للمرة الأولى منذ عقود.. كنيس “إلياهو هانبي” بالإسكندرية يستضيف أكبر صلاة يهودية بمصر
أقام حوالي 180 يهوديًا من أصل مصري، مساء أمس، احتفالا داخل كنيس إلياهو هانبي، الذي تم ترميمه في القرن الرابع عشر في الإسكندرية، في أكبر تجمع صلاة يهودي في مصر منذ عقود.
جاء ذلك بعد عمليات ترميم استغرقت ما يقارب 3 سنوات، حيث افتتح المعبد اليهودي قبل بضعة أسابيع في حفل رسمي، بحضور وزير الآثار خالد العناني، ومسئولين يهود، بتكلفة أكثر من 4 ملايين دولار، بعد انهيار السقف والدرج الخاصين به في 2016.
ووفقا لصحيفة “تاميز أو إسرائيل” العبرية، قال عضو مجلس إدارة جمعية النبي دانيال أليك ناكامولي، أن 4 أو 5 فقط يقيمون حاليا في الإسكندرية منذ السبعينات والثمانينات، وكانت المدينة تضم 12 معبدًا يهوديًا، لكن تم بيع معظمها على مر السنين لدعم الجالية اليهودية هناك، وبنيتها التحتية ومؤسساتها.
وكان قوام المجتمع اليهودي في القاهرة يبلغ 80 ألف شخص، وله جذور تعود إلى العصور القديمة، بينما يبلغ اليوم أقل من 20 يهوديًا، وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، وعد الرئيس عبدالفتاح السيسي ببناء المعابد اليهودية الجديدة إذا عاد اليهود إلى مصر، كما تعهد أيضًا باستعادة مقبرة البساتين في القرن التاسع، وهى أقدم مقبرة يهودية في العالم.
وفي 23 يناير من هذا العام، أطلقت السفارة الأمريكية بالقاهرة مشروعا للحفاظ على تراث مقابر اليهود بمنطقة البساتين، التي تضم عددا من أقدم مقابر اليهود في العالم، بتمويل من صندوق سفراء الولايات المتحدة للحفاظ علي التراث الثقافي، وقالت إنه سينفذه مركز الأبحاث الأمريكي في مصر بالتعاون مع Drop of Milk، وهي منظمة مكرسة للحفاظ على التراث اليهودي في مصر.
ألبرت آري، اليهودية الشيوعية المصرية، ذات التسعين عاما، ترفض مغادرة مصر، رغم سجنها مرات عدة، قائلة: “أنا مصرية، أين يجب أن أذهب؟”، ويعد ابن ألبرت “سامي” البالغ من العمر 53 عامًا، هو نفسه رئيس منظمة Drop of Milk.
وأنشئت منظمة Sammy’s Drop of Milk في عام 1921 كمنظمة غير حكومية خيرية مكلفة بدعم الجالية اليهودية، وأعيد إحياؤها مؤخراً في عام 2014، بهدف الحفاظ على التراث اليهودي في البلاد، وانتقلت زوجة سامي، المولودة في فلسطين، مروة، معه إلى القاهرة قادمة من غزة في عام 2008، وهي نشأت في أسرة كانت شيوعية ومسلمة، وانضمت إلى منظمته، مؤكدة أن “اليهود ليسوا جميعًا صهاينة”.
لم يكن بإمكان سامي أن يتخيل أنه سيكون هناك الآن مركز اجتماعي ناجح ينفد من المدرسة الإسرائيلية القديمة ، أو أن الكنيس اليهودي في شارع عدلي بوسط القاهرة، سيكون مفتوحًا بانتظام لخدمات الصلاة والجولات.
وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات، كانت تعيش فى مصر عامة، وفي مجتمع الإسكندرية خاصة، جاليات وطوائف من أجناس مختلفة قبل نحو 150 عاما، انصهرت دماؤهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم فى بوتقة واحدة وفي نسيج إنساني مميز ترعرع ونما بحب تحت عباءة الإسكندرية السمحة، فكانوا يتفاخرون بهويتهم المستمدة من ظلال تلك العباءة.
عاشت هذه الجاليات والطوائف جنباً إلى جنب مع السكندريين، وبرغم ذلك حافظت كل جالية وطائفة على عادتها ولغتها وحياتها الاجتماعية وشعائرها الدينية ومناسك عباداتها وتاريخها ، وحتى المقابر الخاصة بها.. كانت الفرنسية هي اللغة الرسمية بين الجاليات ولعبت هذه اللغة دورا أساسيا في توحيدهم، كما كان معظمهم يعرف شيئا من العامية المصرية بحكم الاحتكاك اليومي المباشر.
وتعد الطائفة اليهودية في الإسكندرية مثالاً قوياً على هذه الحالة، حيث تمتع اليهود بكامل حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وبناء المعابد الخاصة لأدائها، وقد ساندتهم الحكومة المصرية في تيسيرات البناء ومنحهم الأرض مجاناً ، مما أسهم في انتشار المعابد اليهودية في القاهرة والإسكندرية.
وحتى عام 1930 كان هناك 20 معبدا في الإسكندرية تنتمي إلى أعراق ومجتمعات متباينة ما بين يهود مغاربة وأتراك وإيطاليين وإسبان وفرنسيين ويهود مستعربين.
وكان للطائفة مجلس عام يتكون من حاخام باشي، ونائب الحاخام، ورئيس، ونائبه، وسكرتير. واتخذت الطائفة من معبد «إلياهو هنابي» بشارع النبي دانيال مقراً لها، وهو من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية.
المعبد الذي شيد عام 1354 وتعرض للقصف من الحملة الفرنسية علي مصر، عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي.
وتشكلت ملامح الجالية اليهودية في تاريخ الإسكندرية الحديث مع نهاية القرن السابع عشر، حين رحل مجموعة من الصيادين اليهود الفقراء من رشيد وإدكو، إلى الإسكندرية لينضموا إلى بضع مئات من اليهود متعسري الحال، وأقام هؤلاء الوافدون خياماً لهم فى حى الأنفوشى بمحاذاة الشاطئ وبشارع الصيادين بالقرب من سوق السمك القديم، فيما بعد أصبحت هذه الخيام أكواخاً، تحولت بدورها إلى منازل، لتصبح بعد ذلك حى اليهود بالإسكندرية، الذي يمتد من حوش النجار وحوش الجعان وحوش الحنفى إلى ميدان وشارع فرنسا.
ومع مرور الوقت، اجتذبت الإسكندرية مزيداً من يهود القاهرة والدلتا، ومن المغرب والعراق وتركيا وإسبانيا، نتيجة للانتعاش الاقتصادي الهائل الذي شهدته وانفتاحها على أسواق الغرب، وقد أقام يهود الطبقة المتوسطة في حي محرم بك، حيث شيد أول مستشفى يهودي عام 1893 بجهود البارون جاك دي منشه والمعروف الآن بمستشفى الرمد، وما زال في شارعى باولينو والرصافة ملجآن للمسنين من اليهود، إلى جانب العديد من المدارس والمعابد. بينما أقام يهود الطبقة البورجوازية وسط المدينة بالقرب من شارع النبي دانيال.
من المعابد اليهودية في الاسكندرية هناك معبد «منشه» أسسه البارون يعقوب دي منشه عام 1860 بميدان المنشية، وهو مبني بسيط مكون من طابقين ومعبد «الياهو حزان» بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج الذي أنشئ عام 1928، ومعبد جرين الذي شيدته عائلة جرين بحي محرم بك عام 1901، ومعبد يعقوب ساسون عام 1910 بجليم، ومعبد كاسترو الذي أنشأه موسي كاسترو عام 1920 بحي محرم بك، ومعبد نزاح اسرائيل الاشكنازي عام 1920، ومعبد «شعار تفيله» أسسته عائلتا «انزاراوت» و«شاربيه» عام 1922 بحي كامب شيزار، هذا الى جانب بعض المعابد التي هدمت واندثرت. أما حارة اليهود الشهيرة، فكانت مثالا حيا على أوضاع اليهود في الاسكندرية واندماجهم مع أهلها، وهي تبدأ من حي الجمرك ببحري حتى حي المنشية، وهي ليست حارة بالمعنى المعروف بل حي كامل فيه شوارع وحارات كثيرة متصلة ببعضها بعضا، سكنها اليهود والمسيحيون والمسلمون، ولا تزال هذه الحارة محتفظة بطابعها المعماري وسكانها من الطبقة المتوسطة والفقيرة. فكانت تقطنها الطبقة العاملة من الجالية اليهودية وكانوا غالبا من اليهود المصريين المولد والجنسية، وكانت العربية لغتهم وأقاموا علاقات صداقة مع جيرانهم المسلمين والمسيحيين.
ويعد شارع النبي دانيال من أهم شوارع الأسكندرية، وسمي بهذا الاسم نسبة الى أحد أنبياء بني إسرائيل ويعود تاريخه الى القرن السادس قبل الميلاد عندما قام الإسكندر الأكبر ببناء الإسكندرية وفقا للتخطيط الهيبودامي والذي يعني الشكل الشبكي أو رقعة الشطرنج حيث كانت المدينة مقسمة إلي شارعين رئيسيين أحدهما طولي والآخر عرضي يخلق تقاطعهما ميدانا كبيرا في المنتصف ويعد شارع النبي دانيال جزء من الشارع الرئيسي الطولي الذي كان يمتد من شمال المدينة إلي جنوبها.
في هذا الشارع يوجد العديد من المنشأت الهامة ففى أوله يوجد مسجد النبي دانيال والمعبد اليهودي والكنيسة المرقسية وتعد من أقدم الكنائس فى مصر وأفريقيا ويعتبر هذا الشارع من الشوارع الأكثر حيوية فى الأسكندرية بسبب وجود المحلات التجارية والمبانى الهامة مثل مبنى الأهرام والمركز الثقافي الفرنسي.
ولأول مرة منذ إنشائه، يتم الانتهاء من ترميم المعبد اليهودى بالإسكندرية، والذى يعد أهم الآثار اليهودية بالمحافظة، وأحد أقدم المعابد اليهودية الواقعة وسط الإسكندرية، والذى تعرض لانهيارات فى جزء منه بسبب الأمطار والنوات، وتعرضت “الشخشيخة” التي تقع أعلى مصلى السيدات إلى انهيار جزئي بسبب التأثر بالأمطار والنوات التي مرت على الإسكندرية فى فصل الشتاء ، ومن ثم تم إغلاق المعبد مؤقتا لحين الانتهاء من أعمال الترميم، حيث تم الانتهاء من أعمال الترميم واصبح جاهزا للافتتاح فى ثوبه الجديد .
ويسع المعبد اليهودى الكائن بمنطقة شارع النبى دانيال 700 مصلٍ، وتم تسجيله فى مجلد الآثار تحت رقم 16 لسنة 1987، ويوجد به 63 سفرا من الأسفار اليهودية، أى نسخ قديمة من التوراة، وهى لها قيمة دينية وأثرية كبرى.
ويتميز المعبد اليهودى من الخارج بمدخل بارز مرتفع عن سطح الأرض ببضعة درجات من السلالم الرخامية، ويعلو باقى أجزاء الواجهة كتفين يتوسطهما عمودان يحملان القسم العلوى الذى يتكون من عقد نصف دائري يتوسطه عقد زخرفى يتكون من عقدين يتوسطهما جامة، ومحاط بعقد نصف دائرى يعلوه خمس أكال نصف دائرية يبرز عنها شكل وردة ثلاثية البتلات ويعلو ذلك النجمة السداسية وسط زخارف نباتية محورة، فيما يقع بالجهة الجنوبية الغربية مدخل يؤدى إلى الطابق الثانى حيث مصلى السيدات.
ويتخذ المبنى من الداخل شكل المستطيل ويتكون من طابقين وقد شيد على الطراز الإيطالى، ويضم المبنى نحو 28 عامودا تحصر بينها مقاعد مزودة بلوحة نحاسية صغيرة نقش عليها أسماء الحاضرين من اليهود، أما الهيكل فهو مصنوع من الرخام ويقع بمنتصف الجهة الشرقية حيث يتقدمه منصة الصلاة والوعظ، ويوجد على جانبيه مدخلين الأول بالجهة الجنوبية يؤدى إلى حجرة بها دولاب خشبي يحتوي على عدد من الأسفار، والثانى بالجهة الشمالية ويؤدي إلى درج سلم خشبي يؤدى إلى مصلى السيدات بالطابق العلوى.
وللمرة الأولى شهد المعبد اليهودى أعمال ترميم كاملة منذ إنشائه بأيدي كوادر فنية متخصصة، حيث كانت تتم أعمال صيانة دورية فقط، وبدأ مشروع الترميم فى أغسطس 2017 تحت إشراف وزارة الآثار”السياحة والآثار حاليا” ، حيث قام بأعمال الترميم كوادر فنية من متخصصين فى معالجة العناصر الإنشائية، وشملت أعمال الترميم الزجاج المعشق والزخارف والألواح الخشبية واعمال الشبابيك والأسقف الخشبية وأعمال الترميم الإنشائى للمبنى والموقع العام، بالإضافة إلى أعمال ترميم العناصر الرخامية والزخارف والكهرباء وصيانة أعمال مكافحة الحريق وصرف المياه.