مجلة التحالف| يا عمال العالم فوقوا.. غياب العمال عن ساحة السياسة والتنظيم الحزبي: من المسؤول؟
بقلم / جمعة رمضان – عضو اللجنة المركزية بحزب التحالف الشعبي
”إن حياتنا الاجتماعية هي بحق ثمرة عمل هاتين القوتين الاجتماعيتين، (العمال والفلاحين ) رغم أنهما أقل الفئات والطبقات الاجتماعية استمتاعا بثمرة عملهما، وأكثر الفئات والطبقات الاجتماعية معاناة للقهر والقمع والاستغلال والاغتراب والامتهان ” . “
محمود أمين العالم
تخبرنا أدبيات النضال أن العمال الصناعيين هم الأعمق وعيًا والأكثر نضالية وقدرة تنظيمية، يسبقون بخطوة أو خطوتين نظرائهم العمال الزراعيين والفلاحين .
يبدو الأمر منطقيًا في التحليل استنادًا الى ظروف عمل العمال الصناعيين التي تتيح لهم التواجد بالعشرات والمئات بل والالاف احيانا في مجال عمل واحد وكذلك إلى الرابطة اللصيقة والمباشرة بين العامل والآلة طوال دورة حياة المنتج لحظة بلحظة، وفي جميع مراحل تصنيعه على عين ومهارة وجهد وعرق صانعيه خلال فترة زمنية وجيزة على خلاف الفلاحين والعمال الزراعيين الذين تتوزعهم حقولهم الصغيرة وعملهم الموسمي المتقطع وكذلك مقارنة بالوقت الطويل الذي يستغرقه المنتج الزراعي بداية من استنبات البذور والشتل وحتى حصاد المحصول ومن ثم تتشكل الرابطة المباشرة بين العامل الصناعي ومنتجه بشكل أقوى، ويتعاظم معه إحساسه بدوره في العملية الانتاجية وبالقيمة المضافة التي يخلقها عبر علاقة اقرب للتزاوج بين العامل وآلالة، بين العمال والمصنع.
وهكذا فإن الحديث عن ثورية الطبقة العاملة ودورها الطليعي داخل المجتمع ليس من باب الاستعراض النظري بل هي حقيقة يفرضها الواقع الحي وضرورة اجتماعية تتحقق بالوعي والنضال ورسالة تحررية تغييرية شاملة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي!
على سبيل العتب وانعاش الذاكرة
حري بنا أن نستعيد ذاكرة المقاومة النضالية الاسثنائية التي خاضها الفلاحون المصريون في غمرة أحداث العام ١٩٩٧ التي رافقت تطبيق قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية وما أسفرت عنه المواجهات من سقوط شهداء واعتقال لمئات الفلاحين والنشطاء اليساريين، والشاهد ومن دواعي الأسف ورغم سخونة الأحداث وتصاعدها حينها كان غياب تضامن الطبقة العاملة مع الفلاحين وقعودها عن الاشتباك مع حدث نضالي استثنائي قلما يتكرر، وهو الموقف الذي عزاه المحللين إلى غياب الوعي الطبقي وتشوش الرؤية مع هشاشة تنظيمية وضعف قيادة سواء في النقابة أو مواقع العمل.. ومن ثم يضعنا هذا الضعف والتباعد بين شرائح العمال أمام حزمة من الأسئلة والتحديات الكبرى يلزم البحث فيها عن حلول وإجابات إذا ما كنا بصدد استعادة وتعظيم دور الطبقة العاملة اشتباكا وتحالفا ووعيا ونشاطا وتنظيما داخل المجال العام.
على مدار العقود الثلاثة الماضية والدولة ماضية في تنفيذ سياسات التكيف وإعادة الهيكلة المملاة عليها من مؤسسات التمويل الدولية وهي السياسات التي أسمتها الحكومات المتعاقبة إصلاحات اقتصادية، بيد أنها في واقع الأمر لم تكن سوى تصفية ممنهجة للقطاع العام الصناعي والتجاري والخدمي وتمكين طبقة الاوليجارش من تلك الأصول العامة المنتجة، هجوم الاوليجارش مدعوما من الدولة لم يكن مفاجئا ولا متخفيًا بل كان على عينك يا صاحب البيت وإدراكا خبيثا منها لضعف الطبقة العاملة وانحسار اليسار وغياب روح المقاومة، وبالفعل لم تتبلور مقاومة عمالية ذات شأن تجاه تلك الهجمة التي استهدفتهم وظل الضعف والتشرذم هو الموضوعة الثابتة للطبقة العاملة، ما ساهم في إغرائها وقبولها بفتات المعاش المبكر، ومكافآت نهاية الخدمة الهزيلة وصولا إلى تلك النهاية المحزنة لإحدى أهم قلاع الصناعة في مصر، وهنا أقصد شركة الحديد والصلب وغيرها من الصروح الصناعية العملاقة التي أسهمت على مدار عقود في التنمية واستيعاب آلاف الأيدي العاملة وتوفير العملة الصعبة من خلال التصدير وتحقيق الاكتفاء في بعض احتياجتنا الصناعية والزراعية والإنشائية.
والشاهد في الأمر أن تردي السياسة وضعف الحياة الحزبية، وغياب الديمقراطية والحريات نتيجة للاستبداد السياسي يرافقه بالضرورة تشتت وهذال في الحركة النقابية العمالية وبالتبعية غياب للقيادات النزيهة المستقلة، دائما النضال في الفراغ دونما مظلة حزبية قائدة ورغبة حقيقية تستهدف الوصول لمراكز صنع القرار، هو قبض ريح والإجهاض المبكر هو النتيجة الحتمية لأي حراك عشوائي مشتت مهما بلغ حجمه، الإنخراط في السياسة من خلال الانتظام في النشاط الحزبي المنظم هو أحد الآليات المهمة للمقاومة وبلورة استراتيجية ناجزة تملك القدرة على الضغط والمفاوضة الرشيدة لتحقيق الأهداف قصيرة وبعيدة المدى، وقبل ذلك وهو الأهم تعزيز وبناء الوعي النضالي وصقله واستدامته.
وهنا يتعين علينا وضع علامات استفهام كثيرة حول أسباب إحجام العمال عن الانخراط في السياسة والنشاط الحزبي بشكل فاعل على الرغم من وجود أمانات ومكاتب عمالية في كافة الأحزاب، خاصة اليسارية المنحازة بطبيعتها للطبقة العمالية والتي تضم العديد من النشطاء المتضامنين من أصحاب الخبرات والنضالات والجهود المخلصة.. وهذا بدوره يطرح العديد من الأسئلة: أين تكمن المعضلة؟ هل هي في برامج الأحزاب وخطابها وأمزجة نشطائها أم في وعي العمال؟ أم هو ميراث خطاب نوستالجي عتيق غير محدث ولد اخطاء تراكمت ولا زالت تتراكم لدى الطرفين؟ أم هي مشكلة قيادة بحسب تروتسكي؟!
من واقع التجارب العديدة ينبغي التأكيد على أنه لا انفصال بين النضال السياسي العام والنضال العمالي المطلبي في ذاته، وهذا ما يجب أن يدركه نشطاء النضال السياسي لإثمار الجهود، وأن تدركه الطبقة العاملة أيضًا إن أرادت أن تتحرر أو على الأقل أن يكون صوتها مسموعا، فلا بديل في الحد الأدنى المتاح عن العمل والمواجهة من داخل كيانات حزبية منظمة وقد باتت تلك الكيانات الحزبية الشرعية وبرغم ضعفها هي الركيزة الوحيدة المتاحة لانطلاقة، وبناء نسق نضالي متوسط المدى على الأقل في ظل سياقات الاستبداد والحصار الراهنة.
ولعل ما دعى إليه الراحل الدكتور سمير أمين وطرحه كخارطة طريق للتغيير تحت شعار “يا شعوب ويا عمال العالم اتحدوا” لهو القراءة الواقعية لتحقيق انطلاقة مستقبلية تعيد الزخم للنضال المثمر القادر على البناء، وإفراز الكوادر والقيادات المخلصة الجسورة القادرة على إنجاز المهام ! .
وإذ تبدو رسالتنا وقد حملت في طياتها عتب للطبقة العاملة فهي أيضا رسالة محبة وإنصاف وإقرار بالفضل وأمل يحدونا أن نستعيد نسق التحرر الغائب “عمال وفلاحين ومثقفين وطلبة”، وما أشد حاجتنا جميعا للتعلم من الطبقة العاملة، أو كما أوجز المفكر الراحل محمود أمين العالم: “إن الطبقة العاملة المصرية ليست في حاجة إلى شفقة أو عطف من أحد، إنما تحتاج منا إلى إدراك وتفهم لدورها ولمكانتها في صناعة وتجديد حياتنا”.