لإنقاذ الوطن وحماية المواطنين.. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من الحوار الوطني.. من أجل “حياة كريمة حقيقية”
الميرغني: توفير عمل لائق بأجر عاجل وكفالة الحق في السكن التعليم والصحة والغذاء ضرورات أساسية
الحسيني: قطاع ضخم من عموم المواطنين يعيشون في الفقر أو تحت خط الفقر.. أين ذهب الدعم الاجتماعي؟
الحركة المدنية تحذر من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد: انفاق عشرات المليارات من الدولارات على مشروعات “غير مدروسة”
التحالف الشعبي: خطة مدبولي تستبق الحوار الوطني وتفرغه من مضمونه.. والمصري الديمقراطي: الإصلاح السياسي ضرورة لوقف الاحتقان
“الكرامة” يدعو لاستغلال الحوار في عرض رؤي الإصلاح الاقتصادي: المواطنون تحملوا الفاتورة الإجراءات الانكماشية
كتب- عبد الرحمن بدر
تستعد الأطياف الحزبية والسياسية، لتقديم رؤيتها حول الحوار الوطني والمخرجات التي يجب أن يتوصل إليها الحوار بعد أن شهدت مصر خلال الآونة الأخيرة حالة من الزخم السياسي تزامنا مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية للحوار الوطني.
ويشغل الملف الاقتصادي الجانب الأهم من تلك المناقشات والرؤي، خاصة مع مطالبات الحركة المدنية المشكلة من العديد من الأحزاب المعارضة بضرورة وجود إصلاح اقتصادي حقيقي وجاد لإنقاذ الوطن وحماية المواطنين، مسجلة مواقفها ضد التوجه الاقتصادي للسلطة طوال السنوات الماضية.
وتأتي دعوة الرئيس إلى “حوار سياسي” وسط أزمة اقتصادية طاحنة صاحبتها إجراءات ساهمت في رفع الأسعار وزيادة معدلات التضخم مما أدي إلى حالة من الغضب الشعبي، ومن المنتظر وسط هذه الأزمة أن تقدم الدولة على مزيد من الإجراءات التقشفية في سبيل إتمام اتفاق تمويلي جديد مع مؤسسات دولية مانحة، على رأسها صندوق النقد الدولي.
وعلى مدار السنوات الماضية، انتقدت تلك أحزاب الحركة المدنية موقفا معارضا لانحيازات الدولة الاجتماعية من خلال تمييز الفئات العليا، واقتصار رؤى الحكومة للتنمية على التوسع في بناء المدن الجديدة وشبكات الطرق، إلى جانب الاعتماد على صندوق النقد الدولي في تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته الحكومة عام 2016، وزيادة حجم الاستدانة، بالشكل الذي تسبب في ارتفاع الدين الخارجي إلى أكثر من 145 مليار دولار في نهاية الربع الثاني من العام المالي الحالي.
ويأمل من يتطلعون إلى مستقبل مستقر للبلاد أن توضع بجدية على أجندة الحوار الوطني المزمع إجراؤه تحت رعاية الرئيس، الملف الاقتصادي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمن أولويات الحوار.
منسق وأمانة فنية.. القوى المدنية تتحفظ على “أحادية الاختيار”
أعلنت إدارة الحوار الوطني اختيار ضياء رشوان نقيب الصحفيين، منسقاً عامًا للحوار الوطني، بالإضافة إلى اختيار المستشار محمود فوزي الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، رئيسًا للأمانة الفنية للحوار الوطني، لافتة إلى بدء أولى جلسات الحوار الوطني في الأسبوع الأول من شهر يوليو القادم.
وأوضحت، في بيان صادر عنها، أن أولى مهام المنسق العام للحوار الوطني تتمثّل في بدء التشاور مع القوى السياسية والنقابية وكافة الأطراف المشاركة في الحوار الوطني، لتشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني، من ممثلي كافة الأطراف والشخصيات العامة، والخبراء، من 15 عضواً، بما يضمن المشاركة الفعّالة والتوصُّل إلى مُخرجات وفقًا للرؤى الوطنية المختلفة وبما يخدم صالح المواطن المصري.
وبعد صدور البيان، باختيار “رشوان” منسقا عاما ومكلفا بإدارة الحوار، و”فوزي” رئيسًا للأمانة الفنية للحوار الوطني، أبدت القوى والأحزاب السياسية المصرية ترحيبها بذلك، وأصدرت أحزاب الحركة المدنية بيانا يرحب باختيار رشوان منسقا عاما للحوار، لكنها تحفظت على عدم اختيار أمين عام متوافق عليه، معتبرة أن بيان الأكاديمية المشار إليه، استبق المشاورات التي كانت قائمة واجتزأ نتائجها، فأعلنت الحركة عدم قبوله، ورفضت أحزاب الحركة المدنية النهج الأحادي في اختيار أمين الحوار الوطني وجددت تمسكها بضمانات بيان ٨ مايو الذي سبق وأصدرته الحركة.
“اختلالات هيكلية” في الاقتصاد.. الصناعة والتعليم والصحة خارج دائرة الاهتمام
وفي ندوة عقدت بمقر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أكدت أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية للحوار حول أوضاع الاقتصاد المصري، أكد المشاركون غياب البيانات وغياب الشفافية في البلاد، وتناولوا الاختلالات الهيكلية الرئيسية في اقتصاد الدولة، وحذروا من خطورة إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على مشروعات “غير مدروسة جيدا” ولا تفيد غالبية السكان ولا تدر عائدا.
وخلال الندوة، أشار الدكتور محمد مدحت مصطفى، أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة المنوفية إلى غياب البيانات وضعف الشفافية، بينما قدم الدكتور زكريا الحداد أستاذ النبات بجامعة بنها أمثلة عملية لكيفية زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية الرئيسية استنادا للتجارب الميدانية بأساليب حديثة وتعميم المكينة، لافتا إلى أن هذه التجارب يتم اهدارها، موضحا أنه قد أرسل عدة رسائل بهذا الشأن لرئيس الوزراء، ولكن لا توجد استجابة حتى الآن.
واستعرض الدكتور مصطفى كامل السيد، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الاختلالات الهيكلية الرئيسية فى الاقتصاد المصري، الاختلال بين الادخار والاستثمار وبين الصادرات والواردات وبين عدد الوظائف والداخلين الجدد لسوق العمل.
وتناول الدكتور محمد حسن خليل الضعف الهيكلى الناتج عن تراجع عملية التصنيع فى مصر خلال السنوات الأخيرة، بينما أشار الدكتور عبد النبى عبد المطلب لأهمية الوصول لحلول توافقية.
ويشدد الدكتور شريف حسن قاسم أستاذ الاقتصاد والبنوك بأكاديمية السادات، على أن التعليم والصحة هما الأساس الأمتن، فهما يسبقان كل الأولويات فالمتعلم العفى يحقق التنمية ويكون مصدرا لتمويلها، بل ويحافظ عليها، أما الجاهل أو المريض فلا قدرة لأي منهما على الإنتاج، ودائما ما يكونا فى حاجة لمن يعاونهما.
وأشار إلى أن الاستثمار فى التعليم لا يتناقض مع توفير بنية أساسية فى مجال الطاقة الكهربائية بل يمكن أن يدفعه للأمام أكثر، وبالتالى فهما ليسا بديلين بل مكملين لبعضهما البعض، لأن الجهلة أو أنصاف المتعلمين عادة ما يكونون أداة طائعة للإرهاب والتخريب، فإذا أردت بنية أساسية حقيقية فعليك بالتعليم والصحة بالأساس، والباقى يأتى بعدهما بسهولة وسلاسة.
وأشار إلى وجود خلل كبير فى أولوية الإنفاق القومى، الذى توجه لإنشاء عاصمتين جديدتين؛ إحدهما إدارية فى شرق القاهرة والأخرى صيفية فى العلمين، وما ترتب عليهما من إنشاء عشرات الآلاف من كيلومترات الطرق والكبارى، وهدم طرق جيدة فى مناطق متميزة وإعادة إنشائها مرة أخرى دون أى حاجة لذلك، ناهيك عن تكلفة إنشاء المونوريل والقطار السريع، وغير ذلك من أوجه الإنفاق متدنى الأولوية كإنشاء أكبر جامع وأكبر كنيسة وأعلى سارية وهكذا.
وأكد أن هناك ضرورة ملحة لتأسيس نظام تعليمي جيد، والاهتمام بزراعة وصناعة وطنية أفضل تحل منتجاتها محل وارداتنا من الخارج، بل ونصدر الفائض منها وهو ما يوفر لنا العملة الصعبة، وينقذ البلاد من السقوط المتتالي في فخ المديونيات الخانقة.
عمل لائق وأجر عادل.. وضرورات اجتماعية عاجلة
ويقول الباحث الاقتصادي والقيادي في حزب التحالف الشعبي إلهامي الميرغني لـ”لوتس”، إنه إذا كان هناك حوار وطني حقيقي بين الشعب بطبقاته الكادحة والسلطة بأجهزتها المختلفة يجب أن تكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في القلب من هذا الحوار.
وأضاف أن الحق في العمل اللائق والأجر العادل على رأس الحقوق المطلوب الحوار حولها، فضلا عن الحق في إنشاء النقابات العمالية بشكل مستقل عن تدخل الأجهزة الإدارية، والحق في التعبير السلمي، وحقوق أصحاب المعاشات الذين حرمهم قانون النقابات الجديد من حقهم في التنظيم المستقل.
وشدد على ضرورة كفالة الحق في الغذاء الصحي الكافي، في ظل معدلات جوع وصلت إلى 14% ومعدلات فقر وصلت إلى 30% وانتشار الأنيميا وسوء التغذية والتقزم بين الأطفال، ما يجعله مطلبا أساسيا لا يمكن التنازل عنه.
وأشار “الميرغني” إلى أهمية مراعاة الحق في التعليم المجاني بجودة عالية وسد الثغرات والعجز الموجود في عدد المعلمين والفصول، مع ارتفاع الكثافات ومضاعفة الرسوم التعليمية في التعليم الحكومي المجاني، الذي زاد الأعباء المادية على كاهل المواطنين، لافتا إلى ضرورة تطوير المناهج وطرق التدريس وتوفير الميزانية اللازمة للتعليم الحكومي:
الوضع ينطبق على الحق في الصحة – بحسب الميرغني – حيث نحتاج لمواجهة ظاهرة تسرب الأطباء والتمريض من وزارة الصحة نتيجة طول ساعات العمل وضعف الأجور وضغوط العمل، مضيفا: “نحن في حاجة ضرورية لزيادة عدد الأجهزة في المستشفيات، والحفاظ على جودة تشغيلها وسد الفجوة في عدد الأسرة، لا نريد واجهات جرانيت وأرضيات رخام دون وجود أطباء أو تمريض، نريد خدمة صحية ذات جودة ومتاحة للجميع مجانا وبشكل عادل.”
الحق في السكن المناسب لدخل المواطن أيضا من أبرز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي ركز عليها الميرغني، مؤكدا أن الأسعار التي تطلبها الدولة في السكن المملوك لها لا تقل عن شروط القطاع الخاص بل تزيد وهي تستنزف دخل أي فرد وأي أسرة ولا بد أن يكون لدينا توازن بين السكن الصحي وتكلفته.
وتساءل الميرغني: “هل يجب استكمال رفع الدعم وتحميل الفقراء أعباء الأزمة أم يجب أن نوفر سياسات للحماية الاجتماعية تعيد توزيع الثروة والدخل وكذلك أعباء الأزمة؟ وما هي الضوابط التي يمكن وضعها على المشروعات التي قد يملكها القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي والقطاعات التي يجب أن تستمر تحت ملكية للدولة؟”
وتابع: “يجب إصلاح منظومة الأجور والمعاشات لمواكبة احتياجات المعيشة بدون تحميل الموازنة العامة أعباء جديدة، والتزام القطاع الخاص بما تقرره الدولة في ملف الأجور، وتوزيع الأعباء لمواجهة الأزمة الحالية، وإعادة النظر في أولويات الاستثمار والإنفاق العام وتوجيه الموارد للنهوض بالتعليم والصحة، هذه كلها ملفات يجب أن تكون حاضرة بقوة في أي حوار حول مستقبل مصر”.
واستكمل: “الحق في تداول المعلومات والشفافية التي نص عليها الدستور وضرورة المصارحة والمكاشفة ومشاركة أصحاب المصلحة في مناقشة كافة القوانين والقرارات المتعلقة بتنظيم حياتهم وحقوقهم أيضا من الضروريات التي لا غنى عنها، كما يجب توفير التمويل والاعتمادات اللازمة لتطوير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لأن توفرها والرقابة على مستوي جودتها هما الركيزة للوصول إلى مجتمع العدالة الاجتماعية، والمواثيق الدولية مليئة بضوابط وشروط لتحقيق ذلك”.
دعوات لمكافحة الفساد والاحتكار.. والدعم أولوية مطلوبة
وفي السياق، قال المهندس عبد العزيز الحسيني عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة، وعضو الحركة المدنية الديمقراطية، لـ”لوتس” إن هناك أولويات اتفق عليها جميع أعضاء الحركة المدنية ويجب تطبيقها بشكل عاجل، أبرزها؛ إنفاذ مواد الدستور الخاصة بالتعليم والصحة والبحث العلمي، فهناك نسبة معينة من الميزانية خاصة بالتعليم والصحة والبحث العلمي يجب التركيز عليها وتطبيقها.
وأضاف: “شاهدنا أكثر من مرة مديرة صندوق النقد الدولي تتحدث عن الحماية الاجتماعية والحقوق الاقتصادية، فإذا كان صندوق النقد الدولي يتحدث عن هذا ونحن ما نفعل عكسه، وفي النهاية نقول إن الصندوق هو ما يفرض علينا هذه الأمور، الحماية الاجتماعية والحقوق الاقتصادية أصبحت من القواعد الأساسية للحياة في دولة حديثة، لكن في مصر بات قطاع ضخم من عموم المواطنين يعيشون في الفقر أو تحت خط الفقر، فأين ذهب الدعم الاجتماعي”.
وأضاف أن جودة ومجانية التعليم، وجودة ومجانية الصحة مطالب أساسية وهذه أمور ليس له علاقة بأي توجه سياسي سواء اشتراكي أو رأسمالي فالدول الغربية الرأسمالية، التعليم والصحة هناك ذات جودة عالية وبشكل مجاني في كل المراحل ويختلفوا في بعض المراحل ولكن على الأقل التعليم ما قبل الجامعي مجاني وجيد جدا، ومجانية الصحة متاحة لأي شخص حتى وإن كان مجرد زائر طالما مقيم داخل الدولة.
وأشار الحسيني إلى أنه بعد ثورة يناير تم الحديث عن مفوضية لمكافحة الفساد فنتمنى أن يتم تطبيقها حتى يتم مكافحة الفساد بشكل حقيقي.
وعن الحماية الاجتماعية، أشار “الحسيني” أنه مطلوب مكافحة الاحتكار، وأيضا العقود التي تشمل مواد إزعان بين القطاع الخاص والمواطنين مثل عقود الإسكان، وشركات المحمول وغيرها، لأنهم يتعاملوا على أنهم محتكرين للسلعة، وكل هذه الأمثلة توصلنا إلى ضرورة حماية المستهلك في كل التعاقدات مع القطاع الخاص، فتطبيق الرقابة على القطاع الخاص في تعاملاته مع المواطنين أمر لابد منه.
وأكد الحسيني ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، موضحا في الوقت ذاته أن الحقوق النقابية وحق تشكيل النقابات واستقلاليتها صلب القضية الاقتصادية، وهي حقوق قانونية ودستورية تتفق مع العهد الدولي للحقوق المدنية الاقتصادية والاجتماعية، الذي وقعت عليه مصر وأصبح جزءا من التشريع المحلي.
وواصل: “يجب ألا يتم الحصول على أي قروض إلا بعد إطلاع البرلمان عليها ومناقشتها بشكل واضح داخل البرلمان، حتي يعلم الشعب ما يحدث، ورغم أن البرلمان جاء بقائمة موحدة وموالية للسلطة، إلا أنه في النهاية لابد من عرض هذه الأمور عليه، وأعتقد أن القروض التي تتم كلها لم تعرض على البرلمان أو ربما يتم عرضها بعد الحصول عليها، وهذا أمر غريب وغير دستوري”.
تبديد وبيع الأصول وتجاهل رؤى الإصلاح.. من يتحمل المسؤولية؟
أعلن حزب الكرامة رفضه ما تعتزم تطبيقه من إجراءات للتعامل مع الأزمة العنيفة التي يعيشها الاقتصاد المصري، في ظل المديونية الخانقة التي تلتهم بمفردها ما يزيد عن نصف موارد الموازنة العامة سنويا.
يدرك الحزب – بحسب بيان له – الاقتصاد هي مسؤولية كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة موارد مصر خلال العقود الماضية، لكنه يؤكد يقينه أن السلطة الحالية تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية في انزلاق الأوضاع إلى هذا الحد الخطر، نظرا لأنها أعادت إنتاج نفس السياسات وبصورة أفدح وأكثر سفهاً، وضاعفت حجم الدين العام لأكثر من 400% خلال 8 سنوات فقط، وبددت الأصول والموارد الإنتاجية، وطبقت إجراءات انكماشية قاسية تحملت فاتورتها الطبقات الأكثر فقرا، وتشوهت معها المؤشرات الكلية للاقتصاد، فاتسعت رقعة الفقر وازداد عمقه، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم، وتراجعت قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها ما انعكس على انخفاض القدرة الشرائية للفرد والدولة.
وشدد الحزب على رفضه القاطع خطة الحكومة المتمثلة في بيع أصول الدولة بغرض توفير سيولة نقدية لدفع أقساط القروض المستحقة وفوائدها، والتي تبدت ملامحها في مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة الصادرة عن مجلس الوزراء، وعلى لسان رئيس الوزراء نفسه مصطفى مدبولي، حين أعلن عزم حكومته على بيع أصول مملوكة للدولة في قطاعات مختلفة وحساسة، وصلت إلى حد طرح المستشفيات والمدارس والمرافق العامة للدولة والموانئ للبيع تحت مسميات براقة كتشجيع الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص.
يرى “الكرامة” أن هذه العمليات هي في حقيقتها استحواذ رؤوس الأموال على أصول قائمة بالفعل، وليست استثمارا ينشيء تلك الأصول من العدم، ويخلق قدرات إضافية للاقتصاد، ويرفع بدوره معدلات التشغيل، ويعزز التنافسية، ويساهم في الكفاية الإنتاجية.
ورغم أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الوطن اليوم، سببها المباشر هو التوسع في الاستدانة، وإنفاق تلك الأموال عالية التكلفة على مشروعات ضخمة ليست ذات جدوى، أو في أفضل تقدير ليست من الأولويات، تستمر الحكومة في المضي قدما على نفس الطريق الذي أوصلنا إلى هذا المنزلق الخطر، وتواصل عمليات الاستدانة لتمويل عجز الموازنة المتزايد بسبب سياساتها، فأعلنت اقتراض 3 مليارات ونصف المليار دولار من البنك الدولي والمؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة، وكان آخر قروضها إصدار أذون خزانة قيمتها 24 مليار جنيه، فضلا عن تأكيدها الاقتراض من البنوك بقيمة 45.5 مليار جنيه.
قدم “الحزب” رؤية لإصلاح مشكلات الاقتصاد الرئيسية اعتمادا على الموارد الذاتية، تقتضي إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة ودمج موازنات الهيئات الاقتصادية المستقلة لغلق حنفية الفساد المفتوحة في ظل انعدام الرقابة الشعبية والرسمية، والعمل على زيادة الإنفاق الحكومي في القطاعين الزراعي والصناعي على حساب قطاع العقارات، وتوطين الصناعات الأساسية لتقليل الواردات، وغيرها من الخطط التفصيلية التي أعدها خبراء متخصصون مشهود لهم بالكفاءة والوطنية، غير أن السلطة لا تسمع إلا لوصفة صندوق النقد الدولي السريعة، رغم أنها اختبرت في العديد من الدول وأسفرت عن كوارث في نهاية المطاف.
كما دعا السلطة الحالية لاستغلال الحوار الوطني للاستماع إلى آراء المختصين من جميع الاتجاهات حول الإصلاح الاقتصادي بطرق أخرى غير اللجوء لبيع أصول البلد، التي هي ملك الشعب لا الحكومة، وألا تعتبر هذا الحوار مجرد غطاء لتمرير تلك الخطة، لأننا في هذه الحالة قطعا لن نخالف ضميرنا ولن نشارك في مشهد يراد به خداع الشعب.
لماذا لا تصلح الخطة الاقتصادية للحكومة؟
فند حزب التحالف الشعبي المحاور الرئيسية التي طرحها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي يوم 15 مايو الماضي، لإعلان خطة الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، والتي شهدت الاستمرار في السياسات التي تقلص القطاع العام، وتزيد نفوذ القطاع الخاص وحصته من الناتج المحلي، بالإضافة إلى طرح عدد من المشروعات المملوكة للدولة وانسحاب الدولة من بعض القطاعات، فضلا عن تجميع 7 موانئ مصرية كبري وكذلك تجميع فنادق كبري في شركة وطرحها في البورصة.
وقال الحزب في إصدار “كراسات التحالف” تحت عنوان “لماذا لا تصلح خطة الحكومة للخروج من الأزمة”: “إننا نعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، والحكومة لها أكثر من 8 سنوات تطبق السياسات الاقتصادية والمالية نفسها من وزارة المهندس إبراهيم محلب إلى وزارة المهندس شريف إسماعيل وصولاً إلى حكومة الدكتور مصطفي مدبولي منذ يونيو 2018 وحتى الآن، حيث استمرت سياسات الاقتراض المحلي والخارجي، وسياسات الخصخصة وبيع الأصول، وكل السياسات التي فرضها صندوق النقد كشرط للقروض التي حصلت عليها مصر، وبدلاً من حدوث تنمية حقيقية وجدنا تدهور عام في كل مؤشرات الاقتصاد المصري، وأزمات متتالية مرتبطة بطريقة إدارة الاقتصاد المصري، تزيدها الأزمات الخارجية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية”.
وأكد الحزب رفضه استمرار تنفيذ السياسات التي ثبت بالتجربة العملية أكثر من مرة فشلها وتسببها في تفاقم الأزمة وعدم تقديمها حلولا، مع تحمل الكادحين أعباء الأزمة، طارحا رؤيته بشأن الخروج من فخ المديونية.
ووفقا لـ”كراسات التحالف”، تستبق خطة حكومة مدبولى الحوار الوطنى وتفرغه من مضمونه، في الوقت الذي تعد خصخصة الموانيء الكبرى خط أحمر وقضية أمن قومى، رافضة اعتراف الحكومة بالأزمة مع تنصلها من المسؤولية عنها، وإعادة لإنتاج السياسات المسببة لها.
وكشفت “الكراسات” عن تناقضات واضحة وبيانات انتقائية وجزافية بشأن تقديرات أعباء أزمة أوكرانيا ومعدل البطالة وغيرها تحتاج لمراجعة وضبط وتصويب، فضلا عن تجاوز التضخم الخط الأحمر، تزامنا مع رفع سعر الفائدة الذي يزيده تفاقما بدلا من أن يعالجه.
وأوضحت أن الاقتراض الخارجي انتقل من المرحلة السهلة للمرحلة الصعبة من حيث التكلفة والمشروطية، وأن فوائد الديون تلتهم النسبة الأكبر من موارد الدولة وتصل إلى ٦٩٠ مليار جنيه في موازنة ٢٠٢٢-٢٠٢٣، في الوقت الذي يتحدثون عن زيادة الصادرات ويتجاهلون زيادة الواردات بدرجة أكبر، وعجز الميزان التجاري الذي وصل لحوالى ٤٤ مليار دولار.
كما أشارت إلى أن النموذج الاقتصادى المصرى لما يسمى الإصلاح الاقتصادى اعتمد على المصادر الهشة لا تنمية الهياكل الإنتاجية، وفى المقدمة الأموال الساخنة التى تخارج منها فى الشهور السابقة أكثر من ٢٠ مليار دولار (370 مليار جنيه)، وأن ما تسمى المشروعات القومية التي تتسم بالبذخ وغياب العائد الاقتصادى استنزفت الموارد والقروض، ودخلت لأزمة تباطؤ بحكم الأمر الواقع.
اعتراضات على الموازنة.. وإصلاح سياسي واقتصادي لتجنب الاحتقان
يرى فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، أن الدعوة للحوار الوطني جاءت بسبب حالة الاحتقان الموجودة في الشارع نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تمر بها البلاد، وهذا أمر يجب الاعتراف به، لأنه الأساس لحل الأزمة الحالية والوصول إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي المنشود، حسب تأكيده.
وأضاف زهران أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تجب مواجهتها بالإصلاح السياسي، ووجود مناخ آمن ومستقر يسمح بالتفاوض الاجتماعي بين المؤسسات المختلفة من جمعيات وأحزاب وغيرها، لإيجاد الحلول وتطبيقها، مستطردا: “برامج الحماية الاجتماعية ليست الحل، ويجب ألا تكون هناك سياسات اقتصادية تشكل عامل ضغط على المواطنين”.
وأكد زهران، خلال كلمته في مؤتمر لشرح تصورات ورؤية الحزب حول الحوار الوطني، أن الأزمة الاقتصادية على رأس أولويات الحوار الوطني، وهي تحتاج في بالضرورة إلى إصلاح سياسي، لأن هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية قادت البلاد إلى احتقان، قد نختلف حول حجمه وحدوده، وإنما هو نتيجة الأزمة الاقتصادية بالأساس، وإنكار وجود هذه الأزمة قد يفسد الحوار وستكون النتائج غير إيجابية.
النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس النواب، أكد بدوره رفض الحزب لمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية ٢٠٢٢ / ٢٠٢٣.
وقال النائب، في كلمته بالمجلس، إن ترتيب الأولويات غير موجود لدى هذه الحكومة ويجب عليها إعادة ترتيبها، مشيرا إلى مخالفة الحكومة للدستور في النسب المخصصة للتعليم والصحة، حيث تم تخصيص ١٩٢ مليار جنيه للتعليم الجامعي وقبل الجامعي، في حين أن النسبة المقررة لهما بـ ٦% تساوي ٥٥٣ مليار جنيه على اعتبار أن إجمالي الناتج المحلي ٩.٢ تريليون جنيه، وكذلك فإن المخصص للصحة ١٢٨ مليار جنيه في حين أن نسبة ٣% طبقا للدستور تساوى ٢٧٦ مليار جنيه.
وأشار رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إلى أن من أسباب هذا العجز هو انعدام الرؤية في التطوير الحقيقي واستناده على بيانات وهمية، ولفت إلى أن التأمين الصحي الشامل مشروع بلا برنامج، كما أن الزراعة بدون دعم، حيث تم تقليل دعم المزارعين من ٦٦٤ إلى ٥٤٤ مليون بنقص ١٢٠ مليون جنيه، أما بالنسبة للصناعة فإن “الوزير بيقفل المصانع الرابحة رغم أنه مسئول عن إدارتها وإنجاحها.
تحدث منصور عن إشكالية أن سعر البترول ٨٠ دولار للبرميل، في حين أن التوقعات تشير إلى ١٠٠ دولار وأكثر، والاحتياطي ٥% لا يكفي ولا توجد عقود تحوط، طارحا عدة مقترحات للحكومة، منها حل مشاكل قانون التصالح المتوقف عليها ٧٠ مليار جنيه، وأيضا إمكانية تحويل جزء من المخصصات للإسكان المقدرة بـ ٩٠ مليار جنيه والنقل والمقدرة بـ ٣٠٦ مليار جنيه، يمكن بها دعم قطاعات التعليم والصحة والزراعة والصناعة، مؤكدا ضرورة إعادة النظر في أولويات المشروعات في هذه السنة “الكبيسة”.