مجلة التحالف| تعديل قانون الإيجار القديم حلقة جديدة في الهجوم على الحق في السكن
بقلم / د. زهدي الشامي – رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
فُجِّرت مرة أخرى معركة قانون الإيجار القديم في مصر بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الأولى والثانية من القانون رقم 186 لسنة 1981 بشأن إيجار الأماكن. وكالعادة، تحاول مجموعات الملاك ذات النفوذ استغلال هذا الحكم للالتفاف حول قانون الإيجار القديم بمجمله، سعيًا وراء تحرير العلاقة الإيجارية بالكامل والتحول لما يسمى علاقات السوق، على نسق ما حدث عند إصدار قانون الإيجار الجديد عام 1996، الذي قضى بالتحول في العلاقة الإيجارية إلى القانون المدني.
وتعكس تلك التحولات الكبيرة في سوق السكن التغير الكبير للغاية في السياسة الاقتصادية والاجتماعية، مع الأخذ بفلسفة وتوجهات الليبرالية الجديدة في شكلها الأشد تطرفًا، والذي يتناقض جذريًا مع أي اعتبارات للعدالة الاجتماعية التي نص عليها الدستور المصري. وفي الحقيقة، فإن أي متابعة بسيطة لتاريخ تطور التشريعات المنظمة لإيجار الأماكن تظهر بوضوح أنه، وخلافًا لادعاءات المجموعات التي وقفت وراء تلك التحولات، وآخرها الحملة الحالية، من أن قوانين الإيجار هي ميراث شيوعي وناصري يعود لثورة يوليو وخلافه، فإن تدخل الدولة لتنظيم العلاقة الإيجارية سابق بسنوات طويلة على ثورة 23 يوليو، ويعود للعهد الملكي.
تميز هذا العهد بدوره بغلبة الفلسفة الاقتصادية الليبرالية، ولكن ليبرالية تلك الأيام لم تكن بهذه الدرجة من التوحش والجمود العقلي الذي تتسم به الليبرالية الجديدة المتوحشة في مصر اليوم. ومن حيث المبدأ، فقد اتجه المشرع في مصر منذ عام 1920 إلى التدخل لتنظيم العلاقة الإيجارية بتحديد الأجرة وتقرير مبدأ امتداد العلاقة الإيجارية، وعدم إخلاء المستأجر ما دام لم يخل بالتزاماته. وتم تأكيد ذلك في عدد من القوانين، كان آخرها في العهد الملكي القانون رقم 121 لسنة 1947.
بالطبع، مثل صدور قانون الإيجار الجديد في عام 1996 تحولًا جذريًا عن الفلسفة المتبعة طوال ما يقرب من سبعين عامًا، وأطلق العقال للسوق المنفلت من أي ضوابط، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات في مصر إلى مبالغ فلكية لا تقل عن عدة آلاف للشقق غير الفاخرة، وأصبحت أجرة السكن غير متناسبة مع الدخل، سواء في الإيجار السكني أو للأغراض التجارية.
ويتعين أن نشير هنا إلى أن هذه الحملة الجديدة الواسعة ضد مستأجري الإيجار القديم، سواء السكني أو التجاري، الذين قد يصل عددهم إلى ما يتراوح بين 3 إلى 3.5 مليون مستأجر بأسرهم والعاملين في تلك الوحدات بما لا يقل عدده عن 12 إلى 15 مليون مواطن، ليست الحملة الوحيدة التي يواجهها المستأجرون وعموم الساكنين في مصر، والتي تعصف بحقهم المشروع في السكن. فقد شهدت الأعوام الأخيرة توسعًا غير مسبوق في الهجوم على مساكن المواطنين بالإزالة، بأسباب ومبررات واهية تتذرع بالمصلحة العامة في مختلف مناطق البلاد، بينما كان يقف خلفها أحيانًا مخططات استثمارية خاصة مصرية وخليجية وأجنبية تطمع في الأراضي التي شُيِّدت عليها مساكن هؤلاء الساكنين، أو مخططات عبثية غير مدروسة للدولة ذاتها للتوسع في طرق ومحاور بشكل مبالغ فيه للغاية، مما أدى إلى طرد مئات الآلاف من المواطنين وإزالة منازلهم.
إن الأمثلة كثيرة للغاية، وأشهرها جزيرة الوراق، التي يدافع أهلها منذ سنوات عن حقهم في البقاء في أرضهم ومسكنهم وأعمالهم، في مواجهة حملات تعسفية متواصلة من السلطات الحاكمة. ولكن تلك الممارسات التعسفية تكررت في أماكن كثيرة، منها نادي الصيد بالإسكندرية، وترعة المحمودية بالإسكندرية والبحيرة، والعريش، ونزلة السمان وشوارع أخرى بالجيزة.
ما زالت المعركة الراهنة حول تنفيذ حكم الدستورية الأخير مستمرة في انتظار صدور تشريع يترجم هذا الحكم. وفي حين يحاول لوبي الملاك والملاك الجدد، الذين اشتروا عقارات كثيرة في وسط البلد بأسعار رخيصة، استغلال الحكم كما قلنا لتحرير العلاقة الإيجارية، إما بشكل مباشر أو بفرض زيادات باهظة على الأجرة تؤدي في النهاية لنفس النتيجة، يتمسك المستأجرون بالتفسير المضبط للحكم، وهو أنه يخص فقرتين فقط من مادتين تتعلقان بلجان تحديد الأجرة، وأنه يسري فقط على المباني المنشأة بعد إصدار القانون رقم 136 لسنة 1981، وأن أي زيادات للأجرة ينبغي إذا تقررت أن تكون زيادات قانونية بتشريع، ولا تتجاوز في نسبتها ما تم العمل به بالنسبة للإيجار للأغراض التجارية.
ولا زالت المعركة مستمرة، وهي إحدى المعارك الاجتماعية الهامة للغاية، ليس فقط لأنها تؤثر بشكل مباشر على حياة حوالي 15 مليون مواطن، يمثل التعدي على حقهم في السكن خطًا أحمر يهدد الأمن الاجتماعي، بل لأن إطلاق العقال لمزيد من الارتفاعات المنفلتة في سوق الإيجارات والعقارات المنفلتة أصلاً، سيؤدي إلى موجة تضخمية جديدة شديدة الخطورة، وسيؤدي إلى إغلاق مئات الآلاف من المنشآت التي تخدم ملايين المواطنين بأسعار شبه مقبولة في ظروف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وسيؤدي هذا كله إلى استحواذ الريع والريع العقاري على نصيب متصاعد للغاية من الدخل القومي، وهذا أمر مخرب للنشاط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية للبلاد.
هذا وقد أكدت ورشة العمل التي نظمتها الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية ورابطة المستأجرين بمقر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي على الخطوط والمبادئ العامة التالية في معالجة الأزمة الراهنة وتفسير حكم المحكمة الدستورية الأخير:
– التنفيذ الأمين والمتزن لحكم الدستورية، ورفض أي محاولة مشبوهة لاستغلاله لإصدار تشريعات غير دستورية.
– وبشكل خاص تم التأكيد على امتداد العقد لجيل واحد لزوجة المستأجر وأبنائه.
– الرفض القاطع لما يسمونه أسعار السوق أو إعادة تقييم الأجرة على أساس المناطق.
– إن الحكم يقتصر على المباني التي تم تشييدها بعد صدور القانون رقم 136 لسنة 1981، أي بعد 31 يوليو عام 1981.
– إن التفسير الصحيح للحكم بالنسبة للمباني التي تم تشييدها بعد هذا التاريخ وطبقت عليها تخفيضات للأجرة بواسطة لجان تحديد الأجرة هو العودة للقيمة التي كان متفقًا عليها رضائيًا بين الطرفين في العقد الأصلي.
– في حالة تمت زيادة الأجرة بسبب أي اعتبارات ضاغطة، فيجب التفاوض المجتمعي حول ذلك بحيث لا تزيد نسبة الزيادة بأي حال من الأحوال عن النسبة التي تم الأخذ بها في الإيجار للأغراض التجارية.
تنويه: تم نشر هذا الموضوع ضمن العدد الأخير من مجلة التحالف