أدرى لماذا استدعت هذه التصريحات إلى ذهني، مشاهد إلقاء المسئولية على المواطنين في كل أزمة تمر بها البلاد، تفشل الحكومة في إدارة أزمة سد النهضة، فيحمل الرئيس المسئولية لخروج المصريين في ثورة 25 يناير، تتدهور الأوضاع الاقتصادية فيتحمل المواطن مسئولية إصلاحها من جيبه بضرائب جديدة وفواتير مرتفعة وإجراءات تعويم ضاعفت أسعار كل سلعة وزادت معاناته بدعوى أن “المصريين معاهم فلوس ويقدروا يتحملوا”.
لم تكن هناك حاجة للمسئولين للخروج بمثل هذا الحديث، في التوقيت الحالي الذي يتطلب احتواء المواطنين وتخفيف قلقهم، بل والاعتذار لهم عن أخطاء لا يتحملون الجزء الأكبر منها، علينا إدراك أننا جميعا – ربما للمرة الأولى – نسير في مركب واحد ننشد بر نجاة ربما يطول طريق الوصول إليه، بما يتطلب مزيدا من الشعور بالمسئولية لا التنصل منها.
well