محمد أحمد فؤاد يكتب: الطبقة اللزجة…
سطور لم أكن أود كتابتها خصوصاً في هذا الوقت الحرج، حيث تتداعى الحقائق بشكل غير مسبوق، ونجد أنفسنا في حالة إضطرار للقبول بالشئ وعكسه، أو للتنازل عن الحقوق مقابل البقاء في خانة الأمان غير المضمون.. لكن توثيق الواقع أصبح فرض وأمر حتمي حتى لا تضيع الحقيقة وتتبدل الأدوار وينجو بفعله من لا يستحق..!
الطبقية أصبحت عنوان الظهور في مجتمعات مصر كافة، وربما في رداء رسمي طبقاً لما جاء في الخطاب الرئاسي غير ذي مرة من تفرقة واضحة بين ما هو مدني وما هو أميري أو عسكري..! أو ما بين أثرياء جدد ومقهورين، حتى أن الطبقات الأقل حظاً صارت مجبرة على التظاهر بعكس الحقيقة تجنباً للآلام المصاحبة للإستسلام لهذا الواقع عنصري الهوى.. انحسار العدالة الإجتماعية سافر وشديد الوضوح، لذا أحسب أن الإجراءات الإحترازية التي تطبقها مؤسسات الدولة لحصار المشكلات الحالية على شاكلة تفشي وباء كوفيد 19 والتداعيات الإقتصادية المصاحبة لتبعاته، وحرب أسعار النفط، وكذا السيطرة على تفشي الجريمة المجتمعية التي تنتج عن الإنهيار الأخلاقي المستفز، تأتي كلها شكلية وليست فعالة بالقدر الكاف حيث أن المنحى السلوكي الشعبي يظل ثابتا كما هو عند مؤشر الإنحدار دونما تغيير..
اكتفت الحكومة الحالية بتتبع الأثر في المحافل الدولية ومحاكاة كل أنماط السلوك داخل الأنظمة الأكثر تضرراً، بل وحاولت مغازلة بعض الأنظمة بشئ من المساعدات الرمزية لأهداف باطنها سياسي بإقتدار.. لكنها لم تتخذ إجراءات فعالة تطور إيجابياً من سلوك الأفراد، وبالتالي تحد من تفشي الأزمات وتتيح حلها بما يتناسب مع طبيعة الشعب المصري وثقافاته شديدة المحلية.. على سبيل المثال، ثبت أن إنخفاض عدد الإصابات بالفيروس كوفيد 19 مقارنة بالتكدس السكاني يرجع إلى محدودية عينات الفحوص التي تم إجراءها، وليس بسبب التجاوب مع الإجراءات الإحترازية على المستوى الشعبي، والدليل هو التدني الملحوظ في مستوى حماية الأطقم الطبية في مراكز استقبال الحالات المصابة، وكذلك حادثة محافظة الدقهلية حينما تظاهر الأهالي في قرية شبرا البهو ليمنعوا دفن طبيبة توفيت لإصابتها بالفيروس، الأمر الذي استدعى تدخل قوات الأمن لإنهاء إجراءات دفن الطبيبة بالقوة. هذا الأمر لا علاقة له بالأخلاقيات العامة بقدر ما يعكس من جهل عميق بكيفية انتشار الفيروس، بالإضافة إلى الرهاب الإجتماعي الذي إستفحل جراء التغطية الإعلامية غير المسؤولة…
لا يجب أن ندس الرؤوس في الرمال، فجميعنا يعرف أن الغالبية العظمى في مصر تمثل الطبقات الأقل حظاً، وهي تتراوح بين طبقة متوسطة قاربت على الإندثار لكنها تجاهد بصعوبة من أجل البقاء، وطبقات أخرى أدنى تحاول التشبث بالحياة يوماً بعد يوم لكن دون أدنى أمل في أي تحسن.. تلك الطبقات الأوسع انتشاراً يتم إستغلالها والإتجار بعقولها ومقدراتها بشكل مفضوح لصالح طبقة لزجة تطفو على السطح كزبد الموج، وتجدها ذات معالم وأثر واضح حيث تعيش في نطاقات جغرافية محددة، وتشكل تجمعات سكانية نمطية شبه مغلقة.. هذا وتجد أنشطة تلك الطبقة تتمايز بالرفاهية والعنجهية المفرطة في كافة المناحي السلوكية، وهي ايضاً تنتهج مسالك حياتية تقطر بالعنصرية والتعالي والرغبة في الظهور وحب الشهرة والأضواء ربما دون إستحقاق ذو نمط ثقافي محدد.. فهناك حيث توجد تلك الطبقة تختلط القيم الإنسانية وتختل المعايير الوطنية وتتعدد الإنتماءات الثقافية المشوهة بشكل محزن.. حتى أنها تتحدث لغة غير اللغة المعتادة يشوبها خليط مزعج من المصطلحات الأعجمية، وتخترقها مفردات ومقاطع وجمل شاذة عن الواقع…
داخل تلك الطبقة الغريبة عن المجتمع المصري وتركيبته، تستطيع بسهولة أن تميز ثلاث فئات، منها فئة من حققوا ثروات طائلة جعلتهم ينعمون بحياة مختلفة باعدت بينهم وبين هموم الوطن ومشاكله، لذا فهم يكرهون كل ما يذكرهم بتلك الهموم ولا تجدهم يهدفون بأي حال من الأحوال للإشتراك في أي تغيير من شأنه أن يؤثر فيما أحرزوه من مكتسبات.. ومع انتشار الفساد، ظهرت أيضاً فئة ثانية قوامها طبقة ثرية كونت ثرواتها من الرشوة والتهرب الضريبي ونهب المال العام، وهي طبقة تكره بطبيعة الحال أي نمط من أنماط التغيير لأنه قطعا سيؤدى الى كشف هذا الفساد فيتعرضون للملاحقة ومن ثم مصادرة أموالهم وربما ينتهي بهم الحال إلى السجن.. أما الفئة الثالثة، فهي فئة مستغلي النفوذ والسلطة، وهؤلاء بينهم رجال أمن وإعلام وفن وأعمال وقانون وبرلمانيون تجدهم يستغلون نفوذهم للحصول على حصانة سياسية أو قروض هائلة من البنوك بضمانات ومزايا خاصة، وهم أيضاً من يستطيعون توريث أبنائهم وأقاربهم أفضل المناصب حتى لو كانوا بلا موهبة أو دون المستوى المطلوب.. مع الأسف هذا هو حال تلك الطبقة اللزجة التي تطفو بوضوح فوق سطح المجتمع بفعل معايير السوق التي يتوارى فيها الثمين أمام الكثير من الغث المعروض..!