لقد كان عامًا مليئًا بالصناديق| “قناة السويس” و”دعم الأسرة” و”الصحة” وغيرهم.. مفاجآت الصناديق في 2022 تهدد مبدأ وحدة الميزانية وتُجرد الموارد
لقد كان عامًا مليئًا بالصناديق| “قناة السويس” و”دعم الأسرة” و”الصحة” وغيرها.. مفاجآت الصناديق في 2022 تهدد مبدأ وحدة الميزانية وتُجرد الموارد
12m
كتب – أحمد سلامة
انتهى عام 2022، لكنه لم يمر مرور الكرام، فبالإضافة إلى الصعوبات المعيشية التي مر بها قطاع كبير من الشعب بسبب ارتفاع التضخم وتراجع القوة الشرائية بسبب انخفاض الجنيه، اصطدم المصريون بـ”الصناديق” التي تقرر تأسيسها والتي كانت بالنسبة لكثير منهم مفاجأة، لكنها مفاجأة ليست سعيدة في مجملها.
خلال العام 2022 تم الإعلان عن إنشاء صناديق أبرزها -وأخطرها في نظر البعض- صندوق هيئة قناة السويس وصندوق دعم الأسرة المصرية، التي أعلن رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي عن تدشينه، كما تم الكشف عن صناديق أخرى كانت قد بدأت العمل بالفعل.
تلك الصناديق تأتي إلى جانب صناديق أخرى مثل “الصندوق السيادي” و”صندوق تحيا مصر”، وهي الصناديق التي بدأت بالفعل في العمل منذ سنوات دون أي تفاصيل معلوماتية عنها.
ويرى كثير من خبراء الاقتصاد، أن “الصناديق” تُشكل أزمة وعقبة في طريق الإصلاح الاقتصادي وتتعارض مع مبدأ وحدة الميزانية، كما أنها تُجرد وزارة المالية من كثير من مواردها.
لذلك يعرب الخبير الاقتصادي هاني توفيق، عن رفضه لتجريد وزارة المالية من 50% من مواردها بسبب الصناديق الخاصة.. ويقول في تدوينة له: “أود التنبيه، مرة أخرى، على خطورة تجريد وزارة المالية من أكثر من ٥٠٪من مواردها بسبب إنشاء المزيد من الصناديق الخاصة”.
ويضيف “أنا لا أتهم أحدًا هنا بسوء استخدام موارد هذه الصناديق، ولكني مازلت أرى، والكثيرون معي في هذا أن كافة موارد الدولة يجب حصرها في وعاء واحد، وأن تكون هناك لجنة عليا للتخطيط الاقتصادي، وليس القيادة السياسية أو الحكومة، هي التي تحدد أولويات الإنفاق الحكومي، وبناء على مبدأ التكلفة/العائد، وجدول التدفقات النقدية للدولة ككل”.
ويتابع “اتباع هذا كان ليجنبنا الموقف الحالي الدقيق والخطير، والذي سيضطرنا كشعب وحكومة إلى المزيد من الإجراءات التقشفية الصارمة في الفترة القادمة”.. مختتما “ملحوظة، بخصوص الصناديق الخاصة، صندوق العروسين ده مش في وقته خالص، والناس مخنوقة أصلاً بما فيه الكفاية”.
صندوق قناة السويس
أبرز هذه الصناديق، وما شكل صدمة لقطاعات كبيرة، هو صندوق قناة السويس الذي تم الإعلان عنه، وهو ما قوبل بالرفض المعلن من المعارضة ما دفع بعضهم إلى التلويح بالانسحاب من الحوار الوطني إذا ما تم تمرير القانون بمجلس النواب.
ووافق مجلس النواب (البرلمان) المصري في جلسته العامة، منتصف ديسمبر، على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون نظام هيئة قناة السويس رقم 30 لسنة 1975، وإرجاء التصويت النهائي عليه إلى جلسة لاحقة لعدم توافر النصاب اللازم لتمريره.
ويقضي مشروع القانون بإنشاء صندوق جديد لهيئة قناة السويس بغرض المساهمة بمفرده -أو مع الغير- في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.
وسجل بعض أعضاء المجلس رفضهم المشروع المعد من الحكومة في مضبطة الجلسة، ومنهم النائب عن حزب “الوفد الجديد” محمد عبد العليم داود، الذي قال في كلمته: “إنشاء صندوق بهيئة قناة السويس هو بمثابة تفريغ مصر من أموالها، وتحويل المال العام إلى مال خاص. وهذا المشروع يمثل خطراً داهماً على الدولة المصرية”.
وأضاف داود: “مشروع القانون المعروض على مجلس النواب يشبه مشروع طرح أهرامات الجيزة للبيع في سبعينيات القرن الماضي، والذي تصدت له النائبة نعمات أحمد فؤاد تحت قبة البرلمان”.
وتابع: “هذه قناة السويس المملوكة للشعب المصري، والتي حفرها بدمه، وليست شركة من شركات القطاع العام التي تُباع بأبخس الأثمان!”.
وقال النائب عن حزب “التجمع” عاطف مغاوري: “أربأ بهيئة قناة السويس أن تلحق بمغارة علي بابا المسماة بالصناديق الخاصة. ومشروع القانون المطروح هو تشوه تشريعي، لأن قناة السويس ليست مرفقاً عادياً للدولة، وإنما هي تجسيد لإرادة الشعب المصري”.
بدوره، أعلن ممثل حزب “المصري الديمقراطي” إيهاب منصور رفض الحزب مشروع القانون، قائلاً: “عدم وحدة الموازنة أحد العيوب الأساسية للسياسة المالية العامة للدولة، ومصر تعاني من زيادة عدد الصناديق والحسابات الخاصة التي وصل عددها إلى 7 آلاف صندوق، وكان فائضها العام الماضي وحده نحو 36 مليار جنيه، لم يستقطع منها سوى 3 مليارات جنيه لدعم الموازنة”.
وطالب منصور الحكومة بـ”إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، وبحث سبل زيادة معدل النمو الذي بلغ 5.5 في المائة، في حين أن معدل زيادة الديون وصل إلى 12 في المائة، أي ما يعادل ضعف معدل النمو”، مستطرداً: “الحكومة تقترض الآن لسداد الديون، وليس للإنتاج والتشغيل، وهذا أمر خطير على الاقتصاد المصري”.
وقال النائب فريدي البياضي: “الحكومة تعد مشروعاً جديداً كل فترة بشأن أحد الصناديق الخاصة، وبذلك تأخذ من إيرادات الدولة بعيداً عن موازنتها، أو عن رقابة البرلمان. الحكومة عومت الجنيه، وغرقتنا في الديون، وغرقت معاها الطبقات المتوسطة والفقيرة”.
وأضاف: “هذه الحكومة يجب أن تسمى حكومة الصناديق الخاصة، وأقول للجميع: كفاية إفراغ لموازنة الدولة، وكفاية صناديق جديدة، وكفاية سياسات خاطئة، وكفاية كل هذا الوقت على الحكومة. الحكومة الحالية يجب أن تقال، بل يجب أن تحاكم!”، على حد تعبيره.
من جانبها، أعربت الحركة المدنية عن رفضها لمشروع القانون، وانبرت عدة أحزاب تحت رايتها للتعبير عن هذا الرفض، إذ دعا حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلى تأسيس جبهة للدفاع عن قناة السويس وهو ما تم الإعلان عنه لاحقا، بينما لوّح حزب الكرامة بالانسحاب من الحوار الوطني إذا ما تم تمرير القانون.
وتأسيسًا على ذلك، أطلقت الحركة المدنية عريضة دعت للتوقيع عليها، جاء فيها “انطلاقا من إدراك الحركة المدنية الديمقراطية أن المهمة الأولى التي ينبغي أن تنشغل بها كل القوى الوطنية هي مواجهة المخاطر التي ينطوي عليها مشروع قانون صندوق قناة السويس سواء من زاوية حماية الموارد الاقتصادية والسيادة الوطنية والأمن القومي وتاكيد دور المجتمع والبرلمان في الرقابة على كل الموارد، عملا بمبدأ وحدة الموازنة وسيادة الشعب.. انطلاقا من ذلك كله تدعو الحركة المدنية كل القوى الوطنية للمشاركة في تأسيس الحملة الشعبية للدفاع عن قناة السويس بهدف سحب مشروع صندوق قناة السويس الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب”.
صندوق دعم الأسرة المصرية
“إنتوا بتعملوا فرح وبتتخانقوا على الشبكة وتيجوا عند الموضوع ده وتقولوا كتير، وأنا كدولة اتفقت مع الدكتور مصطفى مدبولي لو الصندوق جمع مليار هنحط مليار، ولو مليارين هنحط مليارين عشان وقت الخلاف نأمن ولادنا في كل شيء”، هكذا قال عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية وهو يطالب بإنشاء صندوق لدعم الأسرة المصرية.
الصندوق الجديد ينشأ بموجب قانون الأحوال الشخصية الجديد وهو تطوير لصندوق قائم بالفعل اسمه “صندق نظام تأمين الأسرة المصرية” الذي تأسس بالقانون 11 لسنة 2004 وفقا لقانون الأحوال الشخصية الشهير رقم 1 لسنة 2000 والذي تضمن أحكام الخلع وإجراءات تنظيم الطلاق والتصالح وغيرها أمام محكمة الأسرة.
أثار حديث السيسي، الذي أدلى به على هامش افتتاح عدة مشروعات في 26 ديسمبر الجاري، وبيان رئاسة الجمهورية عن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول العديد من النقاط باعتباره يضيف أعباءً جديدة للمقبلين على الزواج.
منذ أن تم الإعلان عن هذا الصندوق بدأت الكثير من الأخبار والشائعات في التداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا عن قيمة الاشتراك في هذا الصندوق للمقبلين على الزواج في مصر، حيث ترددت الكثير من الشائعات التي زعمت أن قيمة الاشتراك سوف تتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف جنيها مصريا، وهو ما علّق عليه عددٌ من المتابعين بأنه كان لزاما على القائمين على صياغة هذا القانون أن يقوموا بكشف الحقيقة الكاملة عن قيمة الاشتراك.
اللجنة المشرفة على صياغة قانون الأحوال الشخصية الجديد قامت من جانبها بنفي جميع الأخبار المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن قيمة الاشتراك، حيث أكد المستشار “عمر مروان” وزير العدل أن صندوق دعم الأسرة المصرية الهدف منه تأمين حياة الأسرة والأبناء في حالة حدوث انفصال بين الأب والأم، وسوف يكون هذا الصندوق تمويل للأسرة في حالة حدوث أي طارئ لهم، وسوف يكون هذا الصندوق حماية لجميع الأبناء.
وعلى الرغم من النفي الذي قدمته الحكومة إلا أن القلق الذي اعترى المواطنين دفع كثير منهم إلى التعجيل بموعد الزواج قبيل العام الجديد الذي يُنتظر فيه تطبيق اشتراك الصندوق.
تواصلت “درب” مع أحد المأذونين الشرعيين الذي قال “كتير من الشباب المقبل على الزواج اضطر لتقديم موعد كتب الكتاب علشان يتفادى اشتراك الصندوق، كل اللي كان ميعاد زواجهم في الثلاثة أشهر الأولى من عام 2023 طلبوا عقد القران قبل بدء يناير”.
ويضيف المأذون الذي فضل عدم ذكر اسمه “في حاجة جديدة تم إضافتها على وثائق الزواج حيث تم النص في ذيل الوثيقة (يتم توريد نسبة لصالح صندوق دعم الأسرة) وهو ما يشير إلى قرب تطبيق الاشتراك، وربما هذا ما جعل مخاوف البعض في محلها”
صندوق ذوي الهمم.. ومفاجأة صندوق الصحة
في الثامن والعشرين من ديسمبر الجاري، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإنشاء صندوق لـ ذوي الهمم.. حيث قال “بنتكلم عن صندوق ذوي الهمم .. معالي المستشار رئيس البرلمان نعمل قانون ننظم بيه الموضوع أكثر ويكون فيه مصادر للصندوق أكثر.. علشان تقدر تعمل خدمات أكثر.. وأنا من كام يوم بنتكلم عن الصناديق”.
وقال السيسي: “كنت بسأل وزير الشباب بقوله إيه أخبار الصندوق بتاع ذوي الهمم، وبعدين لقيت معالي المستشار رئيس البرلمان قالي إحنا يا فندم نعمل قانون ننظم به الموضوع أكتر ويكون في مصادر للصندوق أكتر عشان تقدر تعمل خدمات أكتر لولادنا وبناتنا”.
وأضاف: “واسمحولي إن أنا بطلب دعم الهيئات اللي أنا هقول أسماءها أو الصناديق اللي هقول أسماءها، هيئة قناة السويس الصندوق بتاعها يطلع 100 مليون، صندوق الشهداء والمصابين يطلع 100 مليون، صندوق التأمين الصحي يطلع 100 مليون، صندوق الإسكان يطلع 200 مليون، والفريق محمد الصندوق بتاعكم يطلع 500 مليون”.
وعلى الرغم من استحسان البعض لطرح صندوق لذوي الهمم، إلا أن ذلك صاحبه اندهاش من وجود صندوق لـ وزارة الصحة وآخر لـ وزارة الدفاع، بالإضافة إلى مفاجأة عمل “صندوق القناة”، وهو ما دعا وزارة الصحة إلى توضيح التفاصيل.
وكشف الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، تفاصيل الصندوق الخاص بوزارة الصحة والذي تم إنشاءه منذ 3 سنوات بعد تعليمات من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقال عبد الغفار، في مداخلة هاتفية مع برنامج “الحياة اليوم”، إن الصندوق به حاليا 70 مليار جنيه، تم تجمعيها خلال 3 سنوات منذ إطلاق منظومة التأمين الصحي الجديدة، للمساعدة على تسريع منظومة التأمين الصحي في المحافظات الكبرى.
وعن مصدر تمويل الصندوق، قال متحدث الصحة، إن “الصندوق عبارة حساب بنكي يوجد في البنك المركزي، ويتم تمويله، عبر الفوائض المالية التي تزيد عن مصاريف التشغيل المعتادة، على أن يتم ضخها مرة أخرى في القطاع الصحي”.
وأشار المتحدث باسم وزارة الصحة، إلى أنه “كان لابد من وجود فكر اقتصادي قوي، لتطوير المنظومة الصحية دون الاعتماد على خزينة الدولة”.
تستمر التحذيرات على مستوى الخبراء من سياسات الاقتراض ومخالفة مبدأ وحدة الميزانية، وهما الأمران اللذان يعنيان مزيدًا من الأزمات، لذلك حذر المعهد الألماني للشئون الدولية والألمانية، في تقرير أصدره مؤخرًا، من السياسات الاقتصادية للنظام المصري، معتبرًا أن الاستمرار في هذه السياسات سيؤدي قطعًا على كارثة محققة لن ينجو منها أحد.