محمد جلال عبدالرحمن يكتب: بالخارج… مصريون وليسوا مصابين
في ظل القيود التي فرضها فيروس «كورونا» على حركـة الإنسان في العالم، لم يجد الكثير من المصريين المغتربين سوى البقاء في أماكنهم مضطرين حتى إشعار آخر انتظارًا لأي مستجدات بحلول رسمية من الحكومة المصرية.
والملاحظ أن جائحة كورونا غير واضحة المعالم ولم يظهر لها علاج قطعي حتى تاريخه وهو ما يتوقع مع العلماء المعنيين بهذا الأمر أن ذلك يتطلب وقتًا كبيرًا مع عدم اليأس من روح الله الرحيم.
ومن خلال عملي كمستشار قانوني في المملكة العربية السعودية ومطلعٍ على القضاء العمالي فضلًا عن كوني كاتبًا وباحـثًا في مجال القانون يتصل اجتهادي فيما أكتب بالواقع القانوني النظري لغالبية الدول العربية، فإنني أعتقد أن المصريون في الخارج أمام مشكلة حقيقية الآن في ظل ضرر يتزايد كل يـوم عليهم بالنظر إلى المستجدات والتعديلات الأخيرة المستحدثة من الجهات المعنية بأنظمة العمــل تماشيًا مع هذا الحال والأوضاع الصعبـة التي يواجهها العالم كله بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونـا، وأن ملخص التعديلات الأخيرة يتمثل في تخفيض رواتب الموظفين إلى نسبة (50) % بقدر ما نقص من المنفعة المعروفة أو يخير في أن تكون فتـرة التوقف عن العمل ضمن إجازاته وفي حال رفض ذلك من الموظف يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل.
والحقيقة أن الكثير من المقيمين إقامة عمل وخاصة فئـة المعلمين تعرضوا لإنهاء عقود عملهم بمجرد ظهور هذا الوباء وتوقفهم الاضطراري عن العمل، وإذا افترضنا جدلًا ونقول هنا جدلًا وهو ما لن يحدث من جميع أصحاب العمل، أنهم سوف يقومون بتنفيذ أفضل هذه التوجيهات الأخيرة بالنسبة للموظف في الوقت الحالي (تخفيض رواتب الموظفين إلى نسبة 50 %)، فسوف يكون وجود المغترب حتى في ظل تنفيذ هذا بلا ثمن أو قيمة ولا يغطي مجرد تكاليف البعض أو معيشتهم داخل هذه الدول المغتربين فيها.
وبحيادية حقيقية وبحسن نية فإن أزمة المصري المغترب خارج مصر الآن نسبيـة تختلف من مقيم لآخر إذا وضعنا في الاعتبار أن نسبة المصريين الكبيرة من العمالة الفردية سواء داخل الشركات أو المخالفة لأنظمة الإقامة وكذلك نسبة المصريين الكبيرة من المعلمين وأبنائهم أو من الحرفيين ونسبة قليلة أو محدودة من فئة الأطباء أو المهندسين أو المستشارين أو المقيمين إقامة عمل منذ فترة طويلة أو ميسوري الدخل عمومًا في هذه البلاد الذين يستطيعون المواصلة على هذا النحو لشهور أو لعام وكل هذه الفئات لا تخفى على الحكومة فاطلاعها الرسمي يصل إلى تقييم وتقدير ذلك جيدًا.
إذن فالجميع يتفق على أنه لا يمكن للمصري المغترب بالخارج الذي لا يعمل ولا يتقاضى أي أجر، وهي نسبة كبيرة بالنظر إلى عدم تنفيذ أصحاب الأعمال التوجيهات الأخيرة، القدرة على أن يبقى بسكنه فينفق على إيجاره أو مأكله أو مشربه وبخاصة العوائل، وأن يواصل على هذا الحال إلى وقت أطول من شهر أو شهرين أو ثلاثة شهور وهذا أمر نسبي أيضًا، فالبعض عجز أن يواصل بسبب ظروفه من البداية مع الوضع في الاعتبار أن المصريين بالخارج أرهقتهم السنوات الأخيرة بسبب الرسوم التصاعدية وهو ما نتج عنه خروج نهائي للكثير من العوائل أو البقاء في ظل معاناة محاولة للبقاء والتأقلم.
ولا يمكن التسليم بما يتم تداوله من ترك المصري المغترب ليعاني خوفًا أن ينقل الوباء مع عودته، فهذا أمر رغم أنه محتمل لكنه يبقى بعيدًا، في ظل تنفيذهم للتدابير الوقائية في الدول المغتربين فيها فأغلبها يطبق الحظر الكامل منذ فترة، فلا يخرج أحدُ من السكن إلاّ لشراء ما يأكل أو يشرب وهو ما يعني أن الجميع في حال عزل وقائي، فمسألة إصابته بكورونا لا نقول بعيدة وأنما مسألة محتملـة لكن لا دليل عليها لتتأكد هذه المخاوف إذن فالمصريون بالخارج ليسوا مصابين أو ليس كلهم مصابين حسبما يتم تداوله من فئة معروفة ترغب في استغلال الفرصة لنشر الشائعات وبث الفتن بين المصريين وكذلك سلوك شرذمة أخرى متطرفة في التعامل مع هذا الملف وهي تقريبًا تشبه نفس سلوك الجهلاء الذين رفضوا دفن الطبيبة المصرية الشهيدة.
وأن أبناء الجالية المصرية المغتربين في كل الدول العربية طرحوا الكثير من الحلول المتداولة ليلا ونهارًا حسب اعتقادهم على الصفحات لمواجهة العوائق في سبيل عودتهم إلى أرض الوطن في ظل زيادة دور وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الأمر لكن لا يظهر من الجهات الرسمية إلاّ تجاوب لا يتفق وجسامة الضرر المتزايد كل يوم عن الذي سبقه على المصريين المغتربين.
ورغم أن هذا الملف يعد في الأصل من اختصاص وزارة الخارجية المصرية لكن إذا وضعنا في الاعتبار كون هذا الظرف استثنائي فلا يمكن أن نستغني فوق كل هذه الحلول عن جيشنا المصري العظيم، فهو شريك أساس في هذه المعركة، والذي ننتظر أن يسخر كل إمكاناته لتكون في خدمة مواجهة هذا الوباء ومن ضمنها استعادة المصريين الذين يرغبون العودة من الخارج بعدما انقطعت بهم السبل وعطلت هذه الجائحة سيرهم المحمود في سبيل الرزق.
فثقتنا في الجيش المصري كبيرة، فيمكنه أن يتغلب على إشكاليـة نقل المصريين عمومًا الذين يرغبون العودة إلى مصر بإمكانياته الكبيرة في هذا الشأن إلى جانب الطيران المدني وإشكالية ضرورة إجراء عزل للعائدين بما يملكه من معسكرات ومخيمات كبيرة وتحتوي على الإمكانات اللازمة للإعاشـة وإذا لم يتيسر هذا للجميع لعله يتيسر لجزء من المصريين ذوي الظروف الصعبــة من العمال والمهنيين في أماكنهم.
ايميل: mdgalal3@gmail.com