محمد البطاوي يكتب: أمريكا على مفترق طرق: هل تحقق كامالا هاريس الاستقرار أم يعيد ترامب الفوضى؟
مع اقتراب موعد انتخابات 2024 الرئاسية، تدخل الولايات المتحدة مرحلة جديدة من الترقب السياسي؛ فمن سيقود البلاد نحو الاستقرار؟ هل ستكون نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تمثل استمرارية إدارة بايدن؟ أم يعود الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أشعل الساحة السياسية بآرائه الجريئة وقراراته المثيرة للجدل؟ لكن السؤال الأكبر الذي يشغل بال الجميع هو: ماذا يريد الناخب الأمريكي حقًا في هذه الانتخابات؟
بينما يسود العالم اضطراب غير مسبوق على الصعيدين السياسي والاقتصادي، يجد الأمريكيون أنفسهم أمام خيارين: التغيير الجذري أو الاستقرار في ظل قيادة تقليدية. لكن ما الذي تفضله الأغلبية؟ هل يبحث الناخبون عن رئيس يحقق لهم استقرارًا في وقتٍ تتعاظم فيه الأزمات؟ أم أن هناك توقًا لمزيد من التحولات السياسية والاجتماعية؟
ترامب: بين الفوضى والإصلاح
منذ لحظة دخوله إلى الساحة السياسية في عام 2015، أحدث دونالد ترامب زلزالًا هز الأركان التقليدية للنظام السياسي الأمريكي. جاء ترامب بوعود كبيرة وأسلوب صدامي، بدءًا من مناظراته الرئاسية التي لم يترك فيها مجالًا لخصومه الجمهوريين، مرورًا بوعوده ببناء جدار على الحدود الجنوبية ومنع دخول مواطني دول ذات أغلبية مسلمة. ورغم انتقاد هذه القرارات واعتبارها مثيرة للجدل، إلا أن جزءًا كبيرًا من القاعدة الجمهورية رأى فيه قائداً يجرؤ على مواجهة المؤسسة التقليدية.
رغم هذا، فإنه لا يمكن إنكار أن فترة رئاسة ترامب لم تكن كلها فوضوية. ففي السنوات الأولى من ولايته، قبل أن يضرب فيروس كورونا العالم، تمكن من تمرير إصلاحات ضريبية هامة والموافقة على مشروعات كبيرة مثل خط أنابيب “كيستون إكس إل”. ولكن ما جعل فترة حكمه مشوبة بالصخب هو التحقيقات المستمرة التي لاحقته بشأن تواطؤ محتمل مع روسيا، إلى جانب المحاكمات والإجراءات البرلمانية التي قادها خصومه في الكونغرس.
إدارة ترامب كانت تمثل للمؤيدين نوعًا من الاستقرار الاقتصادي والسياسي، لكن خصومه الديمقراطيين صوروه كقائد فوضوي، يثير الانقسامات ويغذي الخلافات. وبالنظر إلى هذه الخلفية، يطرح السؤال نفسه: هل سيعود ترامب في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية بنهج أكثر نضجًا واستقرارًا؟ أم أن طريقته الصدامية ستستمر في إثارة العواصف السياسية؟
هاريس: وعد الاستقرار أم بداية الفوضى؟
في المقابل، تقدّم كامالا هاريس نفسها كمرشحة تسعى للاستقرار. فهي نائبة الرئيس في إدارة بايدن التي روجت لاستعادة “الطبيعية” بعد فترة ترامب. غير أن التحديات التي تواجهها هاريس ليست سهلة، إذ أن جزءًا كبيرًا من الناخبين لم يقتنعوا بعد بأنها قادرة على تقديم رؤية جديدة تختلف عن بايدن، خاصة مع التحديات التي تواجهها إدارته في الوقت الحالي.
ورغم أنها تسعى لتقديم نفسها كبديل هادئ ومسؤول مقارنةً بترامب، فإن سياساتها المثيرة للجدل قد تثير قلق بعض الناخبين. على سبيل المثال، في العام الماضي اقترحت إدارة بايدن وهاريس مراجعة العنوان التاسع لمنع المدارس من منع الطلاب المتحولين جنسياً من المشاركة في الأنشطة الرياضية بناءً على هويتهم الجنسية. هذه السياسات قد تجعل بعض الآباء، خاصةً في المناطق الريفية أو الضواحي، يترددون في دعمها، حيث يعتبرون هذه التغييرات تجاوزًا غير مبرر لقيمهم.
من جهة أخرى، ركزت هاريس بشكل كبير على مهاجمة شخصية ترامب، واصفة إياه بـ”الديكتاتور منذ اليوم الأول”، وهو تكتيك استخدمه بايدن بنجاح في حملته ضد ترامب عام 2020. ورغم أن هذا النهج قد يكون ناجحًا في تعبئة القاعدة الديمقراطية، إلا أنه قد لا يكفي لكسب تأييد الناخبين المتأرجحين، الذين يبحثون عن أكثر من مجرد معارضة لترامب.
ما الذي يريده الناخب الأمريكي؟
بين هذا وذاك، يبقى السؤال: ماذا يريد الناخب الأمريكي حقًا؟ هل يتطلعون إلى أربع سنوات أخرى من الاستقرار التقليدي، حتى لو كان هذا الاستقرار يأتي مع بطء في تنفيذ الإصلاحات الجذرية؟ أم أن هناك شعورًا عامًا بحاجة البلاد إلى زلزال سياسي يعيد تشكيل النظام من جذوره؟
لا يقتصر الصراع على الحزبيين فقط. فالتيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي يسعى لإحداث تغييرات جذرية، بينما يقف المحافظون من الجانب الآخر متخوفين من التحولات الاجتماعية السريعة التي يرونها تهدد القيم الأمريكية التقليدية.
السيناريوهات المحتملة: أي مستقبل ينتظر أمريكا؟
تظل الانتخابات الأمريكية واحدة من أكثر المحطات السياسية ترقبًا على الساحة الدولية. وبينما تتراوح الآراء حول ما إذا كانت أمريكا تحتاج إلى المزيد من الاستقرار أو إلى تغيير جذري، يبقى من غير الواضح كيف سيتوجه الناخب الأمريكي في نهاية المطاف.
هناك سيناريو قد يختاره الناخبون الأمريكيون وهو التصويت لهاريس كرئيسة ومنح الجمهوريين السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، وهو ما قد يؤدي إلى حكومة منقسمة. وقد يكون هذا السيناريو الأكثر استقرارًا على المدى القصير، حيث يفرض توازنًا سياسيًا يمنع أي حزب من فرض تغييرات كبيرة دون توافق. ولكن هذا السيناريو قد يؤدي أيضًا إلى شلل سياسي يمنع تمرير تشريعات هامة.
أما السيناريو الآخر، فهو أن يختار الناخبون إعادة ترامب إلى السلطة مع دعم جمهوري كبير في الكونغرس. هذا قد يعني استقرارًا اقتصاديًا نسبيًا، لكنه قد يجلب معه استمراراً للفوضى السياسية، خصوصًا إذا استمر ترامب في استخدام خطابه الصدامي.
استقرار أم فوضى؟
يبقى السؤال الأهم الذي يواجه الأمريكيين والعالم: هل يعود ترامب لقيادة أمريكا بفوضى جديدة أم تستمر هاريس على نهج بايدن، محاولة تحقيق استقرار نسبي؟ وفي خضم هذا الصراع السياسي الحاد، يظل الخيار في يد الناخبين الأمريكيين. قد لا تكون الإجابة واضحة الآن، لكن ما هو مؤكد أن نتيجة هذه الانتخابات ستكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل الولايات المتحدة والعالم.
2:03 PM