محمد حليم يكتب: أكتوبر 73.. أكتوبر 23.. ما الفارق؟
طابور خامس
طيلة الوقت يوجد هؤلاء الخونة الذين يعملون على إضعاف وتفتيت الجبهة الداخلية أثناء المعارك الكبرى في حياة الشعوب، فلا عجب أن نسمع ضجيج وعويل هؤلاء المرتزقة عند كل حادث يصيب المقاومة أوعند كل انتصار تحققه، فوظيفتهم التشكيك في مشروع المقاومة والدعاية لمشاريع التفريط والخيانة، تارة باسم السلام والحفاظ على الأرواح وتارة آخرى باسم التفوق الكاسح لأسيادهم في معسكر الاستعمار الصهيوأمريكي، وواجب كل مناضل وكل مثقف يؤمن بحق الشعب الفلسطيني الجسور في تحرير أرضه ويعي مخاطر ووظيفة الكيان الصهيوني بالمنطقة أن يفضح تلك الجوقة الفاسدة التي تتلثم تحت أقنعة العقل والتنوير، وحاشى لله أن يعني التنوير أو يقضي التعقل بالتسليم لمشاريع الاستعمار بالمنطقة وغض الطرف عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين.
ومن ضمن الحجج الواهية التي يستخدمها هؤلاء المرتزقة لتسويق دعاياتهم الانسحاقية مقارنة حرب اكتوبر 1973 المجيدة بحرب 7 اكتوبر 2023، على النحو الذي يخدم أجندتهم الانبطاحية العميلة للعدو، في هذا المقال سأحاول الإجابة بشكل موضوعي وعلمي مستند إلى الحقائق التاريخية عن ما الفرق بين اكتوبر 73 واكتوبر 23؟
صوت الخيانة الواحد
قبل الاجابة عن السؤال الأساسي للمقال، أشيرإلى أن منطق هؤلاء الخونة بتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، ليس بالمنطق الجديد على أمثال هؤلاء في كل وقت وزمان، فذات المنطق قد ساد في أعقاب سقوط الثورة العرابية العظيمة بعد الهزيمة العسكرية بمعركة التل الكبير في 1882 والتي انتهت بالإحتلال البريطاني لمصر، حيث حمل الخونة عرابي والثوار مسؤولية ما حدث، متناسين خيانة الخديوي توفيق وقيادة الجيش لعرابي ومن معه من الثوار على النحو الذي أدى إلى انتهاء معركة التل الكبير حتى قبل أن تبدأ، بداية من إرشاد جيش الاحتلال إلى مواقع الجيش المصري وانتهاءا بتسليم الخطط العسكرية بل وخطف رئيس أركان الجيش الثوري المصري محمود باشا حياً من خيمته! أدان هؤلاء عرابي على “تهوره” و”طيشه” ! يقصد بالطيش:
- اصرار الوطنيين على مناقشة مسألة الديون الخارجية في البرلمان المصري.
- تحصين طوابي “قلاع” الاسكندرية ومحاولته تقوية الجيش عبر زيادة عدده وعتاده.
وتغافل هؤلاء عن أطماع بريطانيا الاستعمارية في مصر التي لم تدخر جهدا في الاعلان عنها بشكل واضح وصل إلى سعيها إلى احتلال مصر في 1807 فيما عرف بحملة فريزر التي هزمها المصريون، ودورها في حشد الدول الأوروبية لتقويض تجربة محمد علي والتي انتهت أيضا بالاصطدام العسكري في 1840 وتحطيم الأسطول المصري. بالطبع تناسى الطابور الخامس كل تلك الحقائق الدامغة على حتمية وقوع مصر في قبضة بريطانيا التي امتلكت ابان احتلالها لمصر أقوى جيش وأسطول في العالم، ناهيك عن الحالة المتردية للجيش والاقتصاد في مصر التي وصلت إلى إعلان الإفلاس في 1876، أي قبل اندلاع الثورة بعامين وقبل احتلال البلاد بستة أعوام.
كيف ننظر إلى طوفان الأقصى ؟
اذا اردنا أن نعي حقيقة معركة طوفان الأقصى علينا أن ننظر لها في سياق الصراع المفتوح في مواجهة العدوان الصهيوني المستدام على شعبنا الفلسطيني بصيغته المشهرة :
(احتلال + استيطان + ترحيل)
وأن نعي أن الصراع لم يبدأ مع السابع من اكتوبر كما تدعي اسرائيل وطابورها الخامس بالمنطقة، فعلينا ألا ننسى الماضي الأسود للإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وكم الجرائم الذي اقترفها في حق الشعوب العربية ولاسيما الشعب الفلسطيني، الذي له كل الحق في الدفاع عن نفسه والسعي لتحرير أراضيه.
وعليه علينا وضع معركة طوفان الأقصى في سياقها الصحيح الذي سنحاول تلخيصه في الحقائق التالية:
- جاءت معركة طوفان الأقصى بعد عام تقريبا من تأليف حكومة نتنياهو الفاشية التي لخصت برنامجها في نقطتين هما “الضم والاستيطان” باعتبار أن كل فلسطين ملكا للشعب اليهودي.
- عدد شهداء الضفة الغربية من 1/1/2023 إلى 6/10/2023 أي عشية الهجوم الباسل لفصائل المقاومة الفلسطينية وصل إلى 135 شهيد، تم إعدام بعضهم علنا وفي وضح النهار أمام عائلاتهم دون أدنى اعتبار لحقوق الآسرى أو حتى حساب رد فعل المقاومة على هذا الاجرام السافر.
- وجود 10 آلاف أسير فلسطيني من مختلف الفصائل والاتجاهات في معتقلات الاحتلال يتعرضون إلى أبشع طرق التعذيب والاضطهاد والموت البطيء يومياً وبشكل ممنهج.
- الدعم الأمريكي ومعسكر الاستعمار الغربي الكامل وغير المشروط لحكومة المجرم نتنياهو وتزويدها بأحدث وأقوى الأسلحة لضمان تفوق وقيادة الكيان الصهيوني لحلف عربي/ اسرائيلي بالمنطقة، يضمن لأمريكا السيطرة الكاملة على الإقليم لمواجهة النفوذ الصيني والروسي والأيراني المتنامي بالمنطقة في سياق الصراع العالمي على تجاوز نظام الأحادية القطبية، وهو ما تجلى واضحا بعد معركة الطوفان حيث عملت أمريكا على إدانة المقاومة وتوصيفها بالإرهاب، وأغدقت المعونات والمساعدات وإمداد إسرائيل بالأسلحة بل وتحريك الأساطيل العسكرية إلى الشرق للزود عن إسرائيل التي أوقعها معسكر المقاومة (أيران وحزب الله والحوثيين والمقاومة الإسلامية بالعراق) في طوق من نار، كشف عن ضعفها وإمكانية هزيمتها لولا الدعم الغربي الهائل وتآمر بعض الدول العربية على المقاومة ومعسكرها.
ما الفرق بين اكتوبر 1973 واكتوبر 2023؟
يروج المرتزقة والجهلاء لإدعاء مفاده أن الفرق بين الحربين يكمن في العدة والتجهيز والاستعداد الجيد للمعركة، وبالرغم إلى وجاهة هذا الإدعاء المراوغ إلا أنه قد تغافل عن سياق الحربين واختزل الفرق بينهما في ما يسمى ب”الاستعداد” ! لهذا وجب علينا توضيح الفروقات الموضوعية بين “الأكتوبرين” استجلاءا للحقيقة وفضح عمالة أو جهل أصحاب الدعاية المشككة في المقاومة:
- تسليح الجيش المصري: تمكنت مصر من بناء جيش حديث بمساعدة الاتحاد السوفيتي الشريك الاستراتيجي للدولة الناصرية في الخمسينات والستينات، وحتى بعد تعرض الجيش لنكسة 5 يونيه، استمر دعم السوفييت في إعادة بناء الجيش المصرى فمثلًا تحول سلاح المشاة من وحدات مشاة راكبة إلى وحدات مشاة ميكانيكية بالعربات البرمائية الروسية الجديدة مثل BK والتوباز، كذلك كل أنواع سلاح المدفعية، وأهمها كانت أسلحة الدفاع الجوى، التي تم منها إنشاء حائط الصواريخ المصرى في حرب 1973، الذي كان من أهم أسباب النصر في حرب أكتوبر 73، حيث كانت معظم أسلحته من الصواريخ والرادارات الروسية، كذلك طلب عبدالناصر من السوفييت إرسال خبراء عسكريين لتدريب الجيش المصرى على الأسلحة الجديدة،حتى أصبح في كل كتيبة خبير سوفييتى، كذلك تم الحصول على كبارى العبور الروسية التي عبرنا بها قناة السويس وعلى جانب القوات الجوية تم إمدادنا بطائرات الميج 21، وTU القاذفات الثقيلة والسوخوى والقاذفات المتوسطة اليوشن وكذلك طائرات النقل الثقيلة الأنتينوف، التي كانت تنقل العتاد الثقيل، وفى مجال البحرية كانت لنشات الصواريخ التي أغرقت المدمرة إيلات روسية الصنع، كذلك المدمرات والغواصات ولنشات الطوربيد، حيث أصبحت الأسلحة الروسية في ذلك الوقت هي عماد القوات المسلحة المصرية، وكان لها الفضل أن نحارب بها وننتصر في حرب 73.
- تسليح المقاومة: بحسب جريدة نيويورك تايمز الامريكية في تحقيق أعدته عن مصادر تسليح حركة حماس، توصلت إلى أن المصدر الأساسي لها هي السلاح المسروق من مستودعات السلاح الاسرائيلية وإعادة تدوير القنابل والصواريخ التي أطلقتها اسرائيل على قطاع غزة ولم تنفجر طيلة الخمسة عشر عام السابقة على طوفان الأقصى، هذا بالطبع إلى جانب بعض الأسلحة المهربة! فجل الأسلحة والصواريخ التي تستخدمها المقاومة على غرار قذائق الياسين 105 هي من صنع المقاومة الفلسطينية محليا في ظل الامكانيات المتواضعة التكنولوجية والمادية.
- عدم وجود حاضنة دولية للمقاومة الفلسطينية، بالرغم من دعم محور الممانعة بالمنطقة بقيادة أيران، إلا أن هذا الدعم لا يقارن بحجم الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري التي كان يقدمه الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي الشرقي لمصر في معركتها قبل واثناء حرب اكتوبر 73، حيث يعاني محور الممانعة من عدة مشكلات داخلية أبرزها ضعف الجبهات الداخلية في تلك الأقطار، إلى الحد الذي يهدد وجودها مستقبلا من الأساس، وخارجية كالحصار الغربي والضربات المتتالية التي تتلقاها وتقاومها بشرف وجسارة في ظل امكانياتها المتواضعة بالمقارنة بامكانيات معسكر الاستعمار.
- الدعم العربي للجبهة المصرية: بحسب الوصف الحرفي لرئيس اركان النصر المصري الفريق سعد الدين الشاذلي فإن التعاون العربي خلال حرب أكتوبر كان أفضل صورة ظهر بها العرب منذ إنشاء دولة اسرائيل سأعرض اشكال الدعم العربي لمصر على مستويين:
المستوى الأول/الدعم العسكري: شاركت القوات التالية في دعم القوات المصرية: سرب ميج 21 جزائري، سرب سوخوي جزائري، سرب ميج 17 جزائري، سربين ميراج ليبيين، سرب هوكر هنتر عراقي، لواء مدري جزائري، لواء مدرع ليبي، لواء مشاه مغربي، لواء مشاه سوداني، كتيبة مشاة كويتية، كتيبة مشاة تونسية. هذا بخلاف القوات العربية التي دعمت الجبهة السورية والجبهة الأردنية.
المستوى الثاني (الدعم المالي): يقول محمد حسنين هيكل في كتابه “الطريق إلى رمضان” إنه خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر 73 تبرعت ليبيا ب40 مليون دولار، و 4 مليون طن زيت، تبرعت السعودية ب200 مليون دولار، تبرعت الإمارات ب100 مليون دولار.
- التخازل العربي عن دعم المقاومة الفلسطينية بمعركة طوفان الأقصى: لم تكتف الدول العربية المطبعة بعدم الإعلان عن تجميد التمثيل الدوبلوماسي بينها وبين دولة العدو الصهيوني، وكذلك عدم الضغط على قوات الاحتلال لإدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء للشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة الذي يتعرض لعملية إبادة جماعية، لنفاجيء بإعلان الصحف وبعض اعضاء الحكومة الاسرائيلية عن بناء جسر بري يربط السعودية والامارات والأردن وصولاً إلى إسرائيل لإمدادها بالبضائع المستوردة التي تم قطع الطريق عليها نتيجة هجمات المقاومة اليمنية الباسلة في البحر الأحمر.
وأخيرا أود أن أشير إلى أنه يجب النظر إلى نتائج معركة طوفان الأقصى بوصفها محطة مفصلية في حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد التي تخوضها المقاومة الفلسطينية الباسلة بجميع اتجاهاتها الاسلامية والماركسية والقومية لاستعادة وبناء الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وطرد هذا الكيان الاستعماري من المنطقة، وأن نعي حقيقة الدور الأمريكي المنحط الذي يسعى إلى إحياء سياسة الأحلاف بالعالم منذ فترة، دفاعاً عن النظام العالمي الحالي، ومنع قيام نظام عالمي بديل متعدد الأقطاب يراعي الوضع الاقتصادي وأفاق تطوره في كل بلد، حفاظا على مصالحها الاستعمارية وحلفاءها.
ويجب كذلك ألا ننسى أن اسرائيل لم تحقق إلى الآن أياً من أهدافها المعلنة من الحرب كسحق المقاومة، واسترداد الأسرى بالقوة، وتهجير سكان شمال غزة لتحويله إلى حزام أمني، ولا استاطعت ضرب علاقة حركات المقاومة ببيئاتها الشعبية الحاضنة، وهو الهدف الذي يسعى له الطابور الخامس “بداخلنا” بكل دأب وخبث، وهو ما يجب أن نتصدى له بكل حزم واخلاص بنشر الوعي بدور المقاومة الباسلة وأهدافها المشروعة.