كيف فقدنا السيادة الزراعية.. الطريق إلى “التبعية الغذائية” (دراسة)
السياسات النيوليبرالية واستحواذ المستثمرين على الأراضي والخضوع لضغوط المؤسسات الدولية أدت إلى “التبعية الغذائية”
مصر انتهجت منذ عام 1979 سياسات الانفتاح الاقتصادي .. وهذه التحولات أدت إلى انهاء سياسات الاكتفاء الذاتي للغذاء
كتب – أحمد سلامة
أصدرت “شبكة شمال إفريقيا للسيادة الغذائية” دراسة للباحث صقر النور، تناول من خلالها محددات وصعوبات الانتقال العادل للقطاع الزراعي في مصر وتونس والمغرب والجزائر ارتكازا على المقومات المحلية والتبادل والتعاون بين صغار الفلاحين ومنظماتهم والفاعلين الاجتماعيين بتلك الدول بالإضافة إلى تحليل واقع السياسيات الزراعية في بلدان الدراسة وتحولاتها.
وقالت الورقة البحثية إن منطقة دول شمال إفريقيا تشهد حالة من الهشاشة في مواجهة التغيرات المناخية والأزمات البيئية والتي تمثل واقعا يوميا لملايين البشر بالمناطق القاحلة وشبه القاحلة والصحراوية، مشيرة إلى أنه “خلال العقود الماضية واصلت معدلات الجفاف ودرجات الحرارة في الارتفاع غلى أعلى مستوياتها، مما يؤدي إلى تسارع التصحر”.
ويضيف الباحث صقر النور “تعاني المنطقة أيضًا من ندرة شديدة في المياه وتدهور جودة الأراضي وحجم الثروة الحيوانية، هذا التسارع للأزمة البيئية له آثار مباشرة وغير مباشرة على الزراعة والرعي وصيد الأسماك ويزيد من انعدام السيادة الغذائية في المنطقة”.
ويتابع “من أجل مكافحة الجوع والتكيف مع تغير المناخ وتخفيف آثاره على القطاع الزراعي والعاملين به وسكان الأرياف، هناك ضرورة لإحداث انتقال اقتصادي اجتماعي وبيئي في هذا القطاع مثل العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم”، ويشير إلى أنه “طُرحت في السنوات القليلة الماضية المعارفة المحلية والزراعة البيئية والتجديدية ونظم الغذاء المحلية كحلول لأزمات النظم الغذائية والزراعية والبيئية المهيمنة في شمال إفريقيا، ومع ذلك فإن هذه الديناميكيات الجديدة لم يجر توثيقها أو دراستها بالقدر الكافي وهناك نقص في تكوين صورة عامة حول هذه التطورات في الممارات والشبكات المختلفة الداعمة لها”.
ويلفت الباحث النظر إلى أنه منذ ثمانينات القرن الماضي، بدأ الانعطاف نحو سياسات الليرالية الجديدة لدول شمال إفريقيا عبر تحرير السوق بضغط من المؤسسات المالية الدولية “صندوق النقد والبنك الدولي”، إذ خضعت هذه الدول إلى مشروطية تطبيق “توافق واشنطن” فبدأت تدريجيا تحرير التجارة الخارجية وخفض سعر العملة المحلية وإحكام سيطرتها على السوق بتوالي خصخصة الشركات العمومية والتصفية التدريجية للخدمات العامة.
ويتابع، أحدثت هذه التحولات في بلدان شمال إفريقيا تغييرا كبيرا في إدارة المياه والأراضي الزراعية في المناطق الريفية وانسحبت الدولة من إدارة الموارد الطبيعية وتركت مساحة أكبر للقطاع الخاص، وقد أدى ذلك إلى زيادة نفاذ شركات الاستثمار الخاصة في الزراعة واستحواذها على الأراضي والمياه خاصة في المنطق الصحراوية الشاسعة اعتمادا على الميه الجوفية عبر تسهيلات الحصول على الأراضي التي تقدمها الدولة لكبار المستثمرين الزراعيين.
وينبه البحث إلى أنه في مصر ومنذ العام 1979 انتهجت سياسات الانفتاح الاقتصادي وتم تفكيك المزارع المملوكة للدولة ووقع إعادة النظر في قوانين الاصلاح الزراعي وحل الاتحاد التعاوني الزراعي، كذلك -يسترسل الباحث- اتخذت الدولة مجموعة من الإجراءات لتقليص الدعم على الفلاحين بالوادي والدلتا مثل تحرير أسعار توريد المحاصيل الزراعية والغاء دعم المبيدات والأسمدة والسماح للقطاع الخاص بالاتجار في مستلزمات الانتاج الزراعي كما ألغي الحد الأقصى لملكية أراضي الاستصلاح للشركات الزراعية وتسهيلات تمكين المستثمرين من الأراضي.وتستكمل الورقة البحثية “في عام 1992 صدر قانون تنظيم العلاقات الإيجارية بين المالك والمستأجر (قانون 96 لسنة 1992) والذي أنهى الأمان الإيجاري وتسبب في موجة من الاحتاجاجات في الريف المصري.
ويوضح البحث أن هذه التحولات أدت إلى انهاء سياسات الاكتفاء الذاتي للغذاء، وذلك من خلال وقف دعم الانتاج المحلي والتوجه إلى سياسات الأمن الغذائي والتي تعني الحصول على الغذاء من أي مصدر سواء عبر انتاج الاستثمارات المحلية أو الاستيراد أو الإعانات الغذائية، كما حدثت تحولات كبرى في النظم الغذائية وشهدت الدول ارتفاعا في أمراض التغذية وزادت التبعية الغذائية.
ويُلخص الباحث أهم الملامح الرئيسية للنظام الغذائي-الزراعي المهيمن بعد نحو 40 عامًا من تطبيق السياسيات النيوليرالية في عدة نقاط أهمها إلغاء دعم صغار الفلاحين وانسحاب الدولة التدريجي من كل أشكال السند التقني والعيني، تسهيل حصول المستثمرين على مساحات شاسعة من الأراضي بالشكل الذي يُتيح استحواذ القلة، تبني سياسة الزراعة من أجل التصدير، وهيمنة النمط الغذائي الاستهلاكي.
ويشدد البحث على أن المنطقة تحتاج إلى إعادة رسم سياساتها الزراعية والبيئية والغذايئة استنادا إلى التمركز حول الداخل وفك الارتباط مع الخطط والأهداف والرؤى المركزية الأوروبية والأمريكية، ويتطلب ذلك برامج أكثر جذرية وتشاركية من أجل الاستفادة وتجديد الموارد الطبيعية المحلية وصيانة تجددها، كما يتطلب بناء مهارات ومعارف علمية جديدة ومتجذرة محليا في ذات الوقت تدعم الزراعة البيئية والتجديدة.
للاطلاع على نص الدراسة اضغط هنا: