كيف نعمل دون أجر؟ تقرير لـ”هيومان رايتس” يكشف انتهاك حقوق العمالة بقطر: مثقلون بالديون ولا يملكون حتى المال للطعام
محمود هاشم
كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن أن جهود السلطات القطرية لحماية حق العمال الوافدين بأجور دقيقة ومنتظمة هي إلى حد كبير غير ناجحة، مؤكدة استمرار عدم دفع الأجور، بالإضافة إلى انتهاكات أخرى منتشرة ومستمرة لدى 60 صاحب عمل وشركة على الأقل في قطر.
وأظهر تقرير “كيف نعمل بدون أجر؟: انتهاكات الأجور بحق العمال الوافدين قبل كأس العالم فيفا 2022″، الصادر في 71 صفحة، أن أصحاب العمل في مختلف أنحاء قطر ينتهكون حق العمال بالأجر في كثير من الأحيان، وأن قطر لم تنفذ التزامها أمام “منظمة العمل الدولية” في 2017 بحماية العمال الوافدين من انتهاكات الأجور وبإلغاء نظام الكفالة، الذي يربط تأشيرات العمال الأجانب بأصحاب العمل. في حالة تلو الأخرى، وجدت هيومن رايتس ووتش انتهاكات أجور منتشرة في وظائف عدة كتلك التي يشغلها حراس الأمن، وعمال المطاعم والمقاهي، وحراس النوادي الليلية، وعمال التنظيف، وعمال البناء.
وقال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “10 سنوات مرت على فوز قطر باستضافة كأس العالم فيفا 2022، ولا يزال العمال الوافدون يعانون من تأخير دفع الأجور، أو دفعها ناقصة، أو عدم دفعها، علِمنا بعمال يعانون من الجوع بسبب تأخير الأجور، وعمال مثقلين بالديون يكدون بالعمل للحصول على أجور ناقصة، وآخرين عالقين في ظروف عمل سيئة خوفا من الانتقام”.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أكثر من 93 عاملا وعاملة وافدين يعملون لدى أكثر من 60 شركة أو صاحب عمل، وراجعت وثائق وتقارير قانونية تحضيرا لهذا التقرير.
وتعتمد قطر على 2 مليون عامل وافد يشكلون 95% من القوى العاملة في البلد. العديد منهم يعملون في بناء أو خدمة الملاعب، والنقل، والفنادق، والبنى التحتية لكأس العالم فيفا 2022. يأتون إلى قطر بحثا عن وظائف وأجور ثابتة، لكن العديد يواجهون انتهاكات أجور تدفعهم إلى المزيد من الديون، ويعلقون في هذه الوظائف في ظل آليات انتصاف غير فعالة.
وقال 59 عاملا إن أجورهم أُجّلت، أو حُجبت، أو لم تُدفع؛ قال تسعة عمال إنهم لم يتلقوا أجورهم لأن أصحاب العمل قالوا إن ليس لديهم ما يكفي من الزبائن؛ قال 55 عاملا إنهم لم يحصلوا على أجر الساعات الإضافية، علما أنهم يعملون أكثر من عشر ساعات يوميا؛ قال 13 عاملا إن أصحاب العمل استبدلوا عقود العمل الأساسية بعقود ترجح مصلحة أصحاب العمل؛ قال 20 عاملا إنهم لم يحصلوا على المدفوعات، المعروفة بـ “المكافآت”، الإلزامية عند نهاية الخدمة؛ وقال 12 عاملا إن أصحاب العمل اقتطعوا من رواتبهم تعسفا.
وتفاقمت انتهاكات الأجور منذ انتشار فيروس “كورونا”، وتذرّع بعض أصحاب العمل بالوباء لحجز الأجور أو رفض دفع أجور عالقة لعمال محتجزين أو مبعدين قسرا إلى أوطانهم، وقال بعض العمال إنهم لا يستطيعون حتى شراء الطعام، قال آخرون إنهم غرقوا في الديون ليستطيعوا العيش.
وقال مديرٌ للموارد البشرية عمره 38، ويعمل في شركة بناء في قطر لديها عقد للعمل على الجزء الخارجي لأحد ملاعب كأس العالم، إن أجره الشهري أُجِّل لأكثر من 4 أشهر 5 مرات على الأقل بين 2018 و2019. قال: “تأثرتُ بسبب تأخر الراتب لأنني تأخرت في دفع مستحقات بطاقاتي الائتمانية، والإيجار، ورسوم مدرسة الأطفال. وحتى حاليا، راتبي متأخر شهرين، إنها نفس القصة لجميع الموظفين من مستواي وحتى العمال. لا يمكنني أن أتخيل كيف يتدبر العمال أمورهم، لا يمكنهم أخذ قروض من البنك كما أستطيع أنا”.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن نظام الكفالة هو أحد عوامل تسهيل الانتهاكات. في 2017، تعهدت قطر بإلغاء نظام الكفالة، وفي حين أدى إدخال بعض الإجراءات إلى تقليص هذا النظام، فهو ما يزال يعطي أصحاب العمل سلطة وسيطرة بدون رادع على العمال الوافدين.
كما تغذي انتهاكات الأجور ممارساتُ توظيف خادعة في قطر وبلدان العمال الأصلية، حيث يُطلب منهم تأمين بين 700 و2,600 دولار للحصول على عمل في قطر.
وعند وصول العمال إلى قطر، يكونون مثقلين أصلا بالديون ويعلقون في وظائف غالبا ما تدفع لهم مبلغا أقل من الذي وُعدوا به، وجدت هيومن رايتس ووتش أن 72 من العمال الذين أُجريت معهم مقابلات اقترضوا من المصرف لدفع رسوم التوظيف، الممارسات التجارية، بما فيها شرط ما يسمى “الدفع عند القبض”، تزيد من سوء انتهاكات الأجور، و تسمح هذه الممارسات للمقاولين الذين لم يتلقوا أموالهم بتأخير دفع أجور العمال.
وقال مهندس عمره 34 عاما، “أنتظر مالي منذ أغسطس 2019″، حيث لجأ إلى محكمة العمل بسبب عدم حصوله على رواتب 7 أشهر حينها، ما اضطره إلى الاستدانة من أصدقاء في قطر لإرسال المال إلى أهله في النيبال، وذهب إلى المحكمة للمرة الأولى منذ عام وهو لا يزال في انتظار أمواله.
وتابع: “أتضور جوعا، فأنا لا أملك المال حتى للطعام، أنا قلق بشأن كل القروض التي أخذتها هذا العام، وكيف سأستطيع إرجاعها من خلال الإجراءات القانونية إن لم أحصل على أجري؟ أحيانا أعتقد أن الانتحار هو الخيار الوحيد”.
وانتهاكات الأجور هي من بين الأكثر شيوعا وضررا بحقوق العمال الوافدين في قطر والخليج، حيث توجد صيغ عدة لقانون الكفالة. لمعالجة انتهاكات الأجور، أنشأت الحكومة القطرية ما أسمته “نظام حماية الأجور” في 2015، و”لجان فض المنازعات العمالية” في 2017، و”صندوق دعم وتأمين العمال” في 2018.
لكن هيومن رايتس ووتش وجدت أن أفضل وصف لنظام حماية الأجور هو أنه نظام لرصد الأجور مع فجوات في قدرته على الإشراف. غالبا ما يصادر أصحاب العمل بطاقات العمال المصرفية التي من المفترض أن يستخدمها العمال لسحب أجورهم. أيضا، قد يصعب على العمال أن يعرضوا انتهاكات الأجور على اللجان، بالإضافة إلى كون ذلك مكلفا، ويستغرق وقتا طويلا، وغير فعال، كما يخاف العمال من انتقام أصحاب العمل. أما صندوق الدعم، الذي كان من شأنه أن يضمن حصول العمال على أجورهم عندما تتخلف الشركات عن ذلك، فلم يتم تشغيله سوى في وقت سابق من هذا العام.
في أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة عن إصلاحات مهمة من شأنها أن تضع حدا أدنى غير تمييزي للأجور لجميع العمال الوافدين في قطر، وتسمح لهم بتغيير وظائفهم أو تركها دون موافقة صاحب العمل. إلا أن عناصر أخرى من هذا النظام التي يمكن أن تترك لأصحاب العمل بعض السيطرة على عمالهم يبدو أنها ستبقى. كان من المتوقع تنفيذ الإصلاحات في يناير/كانون الثاني 2020.
وأرسلت هيومن رايتس ووتش نتائج هذا التقرير مع استفسارات إلى وزارتَيْ العمل والداخلية القطريّتين، وكذلك “الفيفا”، و”اللجنة العليا للمشاريع والإرث” القطرية، وتلقت ردودا من اللجنة العليا، و”مكتب الاتصال الحكومي القطري”، والفيفا.
وردا على طلب التعليق، كتبت الفيفا أن “لديها سياسة لعدم التسامح مطلقا مع أي شكل من أشكال التمييز وانتهاكات الأجور”، وأضافت:
“من خلال عملنا لحماية حقوق عمال كأس العالم في قطر، ندرك أهمية تدابير حماية الأجور في الدولة، ولهذا السبب وضعنا ومنظمو البطولة الآخرون أنظمة قوية لمنع وتخفيف انتهاكات الأجور في مواقع كأس العالم فيفا، فضلا عن آليات للعمال لرفع المظالم، وممارسات محتملة لتوفير الانتصاف عندما لا تلتزم الشركات بمعاييرنا”.
وشجعت الفيفا العمال والمنظمات غير الحكومية الذين يودون إثارة مخاوف بشأن مواقع كأس العالم فيفا من خلال الخط الساخن لرعاية العمال التابع للجنة العليا.
وقال بيج: “لدى قطر سنتان قبل الركلة الأولى في مباريات كأس العالم فيفا، الوقت يمر بسرعة، وينبغي للدوحة أن تُظهر الالتزام بوعدها إلغاء نظام الكفالة، وتحسين أنظمة مراقبة الأجور، وتسريع آليات الانتصاف، ووضع تدابير جديدة لمعالجة انتهاكات الأجور”.