محمد عيسى يكتب : «أنت فين يا عم بلال؟!»
ولأني من مجتمع مُغلق وأفراده منكفئون على أنفسهم، لم تُتح ليّ الفرصة للتواجد في أي معرض للكتاب أو المرور على أكشاك كتب كتلك الأكشاك الموجودة في شارع النبي دانيال أو سور الأزبكية قبل دخولي جامعة الأسكندرية في صيف 2015، وإذا سألتني عن العلاقة بين المجتمع المُغلق ومعارض وأكشاك الكتب، سأقول لك إن هذا ليس موضوعنا، ولكن كل ما في الأمر، أني أود أن أروي لك الحكاية من بدايتها.
المهم أن في السنوات التي كانت كتب عمنا بلال فضل فيها مُتاحة في معارض وأكشاك الكتب وكانت أكثر من «الهم على القلب»، لم تتأتَ ليّ الفرصة حتى أبتاعها، بل للأمانة أعتقد أن حتى لو الفرصة قد جاءت ليّ حينذاك لما كنت أشتريتها أيضًا، لسبب بسيط أني لم أكن أعرف في هذا السن المبكر كاتب سأقع في غرام أسلوبه فيما بعد اسمه بلال فضل، على الرغم من اسمه الذي كان يتردد أمامي من حين إلى آخر بإعتباره شخصية عامة، ومن الأفلام التي عرفت لاحقًا أنها من تأليفه، وكانت أحب الأفلام إلى قلبي أثناء فترة طفولتي.
لذلك لم أتعرف على عم بلال من خلال كتبه إلا وأنا في بداية المرحلة الجامعية عن طريق صديق ليّ نصحني بأن أقرأ له، وحين استجبت إلى نصيحته، واستهللت قراءة أعماله بقراءة مجموعتين قصصيتين له اسمهما «بني بجم» و«الشيخ العيل»، استمتعت كثيرًا بقراءة قصصه، خصوصًا بقصة (أصابع «الحُزن الخَفيّ»)، التي أضحكتني حد البكاء، بل إني من فرط استمتاعي بقراءتها آنذاك ظللت أقرأها يوميًا لمدة أسبوع، وكنت في كل مرة أضحك كأنني أقرأها للمرة الأولى.
كانت هاتان المجموعتان القصصيتان هما بداية عهدي مع كتبه، التي اشتريت منها كل ما استطعت إليه سبيلًا، بداية من كتاب «التغريبة البلالية» الذي اشتريته من معرض كتاب 2018 مرورًا بـ«أوسكار الموالسة» و«في أوروبا والدول المتخلفة» و«ست الحاجة مصر» و«حتى مطلع الفجر»، وقبل أن تتهمني بالبلاهة وتقول ليّ: «هم دول بس الكتب اللي قريتهم لبلال فضل اللي ما شاء الله إنتاجه كتير»، لابد أن تعرف أن هذه الكتب هي التي تمكنت من شراؤها كنسخ ورقية، ولكن ليست كل الكتب التي قرأتها له لأني قرأت كل الكتب المُتاحة له بتقنية «pdf».
وعند الحديث عن الكتب «pdf» يهمني أن تعرف أيضًا أني حينما أبحث عن النسخ الورقية لكتب كاتب فهذا يعني أنه من كُتابي المُفضلين، لأني خلال السنوات الأخيرة أصبحت أقرأها بكثرة، وذلك بعد أن وضعني صديقي الأكثر «كحرتة» مني على أول طريق الانحراف حين نصحني بأن أقرأ الكتب التي أثمانها غالية والكتب الغير الرائجة لأن كاتبها من الكُتاب المغضوب عليهم بواسطة هذه التقنية، والحق يقال إن قراءة الكتب المسروقة بالنسبة ليّ كانت لها لذة غير عادية، واللذة هنا تكمن إما في«تطليع لسانك» للكُتاب الذين يؤثرون جنيّ الأموال على قراءة أعمالهم ولدور النشر معًا حين تنتهي من قراءة كتاب لم تستطع شراؤه لضيق ذات اليد، أو في «تطليع لسانك» للأجهزة الأمنية التي حالت تدابيرها دون أن تصل إلى كتاب تشتهيه عندما يكون مؤلفه من الكُتاب الغير مُرحب بهم.
المهم أن بإعتبار الأستاذ بلال أحد كُتابي المفضلين، سعيت جاهدًا لكي أشتري أي كتاب مُتاح له ورقيًا، فدأبت على البحث والسؤال عن كتبه في أكشاك شارع النبي دانيال ودار المعارف وغيرها من الأماكن التي لم أحفظ أسماءها بعد، وفي كل مرة كانت الأجابة عليّ واحدة «كتب بلال فضل ناقصة»، والوضع هذا استمر لمدة سنتين حتى وجدت عامل في دار المعارف يهمس في أذني بعد أن ضاق برؤية «خلقتي» ومن سؤالي المتكرر عن كتبه ذرعًا يقول ليّ «متسألش عن كتب بلال فضل كتير لأنه مغضوب عليه».
كانت عبارته التحذيرية هذه بمثابة الضوء الأخضر ليّ لقراءة كتب عم بلال المُقرصنة بضمير مرتاح، فقرأت له «السكان الأصليين لمصر» و«قلمين» و«أليس الصبح بقريب؟» و«ما فعله العيان بالميت» و«ضحك مجروج» و«جمهورية العبث» و«فتح بطن التاريخ» و«في أحضان الكتب» وحين انتهيت من قراءة كل الكتب المسروقة له رجعت إلى عادتي القديمة مرة أخرى في السؤال عن كتبه الورقية في كل وقت وحين لأصطدم بذات الإجابة المُحبطة «كتب بلال فضل ناقصة»، ليبلغ بيّ اليأس أقصاه، وتوسوس ليّ نفسي بأن أستأجر عربية نصف نقل وأعلق عليها مكبر صوت لكي أجوب شوارع الأسكندرية وأنا أهتف «أنت فين يا عم بلال».