محمد العريان يكتب: الشعب.. البطل الأول في أزمة الأمطار
في كل مرة يوضع الشعب في اختبار يحصد الجائزة الأولى، في كل مرة يفاجئنا الشعب أنه البطل الوحيد، يستحق الشرف منفردا بلا منافس، يستحق الإشادة والشكر والامتنان.
في كل مرة يفعل ما لا نتوقعه، يناضل في وقت الحاجة، يقف في الصفوف الأولى وقت الفداء، يقدم نفسه ولا يفكر في العواقب والمحاذير والسلامة.
في أزمة الأمطار الغزيرة شكل مجموعة من الشباب فرق تدخل سريع لإنقاذ الغارقين ومن تعطلت سيارتهم داخل تجمعات الأمطار، قاموا بما يجب أن تفعله الحكومة التي تتقاضي رواتبها من ضرائبنا، بلا ترتيب قبل الأزمة، غير مبالين بما يمكن أن يحدث لهم ولسياراتهم في هذا الطقس غير المستقر، لم يطلبوا جزاءا أو شكورا، لم يكن دورهم أبدا أن يظلوا في الشوارع جاهزين لطلب المستغيث بالحكومة، لكن فعلوا ما أخبرتهم به جيناتهم المصرية الأصيلة التي تظهر في الشدائد، جيناتهم الإنسانية التي لم يصيبها عطب اللامبالاة.
في كل مرة يجعلنا الشعب نخجل ونحن في مواقعنا آمنين نشكو من قلة الرفاهية، وكنا قبل ذلك نتهمه بكل الموبقات. أغلب النخبة السياسية تتهم الشعب بالجهل واللامبالاة، وتتهمه أبواق الإعلام الحكومي بالكسل والتواكل، حتى أفراد من الشعب يرددون نفس النغمات: شعب جاهل يمشي وراء بطنه حينما نتحدث عن الديمقراطية والانتخابات، شعب كسول حينما نتحدث عن الاقتصاد والتنمية، شعب يخاف ولا يمشي إلا بالكرباج حينما نتحدث عن السلطة والتعذيب والدكتاتورية.
في فبراير 2019 اشتعل مواطنون بعد انفجار تنك السولار في جرار قطار في محطة رمسيس، فاندفع مواطن عكس اتجاه سير البشر لينقذ 10 مواطنين اشتعلت النيران في أجسادهم، لم يستعين المواطن سوى بجردل مياه وجينات شجاعة لم يقتلها الفقر أو القهر.
الإعلام يردد كل يوم أن العيب في هذا الشعب وأن الحكومة والنظام يفعلون كل ما في وسعهم، والشعب هو من يعطل مسيرة التنمية ويلتهم ثمار الإصلاح، فهو في أيام مبارك كسول وينجب كثيرا ويستهلك أكثر ولا يريد أن يدفع ثمن طعامه، وبعد الثورة شعب بلطجي لا يعجبه أحد، وشعب لا يعمل ويطلب طعامه من الرئيس الذي يعمل ليل نهار.
الشعب الملام دائما على كل الأخطاء والأزمات، هو المسئول عن الخسائر والمتسبب في الكوارث، هو الشماعة التي ترفع كل إخفاقات النجوم والنسور والسيوف المتقاطعة، هو الملام في حرب 76 وحريق قطار الصعيد وغرق عبارة السلام وسرقة المليارات ورشوة المسئولين ورفع الضرائب وغلاء الأسعاء.
بفضل اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي كلنا رأينا عم صلاح الموجي الذي انقض على الإرهابي في حادث الهجوم على كنيسة مارمينا بحلوان عام 2017، كان الإرهابي يتجول في الشوارع حول الكنيسة ويقتل المواطنين، وكانت أفراد الشرطة تبادله إطلاق النار، لكن وحده عم صلاح تصدى له بجسده وأخذ منه سلاحه، عم صلاح رجل بسيط يمكن أن تراه في أي مكان في شوارع مصر، رجل عادي لا يلفت النظر لكنه بطل كامن ينتظر الفرصة.
حتى الآن أغلب المؤسسات التي تعمل بكفاءة وتخدم الشعب، هي مؤسسات تطوعية تُمول من جيوب الشعب، ملايين يدفعون تبرعات لتلك المؤسسات لتظل تخدم فقراء طحنتهم السياسات الاقتصادية وتركتهم الحكومة واتهمهم الإعلام أنهم سبب أزماتهم، مستشفيات تعالج قلوب الفقراء وأخرى تعالج أورام الأجساد الخبيثة، جمعيات تبنى بيوت للفقراء وتوصل مرافق لمواطنين خارج خريطة الحكومة، مؤسسات يعمل بها أفراد من الشعب تطوعا ويمولها الشعب كاملة.
تظهر المعادن في الشدائد، ودائما يظهر معدن الشعب، دائما يفاجئ كل دار وكل باحث اجتماعي، والآن رغم أزمات نعيشها منذ سنوات ، فقر شديد وغلاء لم نشهده وخوف لم نعرفه من قبل، تظهر علينا البطولة كرسالة أمل أننا هنا ننتظر الدور، جاهزون مستعدون لكننا لا نعلن عن أنسنا.
بطولة الشعب التي نراها دائما ليست بطولة زائفة لجماعة تريد أصوات انتخابية ولا شركة تريد مزايا، ولا رجال أعمال يريدون شهرة، إنما هي بطولة خالصة للشعب بلا مقابل ولا شكور.
في ثورة 25 يناير رأيت بطولات لم يمكن حصرها، شهداء واجهوا الغشاوة بصدور عارية، أيضا في ثورة 30 يونيو رأيت نفس الملامح مستعدة للبطولة، بعد كل حادث ترى طوابير التبرع بالدم حتى تمتلء بنوك الدم، شعب دائما يفاجئك، كل ما أتأكد أنه انتهى يخرج كمارد طال حبسه في المصباح، كأن كل أخبار موته لا تكفي لتشييع جنازته، شعب رغم اكتئابه وقلة حيلته لم يفقد ثقته في نفسه أبدا، يخرج كطاووس يتباهى بجميل ما صنع.
مجهود رائع يستحق الإشادة … مبروك علينا درب اللي جمعت الحبايب
الله يبارك في حضرتك