ليلى سويف.. عن قلوب أمهات المحبوسين أمام باب السجن في انتظار الأمل (صورة العام)
كتب- محمود هاشم:
تطل الاحتفالات بعيد الأم، اليوم الأحد، لتذكرنا بتضحيات نساء يدفعن الثمن في صمت، ويبذلن أقصى مما في يتحملن في سبيل أبنائهن، تجدهن أمام النيابة وفي الانتظار أمام بوابات السجن وبكل جهة يطالبن بحرية ذويهن، وحقهم في الحلم بغد مختلف خارج أسوار الزنزانة، صورة واحدة كانت أصدق تعبيره عما يعانينه خارج الأسوار، بينما أبنائهن داخلها.
في منتصف مايو الماضي، ومع تزايد المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد، وخطره خاصة على السجناء، ذهبت المناضلة الأكاديمية الدكتورة ليلى سويف، وابنتها الناشطة منى سيف، إلى سجن طرة، حيث يقبع ابنها الناشط علاء عبدالفتاح، سجينا احتياطيا، للاطمئنان على أوضاعه داخل محبسه، دون طلب الكثير، فقط الاطمئنان عليه وإدخال محلول لمعالجة الجفاف وخطاب له، واستلام خطاب آخر منه، تزامنا مع مرور أكثر من شهر على إضرابه عن الطعام حينها.
طال الانتظار لساعات، بينما تجلس ليلى في العراء، انتظارا لرد من إدارة السجن، أعياها الإرهاق فتمددت أمام باب السجن، دون أن تبرح مكانها، لم يُحترم سنها ولا تاريخها العلمي، ولم تُراعى أمومتها، ولا قلبها المنهك الذي ينهشه القلق كل ليلة على ابنها السجين.
فوجئت أسرة علاء بإدارة السجن تقول لها إن الخطاب الذي كان من المقرر أن يستلمه طويل جدا، وطلبوا منها كتابة خطاب أقصر، وبالفعل كتبت خطابا أقصر، لكنها لم تتلق ردًا أيضا، ولم تعرف ما إذا كان الخطاب وصل إليه أم لا، ما دفع ليلى للإصرار على التأكد من تلقيه الخطاب ومحلول الجفاف، وتلقي الأسرة خطابا منه، طال وقت الانتظار، ليهنكها تعب اليوم المرهق، فتمددت أمام باب السجن.
كانت صورة ليلى سويف، التي نشرتها ابنتها منى سيف، حينها، رمزية معبرة عن معاناة أمهات السجناء المكلومات على أبنائهن، في انتظار خروجهم أو حتى مجرد رؤيتهم والاطمئنان عليهم.
“هل من الطبيعي والمنطقي أن تجلس بالساعات والأيام على باب السجن عشان جواب ومحلول جفاف، كل خطوة، كل إجراء، كل حق لازم ييجي على حساب صحتها ووقتها وطاقتها؟! وعلى حساب صحة وجسم وحياة علاء”، هكذا كتبت منى، واصفة وضع والدتها أمام بوابة السجن.
خاطبت منى النائب العام حينها، قائلة: “أين أنتم مما يحدث في السجون، والمعتقلين المضربين عن الطعام؟”، مضيفة: “إحنا مش بشر لها حقوق؟! بدل ما نقعد في البيت ناخد احتياطاتنا زي ما المفروض يحصل عشان الكورونا، قاعدين ع الرصيف وماما متشحططة ما بين السجن والنيابات بقالها شهر عشان تطمن على علاء”.
تدفع أمهات المحبوسين سياسيًا جزءا من ثمن تضحية أبنائهن وعملهم في المجال العام، فبينما يعاني ذويهم مرارة السجن، يواجهن الموت خارجها انتظارا لعودتهم، لكن ذلك لم يمنع المناضلة الأكاديمية من الصمود، حيث تقول في حوار سابق لـ”درب”: “عمري ما أبطل أروح لعلاء أو أشعر بملل، لكن ممكن أضرب عن الطعام أو اعتصم، لن أتوقف عن الذهاب لابني”.
وتضيف: “السجون مقفولة بطريقة فظيعة على الناس، الوضع صعب وسيئ على جميع المساجين، قفل الزيارة التام مع عدم وجود بدائل حقيقية، وكل شوية نظام وحاجة بتتقال، الوضع سيئ للغاية على الجميع”.
تحت الشمس الحارقة صيفا، وفي الأمطار المنهمرة شتاءً، لم تتوقف الأم ليلى سويف عن الوقوف على أبواب السجون في انتظار خطاب من ابنها علاء أو رسالة طمأنة من ابنتها سناء – المحبوسة أيضا في سجن القناطر – مواصلة مسيرة عمر كامل، مع أسرة اختارت دوما أن تكون على الجانب الصعب، جانب الحقيقة والدفاع عن حقوق الضعفاء والمظلومين حتى لو دفع أفرادها الثمن سنوات طويلة من عمرهم بالسجون أو على أبوابها منذ الأب سيف مرورا بالأبناء، لتبقى مقولة أحمد سيف عن أنه أورث أبناءه وجيلهم السجون تعبيرا عن نصف الميراث الذي تركه وهو الكرامة والمثابرة والنضال وحب الناس .
ويواجه علاء، اتهامات في القضية رقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، اتهامات ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها.
كان علاء قضى فترة السجن 5 سنوات في الفترة من 2013 وحتى نهاية 2018، على خلفية حكم حبسه في القضية المعروفة إعلاميا باسم (أحداث مجلس الشورى).
أما سناء سيف، فقد ألقت قوة أمنية ترتدي زيا مدنيا القبض عليها، في 23 يونيو الماضي من أمام مبنى النائب العام أثناء تقديمها وأسرتها وبرفقتها عدد من المحامين شكوى ضد الاعتداء عليهن أمام سجن طرة أثناء محاولتهن الحصول على جواب من علاء عبد الفتاح، ثم ظهرت أمام نيابة أمن الدولة العليا كمتهمة وتم توجيه لها تهم نشر أخبار كاذبة والترويج لأفكار إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإساءة استخدام موقع علي شبكة الإنترنت لنشر وترويج للأفكار الإرهابية، وتمت إضافة تهمتين جديدتين، هما إهانة مقدم شرطة (محمد النشار) بالقول أثناء تأدية وظيفته، سب مقدم شرطة (محمد النشار) عن طريق النشر بألفاظ تتضمن خدشاً للشرف والاعتبار في 9 أغسطس الحالي، رغم تقدم محاميي سناء بشكوى ضد الضابطين في 23 يونيو، ولم تستمع النيابة لأقوالها.
وحتى يحين موعد اللقاء مع ابنيها خارج أسوار الزنزانة، نجدد التحية والشكر لليلى وجميع أمهات السجناء، على ما تحملن من تعب وما بذلن من جهد، وما يدفعن من أعمارهن في طوابير الانتظار في الحياة وأمام بوابات السجون، أملا في نظرة أو خطاب يطمئن القلوب الحالمة بغد أفضل، والواثقة بأن الفرج قريب.