مجلة التحالف| هل سيتكلف الاقتصاد العالمي تريليون دولار بسبب حرب غزة؟
بقلم / يحيى الجعفري
كشف المحللون بوكالة بلومبيرغ الاقتصادية ، أنه إذا توسعت دائرة الحرب إلى مواجهة مباشرة بين جبهة الاحتلال من جانب وانضمت إيران إلى جبهة المقاومة، فقد يرتفع سعر النفط من حوالي 90 دولارًا إلى 150 دولارًا للبرميل، ما قد يؤدي إلى انخفاض النمو العالمي بنسبة 1.7%، وهو ما يعادل تريليون دولار، ما يؤدي إلى انخفاض الدولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ويعد الشرق الأوسط في الوقت نفسه منطقة مليئة بالصراعات، كما أنه أحد أهم منتجي النفط والغاز على مستوى العالم. ولذلك فإن التطورات الجيوسياسية في هذه المنطقة لها أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي يتأثر بشدة بأسعار الطاقة.
ووفقاً لتحليل أجراه جيل بوفمان، كبير الاقتصاديين في بنك لئومي، بنك في الأراضي المحتلة، فإن الارتفاع الأخير في أسعار النفط من 86 دولاراً إلى 93 دولاراً للبرميل يشير إلى أن تأثير الحرب ينعكس بالفعل على أسعار الطاقة العالمية.
و أكد بوفمان أن امتداد القتال إلى ساحات إضافية وتورط أطراف أخرى في الشرق الأوسط يشكل خطرا حقيقيا على أسعار الطاقة، ويضيف أنه إذا تصاعد الأمر إلى صراع أوسع يشمل الولايات المتحدة وإيران، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليل قدرة إيران على تصدير النفط، سواء من خلال الوسائل القانونية أو عن طريق التحايل على العقوبات، ووفقا لبوفمان، فإن مثل هذا التطور من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في المعروض العالمي من النفط الخام.
ويضيف بوفمان أن مجال القلق الآخر هو العلاقات الأمريكية السعودية “التي تعتمد إلى حد ما على التقدم نحو اتفاق سلام مستقبلي مع إسرائيل. وإذا توقفت هذه العملية، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من التوترات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، كما أن زعزعة الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك التطورات المتعلقة بالمرور الحر للناقلات في مضيق هرمز، يمكن أن يؤدي أيضًا إلى الإضرار بإجمالي العرض العالمي، ومن المتوقع أن يصل سعر خام برنت إلى حوالي 90 -95 دولارًا بحلول نهاية العام.”
ووفقاً لبوفمان، فإن الحرب قد تؤثر أيضاً بشكل كبير على أسعار الغاز الطبيعي، وفي الولايات المتحدة، تجاوز سعر المليون وحدة حرارية بريطانية عتبة 3.4 دولار.
وفي أوروبا، كانت هناك زيادة أكثر حدة عندما ارتفعت أسعار TTF، وهو عقد مستقبلي للغاز الطبيعي، من 30 إلى 54 يورو لكل ميجاوات/ساعة منذ يوليو الماضي، ويشير تحليل بوفمان إلى أن الزيادة السريعة في الأسعار تعكس صدمات في جانب العرض.
وفي أوروبا، كان هناك تأثير كبير على خط أنابيب الغاز الطبيعي تحت الماء، وهناك شكوك بشأن احتمال حدوث تخريب في جزء يبلغ طوله 77 كيلومتراً بين إستونيا وفنلندا، والذي يلعب دوراً حاسماً في توريد الغاز إلى أوروبا من النرويج.
و في الوقت الحالي، تشير التقديرات إلى أن إصلاح الأضرار واستعادة خط الأنابيب سيستغرق عدة أشهر.
وناقش بوفمان أيضًا وقف تدفق الغاز من خزان تمار، ثاني أكبر خزان في دولة الاحتلال، بسبب قرب الخزان من ساحل غزة واحتمالية التعرض لهجمات، وتعد شركة شيفرون الأميركية أكبر مساهم فيه.
ويقول بوفمان إن “تمار قامت بشكل استباقي بإيقاف تدفق الغاز، ما أدى إلى توقف الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط، ومن المتوقع أن يؤثر ذلك على تصدير مصر للغاز الطبيعي إلى أوروبا ودول أخرى.
وعلى الرغم من أن مصر ليست مصدرا كبيرا لكن رئيس البنك يرى ان العواقب ستكون سلبية. وحذر من التوترات الجيوسياسية على دول الخليج مثل قطر، وهي مصدر رئيسي للغاز، فقد يكون لذلك آثار أخرى على أسعار الغاز العالمية.
أخطر وقت منذ عقود
قامت بلومبيرغ بتحليل ثلاثة سيناريوهات محتملة يمكن أن يكون لها تأثيرات متفاوتة على أسعار الطاقة والتضخم العالمي والنمو العالمي ونشاط المستثمرين.
السيناريو الأول، والأكثر تفاؤلاً على الإطلاق، هو حرب محدودة ومحلية، تتركز في قطاع غزة، وقد يشمل ذلك غزوًا بريًا لجيش الاحتلال لقطاع غزة، إلى جانب الأعمال العدائية العرضية والأعمال العسكرية على الحدود اللبنانية.
وفي هذا السيناريو، تتوقع بلومبيرغ أن إيران، التي زادت إنتاجها النفطي بمقدار 700 ألف برميل يوميًا هذا العام مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية، ستخفض الإنتاج لزيادة الضغط العالمي على حكومة الاحتلال، ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع سعر برميل النفط بمقدار 4 دولارات، وضمانة عدم حدوث تغيير في مؤشر الخوف VIX، وزيادة التضخم العالمي بنسبة 0.1%، وانخفاض مماثل في النمو العالمي.
أما السيناريو الثاني فهو حرب غير مباشرة بين الاحتلال وإيران، تنطوي على حرب واسعة النطاق على جبهات متعددة داخل الأراضي المحتلة، والضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، إلى جانب عدم الاستقرار العام في الشرق الأوسط، ما من شأنه أن يؤثر أيضاً على مناطق أخرى من العالم، مثل مصر وتونس، وفي هذا السيناريو، سيقفز برميل النفط بمقدار 8 دولارات، وسيرتفع مؤشر الخوف بمقدار 8 نقاط. وسيرتفع التضخم بنسبة 0.2%، وينخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.3%.
ولكن السيناريو الأكثر خطورة وتشاؤماً هو نشوب حرب مباشرة بين الاحتلال وإيران، وبينما تؤكد بلومبيرغ على ضعف احتمال حدوث مثل هذا السيناريو، فإنها تسلط الضوء عليه أيضًا باعتباره الأخطر، وقد ينطوي مثل هذا السيناريو أيضاً على حرب إقليمية شاملة، بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة، وجميع الدول العربية في المنطقة التي تعتمد اقتصادياً على إيران، مثل سوريا ولبنان.
ويهدد مثل هذا السيناريو بزعزعة استقرار أسعار الطاقة العالمية، ذلك لأن دول الخليج مسؤولة عن نحو 20% من إنتاج النفط العالمي، كما أن هناك مخاوف من أن تغلق إيران، في هذا السيناريو، مضيق هرمز، الذي ينقل عبره ما يقرب من خمس النفط العالمي اليومي. وإذا حدث ذلك فمن المرجح ألا ترتفع أسعار الطاقة إلى أربعة أضعاف، كما حدث رداً على الحظر النفطي العربي أثناء حرب يوم الغفران في عام 1973، ولكن برميل النفط قد يرتفع بمقدار 64 دولاراً، ليصل إلى 150 دولاراً للبرميل.
وفي هذا السيناريو، يقفز مؤشر الخوف بمقدار 16 نقطة، ويرتفع التضخم بنسبة 1.2%، وينخفض الناتج العالمي بنسبة 1%. ويعكس هذا السيناريو مخاوف راي داليو، مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم، بريد جووتر، من أن الصراع بين إسرائيل وحماس قد يدفع العالم إلى حرب عالمية ثالثة. وأعرب جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، عن هذا القلق قائلاً: “قد يكون هذا هو أخطر وقت شهده العالم منذ عقود.