مجلة التحالف| مشروع قانون الإجراءات الجنائية: تهديد للحقوق والحريات
بقلم / علي سليمان – المحامي بالنقض وعضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
إن جوهر الديمقراطية في أي دولة، سواء كانت متقدمة أم لا، يكمن في قدرة الحكومة على فرض قوانين تسهم في تحقيق مصالحها الخاصة، وفي الوقت ذاته يحظى الشعب بالحق في مراقبة هذه القوانين وحمايتها من أي تعديات قد تمس حريته أو تقيّد حقوقه المكتسبة عبر التاريخ. وفي ظل هذا النظام، يأتي مجلس النواب ليكون الجسر الذي يربط بين الحكومة والشعب، حيث يعمل كجهة رقابية تضمن عدم تجاوز السلطة التنفيذية على حقوق المواطنين أو تقليص حرياتهم.
لكن ما نراه اليوم في مصر هو أمر مختلف، ففي مفاجأة غير متوقعة، يتبنى مجلس النواب مشروع قانون جديد في الإجراءات الجنائية، وهو القانون الذي لا يعكس روح الديمقراطية ولا يحترم حقوق الشعب المصري، بل إنه يتجه بشكل صارخ لتكبيل الشعب وسلبه حقوقه ومكتسباته التاريخية. المشروع الجديد لا يقتصر على الإضرار بحقوق المواطنين فحسب، بل يقدم مساحة واسعة للسلطة التنفيذية للتجاوز على حقوق الأفراد، ويعطيها صلاحيات لم تكن تملكها من قبل. ولذا فإن هذا القانون يعد بمثابة صدمة قانونية لم يعرفها الشعب المصري من قبل.
أمثلة على النصوص القانونية في المشروع الجديد
لنأخذ بعض المواد في مشروع القانون التي تمثل اعتداءات صريحة على حقوق الأفراد. على سبيل المثال، المادة (22) من المشروع تثير الكثير من الجدل، حيث تجيز التصالح في الجرائم المتعلقة بالاعتداء على المال العام. ويتيح النص للمُتهمين بالاعتداء على المال العام إمكانية التصالح في أي مرحلة من مراحل الدعوى، بشرط تشكيل لجنة من الخبراء تعتمدها الحكومة. هذه المادة تهدد بشكل واضح الحماية القانونية للمال العام، كما أنها تتعدى على دور النيابة العامة، التي تعتبر الجهة المخولة بمقاضاة الجرائم المالية، وتمنح بدلاً منها لجنة إدارية سلطات لا ينبغي أن تكون لها. وبموجب هذه المادة، يمكن للمتهمين الذين تم إدانتهم في قضايا الاعتداء على المال العام أن يتصالحوا مع الجهات المعنية ويعترفوا بتلك المبالغ المالية دون أي عقوبات حقيقية، ما يفتح الباب أمام المتهمين للمماطلة والتهرب من المحاسبة.
أما في المادة (25) من مشروع القانون، فإن تعريف مأموري الضبط القضائي يتسع بشكل غير معقول، حيث يتضمن جميع فئات العاملين في الشرطة، من ضباط الشرطة إلى المساعدين والعمد والمشايخ، إضافة إلى موظفي الأمن الوطني. ما يعني أن هؤلاء الأشخاص سيحصلون على صلاحيات واسعة قد تصل إلى جمع الأدلة والشهادات من المواطنين، بل والاستعانة بالأطباء والخبراء. والمشكلة هنا تكمن في أن هؤلاء الأفراد قد لا يكونون على دراية كافية بالقانون والدستور، وبالتالي فإن منحهم صلاحيات قانونية قد يؤثر سلبًا على سلامة الإجراءات القضائية وحقوق المواطنين.
أما المادة (31) من المشروع، فقد سمحت لهذه الفئات الواسعة من مأموري الضبط القضائي بجمع الاستدلالات وسماع أقوال الشهود من دون أن يتم تحديد ضوابط دقيقة لذلك. كما أن المادة تسمح لهم بالتعامل مع الشهادات والأدلة بشكل غير قانوني في بعض الحالات، ما يعزز الفوضى القانونية ويضر بحقوق الأفراد في محاكمة عادلة.
القلق من صلاحيات واسعة لمأموري الضبط القضائي
إحدى أهم القضايا التي يثيرها هذا المشروع هي منح صلاحيات ضخمة لمأموري الضبط القضائي دون أن تكون هناك ضمانات كافية لضمان حسن تطبيق هذه الصلاحيات. فحتى لو كانت لديهم نية حسنة، فإن الحقيقة أن الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المادة (25) لا يمتلكون بالضرورة الفهم الكافي للقوانين الدستورية وحقوق الأفراد. وبالتالي، فإن السماح لهم بالتدخل في حقوق المواطنين دون رقيب أو ضابط قانوني قد يؤدي إلى انتهاك واضح للحقوق والحريات، ويزيد من تدهور الثقة في النظام القضائي.
العدد الكبير من المواد المؤذية للحقوق والحريات
يحتوي مشروع القانون على أكثر من 500 مادة، العديد منها ينتهك الحقوق الأساسية للمواطنين، وهو ما يثير التساؤلات حول الغرض من تمرير هذا المشروع في هذا الوقت الحساس. فالقانون لا يعزز حقوق الأفراد ولا يحمي حرياتهم، بل على العكس، يوسع صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب حقوق المواطنين ويمنحها أدوات إضافية للضغط عليهم.
الموافقة على القانون من قبل نواب الشعب
الغريب أن مجلس النواب، الذي من المفترض أن يمثل صوت الشعب ويدافع عن حقوقه، قد وافق على هذا المشروع الذي يتناقض مع مصالح المواطنين. فالقانون الذي يناقش الإجراءات الجنائية يعد من أهم القوانين في الدولة، إذ يتعامل مع الحريات الشخصية للمواطنين، ويتطلب اهتمامًا دقيقًا من جميع الأطراف. لكن المشروع الذي تقدمه الحكومة لا يعكس أي احترام لحقوق المواطنين ولا يعزز من أية ضمانات قانونية لسلامتهم أو حريتهم. فمن المدهش أن نواب الشعب يتبنون هذا المشروع رغم الخطر الكبير الذي يهدد به حقوق المواطنين، بل إن الموافقة عليه تهدد مصير النظام القضائي في البلاد.
الخلاصة
إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يشكل تهديدًا خطيرًا على حقوق وحريات الشعب المصري، ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات غير محدودة في التأثير على الإجراءات القانونية. وعلى الرغم من أن مشروع القانون يتضمن العديد من المواد التي تهدد الأمن الشخصي للأفراد، فإن الموافقة عليه من قبل نواب الشعب تشكل صدمة قانونية. في النهاية، إذا تم تمرير هذا القانون، سيكون بمثابة تقويض مباشر للحقوق والحريات في مصر، ما يستدعي من الجميع الوقوف بحزم ضد هذا المشروع لحماية الدولة المصرية ومواطنيها من أي تجاوزات قانونية قد تحدث مستقبلاً.