مجلة التحالف| أهالي جزيرة الوراق.. مازالت المعركة مستمرة تجسيداً للصراع بين قوة الدولة ومقاومة الأهالي
بقلم / وائل توفيق – أمين العمل الجماهيري بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي
بعد أن أصبحت الأراضي والاستثمار العقاري المصدر الأهم للثروة في مصر، وأصبحت سياسة الدولة الأبرز هي تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال، بأي طريقة ومن أي جهة، وهو ما مكن شركات العقارات الكبرى من الحصول على مبتغاها من الأراضي، حتى لو كانت مأهولة بالسكان كمناطق (ماسبيرو وجزيرة الوراق وأجزاء كبيرة من منشية ناصر)، أو مستخدمة خدمات (كمواقف السيارات والحدائق والمتنزهات)، هذا بخلاف أراضي وضع اليد والنواصي والساحات المفتوحة، حيث أصبح من الطبيعي أن تميل كفة الصراع الاجتماعي حول الأراضي إلى جانب شركات الاستثمار العقاري.
فكان تميز موقعي جزيرة الوراق “في وسط نيل القاهرة” ومنطقة ماسبيرو على النيل مباشرة، سبباً في تصميم الدولة على انتزاعهما، بعد أن تم الاتفاق مع شركة إعمار الإمارتية للحصول على الجزيرة، لإقامة منتجع سياحي سعت الشركة لتنفيذه منذ العقد الأخير لحكم مبارك، بالرغم من عدم تصنيفها كعشوائيات، وكذلك الأمر بالنسبة لماسبيرو، والتي اهتمت شركة أٌرٌسكوم العقارية للحصول عليها وتهجير ساكنيها، لإقامة مجموعة أبراج بالقرب من كورنيش النيل، ومجاورة لمبنى التليفزيون المصري ووزارة الخارجية، بدعوى التطوير.
ظل الصراع الاجتماعي متمحوراً حول الأرض، وجعل من الاستثمار العقاري أضمن استثمار مربح، في ظل عدم تطور قوى الإنتاج في مصر، وتراجع اهتمام الدولة بالصناعة والزراعة، أصبح الصراع على الحيز العام والخاص هو الأقرب للمخيلة العامة.
ولهذا فالتناحر والنزاع هو حول المساحات المشتركة، مثلما هو الحال في المناطق العشوائية أو مواقف الميكرو باصات والتكاتك، أو فرض إتاوات على مساحات ركن سيارات النقل… قادت علاقات الإنتاج القائمة وتخلّف قواها إلى قمع حق الفقراء في المدينة وإمكانية تمددهم المخطط والمنظم، حيث يحتكر أصحاب الأموال والبيروقراطية والأجهزة الأمنية والجيش هذا التوسع لأنه يمثل ثروات مهولة.
اشتد الصراع على الأراضي منذ 2005، بين طرفين هما؛ الدولة والمستثمرون من جانب، والسكان من جانب آخر. حيث مارست السلطة كافة أشكال القمع لإجبار سكان المناطق على التخلي عن أراضيهم.
لا تختلف استراتيجية النظام الحالي وأهدافه عن المحاولات السابقة للحكومات المختلفة في عهد مبارك، وبالأخص حكومة نظيف ومجموعة رجال الأعمال التي التفّت حول جمال مبارك ومشروع التوريث، فما يقوم به ليس جديداً بالكلية، ولكنه كان النظام الأوفر حظاً، حيث توفرت له الإمكانيات والظروف المناسبة للقمع والعنف الأمني المطلوب لممارسة عمليات الإخلاء القسري.
المقاومة السلميّة (اللاعنفية) أو العمل السلمي، هي نوع من المقاومة الذي يسعى إلى تحقيق الأهداف، مثل إحداث التغيير الاجتماعي، عبر الاحتجاجات الرمزية أو العصيان المدني أو عدم التعاون الاقتصادي أو السياسي، أو أيّ طريقة أخرى تتصف باللاعنف.
وفي هذا السياق تأتي مقاومة أهالي جزيرة الوراق للحفاظ على بيوتهم وأراضيهم، لكن لم يأتي رد الفعل من قبل الدولة المصرية كما يجب؛ ومن الواضح أن النظام المصري لا يعرف سوى لغة العنف، ضد كل من يقف في مواجهة قرارته الهادفة إلى إحلال المناطق المتميزة لصالح الأغنياء.
فمنذ كلمة الرئيس السيسي في 2017، والتي تحدث فيها عن “ضرورة إزالة التعديات على أملاك الدولة”، شهدت جزيرة الوراق صدامات عنيفة ومستمرة بين أهالي الجزيرة وقوات الشرطة كان آخرها في نوفمبر الماضي. على خلفية افتعال مناوشات بين رجال الشرطة المتمركزين على مداخل ومخارج المعديات، لتكرار محاولات الإخلاء القسري لأهالي الجزيرة، تمهيداً لتحويلها إلى منطقة استثمارية تضمّ أبراجاً وفلل لمن يستطيع أن يدفع.
لم يتوقف الأمر عند حدود الصدام بين قوات الشرطة وأهالي الجزيرة، وإنما لجأت الحكومة في سبيل ابتزازها للسكان إلى: إغلاق المعديات الرئيسية التي تربط الجزيرة بما حولها؛ فأصبح الدخول والخروج من الجزيرة معاناة يومية، يعيشها أهالي الجزيرة منذ ما يقارب من ثمانية أعوام، حيث تقوم بتفتيش السكان في الدخول والخروج، ومطاردة شباب الجزيرة وتحويلهم إلى مشتبه فيهم دائماً، حيث أصبح كل من يحمل رقم قومي بمحل إقامة جزيرة الوراق مشتبه فيه! وذلك للضغط على الأهالي كي يتركوا منازلهم وأراضيهم.
كما قامت الحكومة؛ بهدم الوحدة الصحية والوحدة البيطرية والوحدة المحلية ومكتب البريد والجمعية الزراعية ومركز الشباب. ومنعت صيادي الجزيرة من الصيد في النيل، وفرض غرامات على من يحاول.
كما عملت الأجهزة الأمنية على دفع عدد من البلطجية لسرقة منازل الجزيرة المملوكة لعدد من الأهالي الذين يقيمون بمناطق خارج الجزيرة وقريبة من محل عملهم، ويأتون إليها في أوقات متباعدة للقاء أهاليهم من عائلات الجزيرة، حيث تشمل عمليات السرقة تلك حتى الأبواب والنوافذ، وهو ما يجعلها تبدوا في حالة المساكن غير المأهولة. وذلك بهدف الضغط على أصحاب تلك المنازل للتنازل عنها، والقبول بما يعرض عليهم من تعويضات مهما كانت لا تساوي القيمة الحقيقية.
ممارسة الضغوط على القيادات الطبيعية من أهالي الجزيرة لإخلائها، وترويج لغة تهديدية، من قبيل “من لا يقبل يتنازل الأن سيطرد رغماً عنه ولن يحصل على مليم” .. كذلك “سيتم تلفيق عدد من التهم الجنائية لكل من لا يمتثل ويترك منزله والجزيرة، خصوصاً من يقومون بمطالبة الأهالي بعدم الإخلاء” كما يقومون بتذكيرهم ب ال 35 متهم ممن قامت أجهزة الدولة بتلفيق التهم لهم وحكم عليهم بالمؤبد قبل أن يمنحهم الاستئناف البراء وفقاً لصفقة أبرمت بين الدولة وعدد من أهالي الجزيرة، والتي بموجبها أوقف أهالي الجزيرة مسيراتهم الليلية، التي كانوا يؤكدون على تمسكهم بمنازلهم وعدم التنازل.
كما أطلقت الدولة أبواق دعايتها من إعلاميين ولجان الكترونية؛ لتصويرهم بالبلطجية الراغبين في “آكل حق الدولة”.
ولكن وحتى الأن فشلت كل محاولتهم لتهجير الأهالي قسراً، أو حتى تشويه صورتهم، وذلك بسبب لجوئهم لاستخدام الإعلام البديل (وسائل التواصل الاجتماعي)، لنشر قصتهم عبر بث كأفة ممارسات الدولة وتوضيح حقيقة موقفهم قانونياً ودستورياً، وتكذيب كل ما يشاع عنهم، وعبر إطلاق مجلس عائلات الوراق البيانات التوضيحية، للرد على كل ما يبث من ادعاءات، وهو ما تجسد خلال الفترة الماضية بإطلاق حملات تضامن واسعة من أبناء الشعب المصري.
ويرجع صمود أهالي الجزيرة حتى اللحظة؛ وعدم نجاح الدولة في الحصول على مبتغاها إلى أمرين هامين:
الأول: تفشي وتنامي حالة “التضامن” فيما بينهم، حيث أعتبر غالبية الأهالي أن أي اعتداء على فرد من أهالي الجزيرة، هو اعتداء عليهم جميعاً، وذلك لإيمانهم بأن كل ما يحدث ما هو إلا طريقة للضغط عليهم، وقبول ترك منازلهم.
حيث يمثل التضامن الاجتماعي وحدة مجموعة أو فئة منتجة من أصحاب المصلحة المشتركة، كما تعمل على بناء علاقات مجتمعية تربط الناس معا كفريق واحد.
ويعزز التضامن فعالية الحركات الاجتماعية من خلال توحيد الأفراد حول أهداف مشتركة، مما يخلق هوية جماعية أقوى ويعزز أصواتهم. فعندما نجتمع معًا، ندرك أن معاركنا الفردية لها نفس الأسباب الجذرية، وأن الحل يكمن في هذا العمل المشترك. كما يمنحنا التضامن الفرصة للتعلم من بعضنا البعض ومن الحركة.
والثاني: هو “التنظيم”: وذلك بتشكيل (مجلس عائلات الوراق)، وهو الأمر الذي يعد أول طرق النجاح والقوة، وعلى الرغم من ضغط الدولة لتفكيك المجلس بزج بعض قادته في عدد من القضايا، وكذلك تهديد البعض منهم بمصدر رزقهم، مما دفعهم لتغيير استراتيجيتهم العلنية.
فالتنظيم هو عملية تحديد وتجميع العمل الذي يتعين القيام به، وتحديد وتفويض المسؤولية والسلطة وإقامة العلاقات بغرض تمكين الأشخاص من العمل معًا بشكل أكثر فعالية لتحقيق الأهداف.
تمثلت مقاومة أهالي الوراق في عدة صور من النضال، بما في ذلك الاحتجاجات السلمية، الاعتصامات، وتشكيل لجنتهم الشعبية المنظمة. بهدف الحفاظ على منازلهم وحقوقهم، والتصدي لمحاولات الحكومة لإجبارهم على ترك الجزيرة.
الدروس:
أدت مقاومة أهالي الجزيرة في الحفاظ على منازلهم ومصادر رزقهم حتى اللحظة، كما ساهمت حركتهم في زيادة الوعي بقضيتهم وجذب انتباه الرأي العام لمعاناتهم، وجعلت هذه المقاومة السكان يتحدون معًا ويعبرون عن وحدتهم ضد محاولات الهجرة القسرية.
كما كشفت حركتهم السلمية المعنى الأوضح لضرورة التعبير عن الرأي والمطالبة بالعدالة، والتأكيد على أهمية المشاركة المجتمعية، وضرورة الحوار المجتمعي كما ينص الدستور والقانون.
كما كشفت عن أهمية الوحدة والتضامن في مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف المشتركة، وتعلمنا أهمية الثبات على المبادئ والقيم والدفاع عن حقوقنا، في مواجهة الجبروت والطغيان. وتعلمنا أهمية الحوار المفتوح والتفاهم المتبادل في حل النزاعات وتحقيق التغيير.
تنويه: تم نشر الموضوع بالعدد الأخير لمجلة التحالف